ملخص
يحيي #المعهد البريطاني للسينما الشهر المقبل احتفالية #"يوم فريد وجينجر". ننظر في السحر الذي حققه الثنائي على الشاشة رغم توترما وراء الكواليس بفضل الاجتهاد والتناغم الجنسي الملتهب بينهما
الدم المتجمع في حذاء الرقص هو ما يجعلك تتوقف في كل مرة. عندما كانت جينجر روجرز وفريد أستير يصوران تسلسل مشاهد "لن أرقص أبداً" المثير في نهاية فيلمهما "وقت التمايل" Swing Time الصادر عام 1963 أعادا تأدية الرقصة 48 مرة. إنها رقصة عن اليأس والشوق بين الحبيبين اللذين يجسدهما أستير وروجرز ويبدو أن علاقتهما الغرامية وصلت إلى نهايتها، حيث اكتشف هو للتو أن عليها الزواج من شخص آخر. تبدو الرقصة على الشاشة منجزة بلا مجهود. يرتدي أستير ربطة عنق بيضاء وقبعة طويلة. أما روجرز – التي يقيم المعهد البريطاني للسينما معرضاً استذكارياً باسمها يستمر لمدة شهر ينطلق في وقت لاحق من هذا الشهر – فكانت ترتدي فستان رقص لامعاً. يبدأ بالغناء لها ثم يباشران الدوران حول أرضية الملهى الليلي الفارغة. تسلسل المشاهد يخلو تقريباً من المونتاج. اشتهر أستير بقوله للمخرجين: "إما أن ترقص الكاميرا أو أرقص أنا"، لكن النجمين يبدوان وكأنهما يستمتعان بوقتهما بينما يرقصان ويندفعان ويدوران وهما يصعدان السلالم.
بعد سنوات عديدة، كشفت روجرز في سيرتها الذاتية الصادرة عام 1991، عن التوتر الكامل الذي كان وراء مشهد عد واحداً من أروع المشاهد التي أدتها في أفلامها العشرة التي شاركت فيها مع أليستر. استغرق تسلسل الرقص وقتاً طويلاً جداً حتى أنجز بالشكل المطلوب. إذا حدثت عثرة طفيفة، كان عليهما البدء من جديد. في إحدى المرات، انطفأ أحد المصابيح. في لحظة أخرى، أصدرت الكاميرا أصواتاً غريبة. في بعض الأحيان، ينحرف الراقصان عن الإيقاع. والأسوأ من ذلك كله، أنه في نهاية أداء مثالي من الراقصين، طارت باروكة أستير فجأة.
كانت روجرز راقصة محترفة صلبة. تقول: "لم أشتك أبداً مما كان يزعجني. واصلت الرقص على رغم أن قدمي كانتا تؤلماني حقاً. خلال الاستراحة، ذهبت إلى جانب الصالة وخلعت حذائي: كانا ممتلئين بالدماء. لقد رقصت حتى انسلخ الجلد عن قدمي". قد يرى الجمهور الذي يشاهد الفيلم تلك الابتسامة الرائعة على وجه روجرز من زاوية مختلفة لو عرف الآلام التي كانت تعانيها.
في العام التالي، عندما أدت هي وأستير رقصة بأحذية التزلج في فيلم "هل نرقص" Shall We Dance (1937)، تزلجا لأكثر من 80 ميلاً (أكثر من 128 كم). لم يكن مستغرباً أنها اعتادت على إخبار الصحافة مازحة أنها بعد تصوير فيلم مع أستير ستذهب في عطلة "للتنقيب في مناجم الملح".
لماذا كان روجرز وأستير هذا الثنائي الناجح جداً على الشاشة؟ اشتهرت كاثرين هيبورن بمقولة: "هي أضفت الإثارة الجنسية إليه وهو منحها الرقي". كان هذا بالتأكيد جزءاً من المعادلة، لكن كانت هناك عوامل أخرى أيضاً، من بينها طول روجرز البالغ 164 سم الذي جعل أستير الذي يبلغ طوله 179 سم مرتاحاً أكثر بالرقص معها مقارنة بالنجمات الأخريات الأطول، كما كان كلاهما عنيدين، هو يسعى وراء الكمال بينما عرفت هي بكونها واحدة من أكثر النجمات اجتهاداً في هوليوود.
