Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد أربعة عقود... إيران تعلن مقتل دبلوماسييها المخطوفين في لبنان وتتراجع

قائد "الحرس الثوري" حسين سلامي يصفهم بـ"الشهداء" ومتحدث باسم الحرس يقول إن كلامه فهم خطأ

كان السبب في توجه أحمد متوسليان إلى لبنان هو المساعدة في تأسيس "حزب الله" (تسنيم)

ملخص

تثير #إيران ملف دبلوماسييها الأربعة الذين فقدوا في #لبنان بين الحين والآخر

يعود إلى الواجهة ملف الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة المختطفين منذ 41 عاماً في لبنان، وتحديداً في 5 يوليو (تموز) 1982، وكان ذلك مع بداية الاجتياح الإسرائيلي، بعد إعلان قائد "الحرس الثوري" الإيراني اللواء حسين سلامي، رسمياً، في 1 أبريل (نيسان) الجاري، مقتل الدبلوماسيين الأربعة، الأمر الذي اعتبرته الصحافة أنه "كشف عن لغز الخطف". جاء الإعلان خلال لقائه عوائل الدبلوماسيين، إذ وصف سلامي، أحمد متوسليان (أحد الدبلوماسيين المخطوفين) بأنه "أول شهيد إيراني في طريق تحرير القدس وفتوحات محور المقاومة". ولكن ما لبث أن عاد المتحدث باسم "الحرس" العميد رمضان شريف، عن إعلان سلامي، الإثنين 3 أبريل، مشيراً إلى أنه "أسيء تفسير كلام القائد العام للحرس الثوري بشكل غير صحيح خلال الإشادة بالحاج أحمد متوسليان، ودوره القيادي في فتح الطريق أمام تحرير القدس وتحرير شعب فلسطين المظلوم من نير هيمنة الصهاينة، واعتبر البعض ووسائل الإعلام أن استشهاد الحاج أحمد متوسليان أمر محسوم"، مضيفاً أنه "لم يطرأ أي تغيير على ملف الحاج أحمد متوسليان ورفاقه ومصيرهم، ولا يزال ملفهم مفتوحاً وتتابعه السلطات السياسية والقانونية في البلاد"، بحسب ما ورد عبر وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية للأنباء.

من هم الدبلوماسيون الأربعة؟

الدبلوماسيون الأربعة هم وبحسب وسائل إعلام إيرانية، محسن الموسوي، وكان يشغل منصب القائم بأعمال السفارة في بيروت، والصحافي كاظم أخوان وكان يعمل لحساب وكالة أنباء "إيرنا" الإيرانية الرسمية، وتقي راستغار مقدم، وهو موظف فني، أما الشخصية الأهم بينهم فهو أحمد متوسليان، أحد أبرز قادة "الحرس الثوري"، الملحق العسكري في السفارة الإيرانية في بيروت حينها. وتقول صحيفة "الوفاق" الإيرانية إن السبب في توجهه إلى لبنان، كان "كي يساعد الشعب اللبناني على تأسيس المقاومة، وهذا ما كان سبباً كفيلاً لكي تقوم ميليشيا القوات (اللبنانية) بقتله مع رفاقه". يذكر أنه في يوليو 2012، قدم سعيد قاسمي قائد "أنصار حزب الله"، من جماعات الضغط المحسوبة على "الحرس الثوري"، تفاصيل غير معروفة عن أوامر للمرشد الإيراني علي خامنئي عندما كان رئيساً للجمهورية في يونيو (حزيران) 1981 لإرسال وحدتين من "الحرس" إلى لبنان أثناء الحرب الأهلية، بهدف تدريب عناصر "حزب الله".

