ملخص
بدأت #تكية #ستنا_مريم منذ عام 2014 بتقديم خدماتها لقرابة 1500 أسرة بمعدل 500 وجبة يومياً
داخل مطبخ صغير تفوح منه رائحة التآلف والانسجام ينهمك المتطوعان الصديقان جريس ومحمد (23 سنة) إلى جانب 350 متطوعاً طوال أيام شهر رمضان في سكب الطعام وتغليفه وتسليمه للعائلات المحتاجة، أو توزيع الطرود الغذائية والمساعدات للأسر الفقيرة.
وعلى رغم أن تكية "ستنا مريم" في مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية، حيث يتطوع المسلمون والمسيحيون فيها جبناً الى جنب، تأسست لإغاثة الفقراء والمحتاجين على مدار العام إلا أن عملها يتضاعف في رمضان لإشباع أكبر قدر ممكن من البطون الجائعة بطعام منزلي شهي يقدم في أفضل صورة، وتعمل التكية على مدار العام بواقع يومين أسبوعياً، وتقدم الوجبات أيضاً للعائلات المستورة المسلمة والمسيحية، وتعتبر التكايا في فلسطين مكاناً عاماً لغوث المحتاج ووصل المنقطع ورعاية المسكين ومساعدة عابري السبيل، وتوحي الكلمة بالاتكاء أو الاستناد إلى شيء، ولا تزال بعض المدن الفلسطينية تتمسك بالتكايا التي ازدهرت في العهود الأيوبية والفاطمية والعثمانية بإيواء طلاب العلم والزوار والمنقطعين للعبادة وتقديم الطعام لهم.
ويقول جريس لـ "اندبندنت عربية" إنه "بمجرد أن نصل إلى بيوت المحتاجين ننسى كل الجهد الكبير والتعب والوقت الطويل الذي يتطلبه إعداد هذه الوجبات، فالسعادة الحقيقية هي الابتسامة التي نراها على وجوههم أثناء تسلمهم الوجبات."
إغاثة وترميم
وبدأت تكية "ستنا مريم" منذ عام 2014 بتقديم خدماتها لقرابة 1500 أسرة بمعدل 500 وجبة يومياً، ووصلت اليوم إلى نحو 4 آلاف أسرة بمعدل 5 آلاف وجبة يومياً، وبعد أن كانت الفئة المستهدفة من الأيتام والأرامل والمطلقات اللواتي يعلن أسرهن، تعمل التكية اليوم على مساعدة وإغاثة موظفين من ذوي الدخل المحدود، وهم الذين تردت ظروفهم المعيشية بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة.
وإلى جانب الطعام والطرود الغذائية تقدم التكية معدات طبية لذوي الاحتياجات الخاصة ومساعدات أخرى لترميم المنازل وتأهيلها بحسب حاجة الأسر، وتؤمن خدماتها كذلك لضيوف المستشفيات والحالات الاجتماعية والإنسانية الصعبة، إضافة إلى رعاية الأطفال المرضى بالسرطان والسكري، وفي الأعياد والمناسبات الدينية توزع التكية أحذية وملابس وألعاب أطفال وهدايا وحاجات أساس أخرى على قرابة 1000 عائلة مسلمة ومسيحية.
وتشير البيانات الحديثة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن 15 في المئة من نسب البطالة في فلسطين البالغة نحو 24 في المئة تتركز في مدينة بيت لحم.
انسجام وترابط
بدورها قالت منسقة عمل تكية "ستنا مريم" نجلاء الحاج أن "التكية أصبحت مقصداً لكل فقراء بيت لحم على مدار العام"، مضيفة أنه "في ظل الارتفاع المتزايد لأسعار السلع الأساس وتصاعد الفقر وتفشي البطالة بين الفلسطينيين، ارتفع الطلب على خدمات التكية مما دفعنا إلى توسيع خدماتها لتلبية حاجة الأسر الفلسطينية، ولذلك تقوم التكية بتوزيع الطعام نيئاً أو طهيه وتقديمه مرتين في الأسبوع".
وأشارت الحاج إلى أن تسمية التكية "جاء تيمناً بالسيدة مريم العذراء والدة السيد المسيح عليهما السلام، وفي إشارة للترابط والتآخي بين مسلمي المدينة ومسيحييها وحال الانسجام المتبادلة بينهم لطرد شبح العوز والفقر عن مدينتهم."