لم يحب أستير تقبيل النجمات اللاتي يشاركنه البطولة، وبالتأكيد ليس عندما كانت زوجته الأولى فيليس موجودة في موقع التصوير. مع ذلك، قبل عامين من ظهورهما على الشاشة معاً، خرج مع روجرز في موعد غرامي انتهى بتبادل حميمي للقبلات في المقعد الخلفي لسيارة. كتبت روجرز في سيرتها الذاتية عن قبلة استمرت لمدة خمس دقائق، لكنها لم تتجاوز أبداً الحدود التي توافق عليها الرقابة".
اعترفت كذلك: "لو بقيت في نيويورك، أعتقد أن العلاقة بيني وبين فريد أستير كانت ستصبح أكثر جدية. كنا مختلفين في بعض النواحي، ولكننا متشابهان في جوانب أخرى. انخرطنا في التمثيل منذ سن مبكرة، وأحببنا الاستمتاع بوقتنا، وبالتأكيد أحب كلانا الرقص".
في أفلام روجرز وأستير، غالباً ما كان هناك توتر جنسي بين البطلين. تميل الشخصيات التي لعباها إلى أن تكون متباينة جداً وتستطيع التغلب على العداء وسوء الفهم بينها فقط في حلبة الرقص. لم يترفع النجمان عن محاولة جعل الآخر يرتكب خطأ. في رقصة "الخد قرب الخد" في فيلم "قبعة طويلة" Top Hat (1935)، لما كان أستير يغني "الجنة، أنا في الجنة"، تردد أنه كان يواجه صعوبة في كبح عطاسه. كانت روجرز قد اختارت عمداً ارتداء فستان مبالغ فيه مغطى بريش النعام كي تلفت نظر الجمهور إليها وإليه بالمقدار نفسه. إذا تسبب الريش في رد فعل تحسسي لدى شريكها في الرقصة، فهذه كانت مشكلته.
يعد فيلم سيرة ذاتية جديد من بطولة مارغريت كوالي في دور روجرز وجيمي بيل في دور أستير بالكشف عما تسميه الصحافة الفنية "العلاقة العاطفية والحارقة" بين الثنائي في الأفلام. ومن المقرر أيضاً أن يلعب توم هولاند دور أستير في فيلم سيرة ذاتية منافس، على رغم عدم وجود أخبار حتى الآن حول من ستلعب دور جينجر أمامه. حقيقة وجود مشروعين من هذا القبيل في طور الإعداد تعد دليلاً على جاذبية الثنائي الباقية.
على كل حال، فإن الاحتفالية الحالية التي يحييها المعهد البريطاني للسينما لأفلام روجرز تحاول جاهدة إخراجها من تحت عباءة أستير. ففي النهاية، لا يشكل تعاونهما سوى جزء صغير من عطائها المهني بالمجمل. قدمت أكثر من 60 فيلماً من دون أستير، وظهرت في مسرحيات درامية كئيبة وكوميدية غريبة الأطوار وكذلك في المسرحيات الغنائية. كتب باتريك ماك جيليغان، واحد من أوائل كتاب سيرتها الذاتية، عن "تنوعها المذهل". كانت قادرة على لعب أي شخصية، من الموظفة المكتبية مروراً بالشابة اللاهية المهووسة بالموضة والمغنية في جوقة وصولاً إلى الوريثة. كانت ساحرة للغاية ومتواضعة للغاية، وهو المزيج القوي الذي حولها إلى واحدة من أكبر النجمات اللاتي يحققن مكاسب كبيرة في شباك التذاكر في عصرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت روجرز تجيد دور الفاجرة وكذلك البريئة. في أحد أوائل أفلامها، "الرجل الشاب من مانهاتن" The Young Man of Manhattan (1930)، الذي شاركت في بطولته في دور الشابة اللاهية المسرفة باف راندولف التي تقول جملة لا تنسى بأسلوب فنانة الإغراء مي ويست بقيت عالقة في أذهان الجمهور: "أعطني سيجارة أيها الصبي الكبير!"، كما أن النجمة لم تكن خائفة من المشاركة في مشاريع غير نمطية. في فيلم "الرائد والطفلة" The Major and The Minor الهدام للغاية للمخرج بيلي وايلدر (1942)، لعبت روجرز التي قد فازت للتو بجائزة أوسكار عن فيلم "كيتي فويل" Kitty Foyle (1940) وكانت في ذروة شهرتها، دور امرأة تعيش في نيويورك وتتظاهر بأنها فتاة تبلغ من العمر 12 سنة كي تتمكن من الحصول على تذكرة قطار مخفضة الثمن لتعود بها إلى موطنها في أيوا. الغريب في الأمر هنا هو أن الرائد (يؤديه الممثل راي ميلاند) يغرم بها على رغم اعتقاده أنها طفلة.