تضارب وغموض في المعلومات
يثير إعلان حسين سلامي عن مقتل الدبلوماسيين، ومن ثم التراجع عن الإعلان على لسان المتحدث باسم "الحرس"، رمضان شريف، تساؤلات عدة، أبرزها توقيت الإعلان ولمَ يحرك ملف "قضية الدبلوماسيين" في هذا الوقت؟ في عام 2020، كشف مدير مؤسسة "أوج" للإنتاج الفني والإعلامي، المقربة من "الحرس" إحسان محمد حسني، في مقال، نشرته وسائل إعلام إيرانية، في 1 أبريل، عن أن الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة المختطفين في بيروت منذ عام 1982 ليسوا على قيد الحياة، وأن رفاتهم قد يعاد إلى إيران خلال الفترة المقبلة. وقال حسني في مقاله، كما نشرته وكالة "مهر" الإيرانية، إنه بعد 38 عاماً "ثمة أنباء" تشير إلى أن "الحاج أحمد متوسليان ورفاقه المقاتلين الثلاثة محسن موسوي، وتقي رستغار مقدم وكاظم أخوان، وبعد خطفهم بأيام قصيرة من بعد أسرهم على يد ميليشيات حزب الكتائب، العميلة للكيان الصهيوني، تم رميهم بالرصاص في شواطئ البحر الأبيض المتوسط". وأضاف مدير مؤسسة "أوج" أن "مكان دفنهم محدد"، من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل في شأن ذلك، لكن يبدو أنه ليس متأكداً بالكامل من صحة المعلومات التي وصلت إليه في شأن اكتشاف مصير الدبلوماسيين، إذ قال إن "هذا الخبر إما حقيقة أو مجرد مزاعم". إلا أنه ربط صحة أو كذب هذا الادعاء بتحريات وتحقيقات لـ "فيلق القدس" بالتعاون مع الخارجية الإيرانية وبحارة "حزب الله" في المكان الذي قال إن الإيرانيين الأربعة دفنوا فيه، و"في حال اكتشف رفاتهم الطاهر سيجرى فحص الحمض النووي ومن ثم سنعلن عن الحقيقة للشعب ورفاقهم وأسرهم". في شهر يوليو من عام 2016 وصل إلى لبنان وفد إيراني يضم عائلات الدبلوماسيين، وعقد لقاء تضامني معهم في السفارة الإيرانية تزامناً مع الذكرى السنوية لعملية الخطف. وزار الوفد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، مطالباً إياه بالعمل على فتح مفاوضات لأجل استعادة المفقودين الأربعة. طرحت هذه الزيارة حينها أسئلة في الإعلام اللبناني عن أسباب وأهداف إثارة الملف بين الحين والآخر. وقالت مصادر متابعة حينها "إن إيران تصر دوماً على أن تكون في موقع الدولة التي لها استحقاقات على الدول الأخرى، ولا سيما الخصم منها"، بخاصة أن الوفد الإيراني أكد أن على الدولة اللبنانية القيام بواجباتها تجاه هذا الملف. علماً أن سفير إيران في بيروت محمد جلال فيروزنيا، قال خلال احتفال إحياء ذكرى خطف الدبلوماسيين في يوليو 2022 "إن حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إذ تقدر الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية من قبل الحكومة اللبنانية لمتابعة هذا الموضوع، مثل الكتاب الذي أرسل بتاريخ 13 سبتمبر (أيلول) 2008 من قبلها إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في ذلك الحين الذي يؤكد أن الخطف جرى على الأراضي اللبنانية، تشدد على استمرارية جهودها المخلصة وإبقائها على سلم الأولويات".
ويبدو أن قضية الدبلوماسيين تظهر وتختفي تبعاً لأجندة إيرانية غير واضحة حتى الآن. في أواخر مايو (أيار) 2016، أفاد وزير الدفاع الإيراني السابق، حسين دهقان، وهو مستشار عسكري للمرشد الإيراني، في تصريح صحافي بأن طهران حصلت على معلومات تظهر أن متوسليان وثلاثة إيرانيين آخرين اختفوا في بيروت، ما زالوا على قيد الحياة. وحمل دهقان إسرائيل مسؤولية سلامة الإيرانيين الأربعة، من دون أن يتطرق إلى التفاصيل. وفي يونيو من العام نفسه، قال رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الإيراني، النائب إسماعيل كوثري، وهو قيادي في "الحرس الثوري"، إن المسؤولين الإيرانيين رفضوا قبل سنوات اقتراحاً من عماد مغنية (القائد العسكري السابق لحزب الله الذي اغتيل في دمشق)، لصفقة تبادل بين مسؤول أميركي كان رهينته، ومتوسليان. وقال كوثري "يجب أن نسأل المسؤولين الذين أداروا دفة الملف آنذاك، لماذا لم تتهيأ الأرضية المناسبة لصفقة التبادل بين إيران وإسرائيل لإطلاق سراح الدبلوماسيين الأربعة؟". وكان أمير متوسليان، الشقيق الأصغر لأحمد متوسليان، قال في مقابلة مع وكالة "ميزان" التابعة للقضاء الإيراني، إن "صفقة التبادل بين إيران وإسرائيل لإطلاق سراح أخيه بموجبها، كانت في الخطوات النهائية قبل أن تتراجع إيران". وقال إنه يجهل أسباب أسر أخيه على مدى سنوات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