وأجمع مستفيدون من التكية قابلتهم "اندبندنت عربية أنها "أسهمت بشكل فعال في الحد من نسب التسول والفقر داخل المدينة التي تضررت كثيراً بعد جائحة كورونا، إذ تم تسريح آلاف العمال والموظفين والمستخدمين لسوق البطالة، كما فقدت مئات العائلات مصدر رزقها وتكبدت خسائر فادحة وديوناً لا تزال مستمرة حتى اليوم.
طوابير يومية
ووسط الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية داخل الضفة الغربية تميز رمضان هذا العام بزيادة حصص الطهي والوجبات نتيجة الإقبال الكبير والمتزايد من قبل الفلسطينيين على التكايا، لما تقدمه من طعام مجاني بخاصة مع الارتفاع الشديد في أسعار الدواجن، إذ وصل سعر كيلوغرام الدجاج في أول أيام رمضان إلى سبعة دولارات، وهو ارتفاع امتد بدوره إلى السكر والزيت الطحين والخضراوات.
وشهدت الضفة الغربية خلال الفترة الماضية ارتفاعاً في أسعار الوقود والمشروبات المحلاة بأنواعها والحبوب ومشتقات الألبان، ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن الإنفاق على الطعام في فلسطين يشكل 31 في المئة من متوسط الإنفاق الشهري للفرد.
ويرى مراقبون أن الطوابير التي تقف يومياً على أبواب "التكية الإبراهيمية" في مدينة الخليل و"تكية نابلس" الخيرية و"خاصكي سلطان" في القدس، وغيرها من التكايا التي تزيد على 15 وتنشط في الضفة الغربية خلال شهر رمضان، ربما تكون مؤشراً خطراً على تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لدى عدد من العائلات الفلسطينية وبخاصة بين الموظفين العموميين الذين يتقاضون منذ عاميين متتاليين رواتب منقوصة.
وكشف تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) لعام 2022 عن تعمق الفقر في الأراضي الفلسطينية، إذ إن 36 في المئة من السكان الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر، وفي غضون ذلك ارتفع مستوى انعدام الأمن الغذائي من تسعة في المئة إلى 23 في المئة داخل الضفة الغربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مدير "التكية الابراهيمية" حازم مجاهد قال "لم تشهد التكية اكتظاظاً في أعداد الوافدين إليها كما تشهده خلال الآونة الأخيرة، فنتيجة ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية وبخاصة اللحوم بأنواعها، ارتفع الطلب المتزايد على التكية التي من المتوقع أن تقدم ما يزيد على 120 ألف وجبة خلال شهر رمضان".
ورأى المدير العام للأوقاف الإسلامية في القدس عزام الخطيب الذي يشرف على "تكية خاصكي سلطان" في القدس أن "دور التكايا يعزز صمود المواطنين في مدنهم ويرفع المعاناة عن كاهل المحتاجين، بخاصة مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة التي يعانيها المقدسيون والتي تجاوزت 80 في المئة"، مضيفاً أن "التكايا الخيرية باتت ملاذاً لكثير من العائلات التي فقدت القدرة على توفير قوت أبنائها".
وقال المشرف على "تكية نابلس" الخيرية ماهر الرطروط إن ارتفاع أعداد المتبرعين للتكايا في شهر رمضان يساعد في زيادة عدد العائلات المستفيدة من الوجبات والطرود والمساعدات المختلفة، مما يمكن التكايا من توسيع خدماتها لتشمل كفالة للأيتام والمرضى وطلاب العلم.
دائرة مستقلة
ويوجد في الضفة الغربية والقدس حوالى 18 تكية، ثلاث منها خاصة لا تتبع للجنة أو صندوق الزكاة الفلسطيني كما بقية التكايا، وتعتمد في نفقاتها وشراء أدواتها ومكونات الطعام ومستلزماته وتحضيره على تبرعات المحسنين والميسورين وبعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية من دون وجود أي دعم أو تمويل رسمي منذ نشأتها، في حين تعتبر "التكية الإبراهيمية" في مدينة الخليل الحكومية الوحيد التي لها موازنة خاصة ضمن موازنة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، وبحسب مسؤولين فإن وزارة الأوقاف والحكومة الفلسطينية تسعى إلى إنشاء دائرة مستقلة داخل صندوق الزكاة تسمى "دائرة التكايا"، لتنظيم عمل التكايا ليصبح لها نظام يحكم عملها لجهة الموارد والنفقات، ويعزز دورها كرافد لمحاربة الجوع والفقر، وليصبح إنشاء التكايا بناء على دراسة موضوعية تتلمس الفقر مع تأسيس بنية تحتية قوية تضمن نجاحها.