قدمت روجرز أداءً ممتازاً في دور الفتاة الحكيمة والطموحة آني رايلي في فيلم "الشارع 42" 42nd Street (1933) التي تغني في جوقة ومستعدة للقيام بأي شيء من أجل الحصول على دور ("قالت "لا" مرة واحدة فقط ثم لم تسمع السؤال")، وأداء مضحكاً للغاية عندما وقفت أمام كاري غرانت في كوميديا الحرب غريبة الأطوار "حدث ذات مرة في شهر العسل" Once Upon a Honeymoon (1942) حيث لعبت شخصية راقصة هزلية سابقة تسعى وراء المال بينما تتظاهر بأنها وجه اجتماعي من الطبقة النبيلة. تكاد شهرتها بفضل الأفلام التي لم تشارك فيها تساوي تلك التي كان لها نصيب فيها. رفضت البطولة في شخصية المراسلة هيلدي جونسون في فيلم "خادمته فرايداي" His Girl Friday للمخرج هاورد هوكس (1940)، فاسحة المجال أمام روزاليند راسل للعب أفضل أدوارها على الإطلاق.
قلة من النجمات الأخريات في عصرها، كن يتمتعن بمسيرة مهنية غنية ومتنوعة مثل روجرز. مع ذلك، فإن الحديث دائماً يدور في النهاية حول أفلامها الراقصة رفقة أستير. حتى إن المعهد البريطاني للسينما نفسه سيقيم يوماً لفريد وجينجر في 8 أبريل (نيسان).
بدأت الشراكة بين روجرز وأستير جزئياً عن طريق الصدفة في عام 1933 مع المسرحية الموسيقية "الطيران نحو ريو" Flying Down to Rio. لم يكونا النجمين الرئيسين، ولم يتم التعاقد مع روجرز إلا بعد أن تركت الممثلة دوروثي جوردان التي كانت تلعب دورها في الأصل، العمل كي تتزوج من منتجه ميريان سي كوبر، الذي اشتهر بصناعة فيلم "كينغ كونغ" King Kong. اعتقد أستير أنها بدت فظيعة في الفيلم وطلب ألا يتم الجمع بينه وبين روجرز مرة أخرى، لكن رقصة "الكاريوكا" المليئة بالحيوية والطاقة والتحدي التي قدماها خطفت الأنظار في الفيلم.
هناك تقدير كبير للأعمال الموسيقية التي قدمها الثنائي لدرجة أنه يتم التغاضي في بعض الأحيان عن السياسات الجنسية المقلقة في الأفلام. يشعر المرء بالقلق اليوم عندم مشاهدة فيلم مثل "مرتاح البال" Carefree (1938) الذي يلعب فيه أستير دور محلل نفسي يقوم بتخدير وتنويم خطيبة صديقه المفضل (روجرز) وسرقتها في النهاية. في بداية العمل تسمع روجرز تسجيلاً يصف فيه أستير مريضة بأنها "أنثى مدللة نموذجية، ما تحتاج إليه بدلاً من الطبيب هو ضرب جيد". ينتهي الفيلم بتلقي روجرز صفعة على وجهها من قبل خطيبها.