كيف حصلت عملية الخطف؟

نسجت روايات كثيرة حول الحادثة وطريقة الخطف وكيف ولماذا؟ وبطبيعة الحال كانت هناك الرواية الرسمية الإيرانية، ورواية حزب "القوات اللبنانية" على لسان من عاصروا تلك الفترة من تاريخ لبنان. ولكن القاسم المشترك بين الروايات جميعها أن الدبلوماسيين الأربعة خطفوا على حاجز البربارة (شمال لبنان)، في الخامس من يوليو 1982، واقتيدوا إلى أحد المراكز الحزبية الخاصة بـ"القوات اللبنانية". وتقول رواية طهران إن الدبلوماسيين الأربعة كانوا في طريقهم من دمشق إلى بيروت وخطفوا بعدما وصلوا إلى حاجز البربارة، الذي كانت تسيطر عليه "القوات اللبنانية"، مضيفة خلال العقود الماضية أن "القوات سلمتهم إلى الاحتلال الإسرائيلي".
في كتابه "كوبرا - في ظل حبيقة مروراً بصبرا وشاتيلا" إصدار 2017، يقول روبير حاتم الملقب بـ "كوبرا" الذي كان يتولى مسؤولية حراسة إيلي حبيقة، الوزير اللبناني السابق وأحد قادة "القوات اللبنانية"، والذي كان في وقت حادثة الخطف مسؤولاً عن الجهاز الأمني في "القوات"، "إن حبيقة أراد أن يورطه بتحميله مسؤولية كل الجرائم التي ارتكبها، ومن ضمنها اختفاء الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة. وعلى عكس كل الافتراضات والأعذار أستطيع أن أؤكد وأثبت أن الدبلوماسيين الأربعة قتلوا ودفنوا على عجل في الكرنتينا، (شرق بيروت) تحت شجر الأوكاليبتوس في المجلس الحربي وجهاز الأمن في القوات اللبنانية... في حفر تحت الشجرة غطوا ونثر عليهم الكلس لتسريع عملية تحلل جثثهم ولامتصاص الروائح الكريهة".
أيضاً في حوار مع الإعلامي سامي كليب عبر برنامجه "زيارة خاصة" في عام 2000، قال حاتم إنه عمل طيلة 20 عاماً مع حبيقة كان يرافقه فيها كظله. وأضاف أن حبيقة أصدر أوامره بقتل كل الدبلوماسيين الإيرانيين العاملين في السفارة الإيرانية في بيروت، وذلك انتقاماً من قيام "حزب الله" الموالي لإيران بخطف شخصية لبنانية كبيرة في منطقة سن الفيل (إحدى ضواحي بيروت)، مضيفاً "عندما سألت إيلي حبيقة عن هذا الموضوع قال لي إنه أكبر منك، بل إن رجل الأعمال حبيب الخوري عرض شراء الجثث، لكن حبيقة رفض وقال له انسَ الموضوع لأنه أكبر منك أيضاً، لأن الثمن المطلوب لكل جثة هو مليون دولار في الأقل".
وفي رواية أخرى جاءت على لسان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع إثر خروجه من السجن في عام 2005، أفيد بأن الدبلوماسيين الأربعة قتلوا على أيدي مسلحين. وتذكر مقالات صحافية عدة أيضاً أنه أواخر عام 1990 زار وفد دبلوماسي إيراني يرافق عائلات الدبلوماسيين المفقودين، سمير جعجع في مقره، فأبلغهم جعجع بما جرى، وأن الأربعة نقلوا إلى جهاز الأمن الذي يرأسه إيلي حبيقة وقتلوا بعد وقت قصير من خطفهم وتعذر العثور على رفاتهم. وتستند رواية أخرى إلى معلومات غربية، ووفقاً لما يقوله بعض المسؤولين الإيرانيين، إن الدبلوماسيين الأربعة نقلوا في حينها إلى إسرائيل. وكان النائب في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان)، جواد كريمي قدوسي أعلن في يوليو 2016، عن احتمال "أن يكون الكيان الإسرائيلي قد وجه رسالة يبدي فيها استعداده للتفاوض مع (حزب الله) لإبرام صفقة تبادل تشمل أسرى إسرائيليين بيد الحزب من جانب والدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة من جانب آخر". وكشف قدوسي أن لدى الحزب "أسرى صهاينة على مستوى عالٍ، وحتى إن لدى (حزب الله) أسرى من فرنسا ودول أوروبية أخرى شاركوا في معارك حلب". وأوضح "أن أمين عام (حزب الله) حسن نصر الله وعد بأنه سيتابع بنفسه القضية". وما انفكت السلطات الإيرانية وعائلات الدبلوماسيين يؤكدون أن لديهم أدلة على أن المخطوفين ما زالوا على قيد الحياة، وقد سلموا إلى إسرائيل حيث يقبعون في أحد سجونها، وذلك انطلاقاً من شهادات لبعض الأسرى المحررين.