سيقدم مايلز إيدي، الكاتب والمنسق السينمائي، كلمة مرفقة بصور عن "سحر" روجرز وأستير ضمن فعاليات يوم فريد وجينجر الذي ينظمه المعهد البريطاني للسينما. إنه يقر بأن "مرتاح البال" ليس فيلماً يمكن صناعته اليوم.
يقول إيدي: "إنه فيلم إشكالي تماماً... [إنه] يستفيد من افتراض الجمهور أن [أستير] كان القوة المسيطرة والإبداعية. هناك بعض المواضيع الإشكالية للغاية في الفيلم. يوجد قليل من العنف تجاه جينجر ونراها تسير نحو منصة الزفاف وعينها متورمة في نهاية العمل... التعبير عن هجاء والرومانسية ومحاكاتها الساخرة متحيزان جنسياً إلى حد كبير [بمعايير] اليوم".
هناك مشاهد أخرى تجمع روجرز وأستير ستتعرض لنقد شديد من قبل المشاهدين المعاصرين. على سبيل المثال، في "وقت التمايل" يغطي أستير وجهه بصباغ داكن لتجسيد شخصية راقص التاب الأسطوري الأسود بيل "بوجانغلز" روبنسون. هناك لحظات في رقصته مع روجرز حيث يعترض طريقها أو يمسك معصمها. يقول إيدي: "يتم تقديم ذلك على أنه ترفيه مرح، لكنه إشكالي بالنسبة لنا".
مع ذلك، لا يزال أيدي من أشد المعجبين بالأفلام الموسيقية ويعتقد أنها لا تزال قادرة على أن تكون مصدر إلهام وترفيه للجماهير الأصغر سناً. يقول "عندما تتحدث عن الصعوبات التي تواجهها الأفلام بأكملها، كالسياسة الجنسية، وما إلى ذلك، في الواقع، يبدو أن الطريق لتجاوز ذلك هو استخلاص اللحظات المذهلة من الأفلام ومشاركتها"، مستشهداً بمقاطع تنتشر عبر الإنترنت تحمل عناوين مثل "نجمان سينمائيان قديمان يرقصان على أغنية أبتاون فانك" الذي تم فيه تركيب رقصة روجرز أستير على موسيقى الفانك وحذف الخطوط المزعجة في الحبكة.
هناك نقطة مماثلة تشير إليها الناقدة باميلا هاتشينسون التي ستقدم الشهر المقبل تعريفاً غير رسمي جنجر روجرز أمام أعضاء المعهد البريطاني للسينما الذين هم في سن الخامسة والعشرين أو أقل. تقول: "كانت جينجر روجرز تتمتع بتلك الصفات النابضة بالحياة والمفعمة بالشباب... تعرض الرقصات التي تقدمها في أفلامها بشكل جميل جداً على يوتيوب لدرجة أنني متأكدة من أن كثيراً من الناس يجدونها مناسبة لهذه الطريقة".
إذن، ربما تقدم الأفلام مواقف تبدو متخلفة بشكل مرعب، لكن تلك الرقصات الشجاعة التي نزفت روجرز من أجلها ومن أجل فنها، والتي تدرب عليها أستير بمثل هذه الجهود المكثفة الشيطانية، تظل منعشة كما كانت دائماً. كلما ازداد الجهد الذي بذلاه، كلما بدا رقص روجرز وأستير على الشاشة أكثر روعة ومن دون عناء - وهذا هو السبب في أنه لا يزال موضع تقدير في يومنا هذا. كان أستير عبقرياً، لكن يمكن القول إن روجرز كانت أفضل. في نهاية المطاف، وكما تقول شخصيات الرسوم المتحركة التي ابتكرها بوب ثافيس، وكانت تعلق صورة لها في منزلها: "كانت تفعل كل ما فعله فريد أستير، ولكن بطريقة معاكسة وبالكعب العالي".
تقام فعاليات احتفالية "جينجر روجرز: كل تلك الإثارة" في المعهد البريطاني للسينما في ساوث بانك بلندن بين 27 مارس (آذار) إلى 30 أبريل. تجرى احتفالية يوم فريد وجينجر يوم السبت 8 أبريل. يمكن شراء التذاكر من الموقع التالي: bfi.org.uk/ginger
© The Independent