ما علاقة "الانقلاب الزاحف" داخل الحرس وقضية الدبلوماسيين؟

في سبتمبر 2020، مع تضارب الأنباء في وسائل الإعلام الإيرانية، حول وجود جثة متوسليان في طهران، وتقارير عن فحص الحمض النووي، بثت قناة "بي بي سي فارسي"، تقريراً وثائقياً تحت عنوان "الانقلاب الزاحف في الحرس الثوري الإيراني"، ويسلط الضوء على خلافات بين قادة "الحرس الثوري"، خصوصاً بين قادة مقربين من متوسليان ومنافسيهم على المراكز القيادية في "الحرس".
"الانقلاب الزاحف" مصطلح استخدمه بعض كبار قادة "الحرس" إبان الحرب مع العراق، نقلاً عن حسين علي منتظري في عام 1984 عن أنشطة مجموعة من قادة الحرس النافذين، مجموعة لديها الخبرة الكافية، لم تشارك في الحرب ولا في الجبهات الحربية، وحاولت عزل قادة مهمين عبر ممارسة الأنشطة السياسية والأمنية. وبدلاً من القتال انخرطت هذه المجموعة في النشاط السياسي والاستيلاء على السلطة السياسية. وعزل حينها قادة في "الحرس" مثل داوود كريمي ومنصور كوشك محسني وأكبر جانجي، الذين سجنوا في ما بعد. وعلى رغم محدودية الحديث عن هذا المصطلح (الانقلاب الزاحف) والاجتماع بعد عام 1984 في مذكرات السياسيين وبعض الشخصيات العسكرية، فإن الملف الصوتي للاجتماع سرب لأول مرة على شكل فيلم عبر وثائقي بثته "بي بي سي". ويروي الوثائقي بشكل خاص جلسة تخللها تراشق بالاتهامات، وانتقادات متبادلة بين قادة المجموعتين في نوفمبر (تشرين الثاني) 1984. ورداً على الوثائقي، أقدمت وكالة "تسنيم" التابعة لـ "الحرس الثوري" على ما وصفته بـ "التسجيل الصوتي الكامل" لتلك الجلسة. كما أفادت بعض وسائل الإعلام المقربة من "الحرس" بأن الاجتماع كان سرياً وعادياً، وأنه "جرت محاولة لتسييسه". ويعزز الوثائقي التقارير التي طرحت فرضية إرسال متوسليان إلى لبنان، على رغم شدة المعارك بين إيران والعراق، بسبب معارضته إدارة الحرب مع كبار قادة "الحرس"، على رأسهم القائد السابق محسن رضائي. ونشرت روايات مختلفة عن ذلك الاجتماع في مقتطفات. لكن "بي بي سي فارسي" عادت ونشرت وثائقياً آخر في يونيو 2022، كشف عن نقاط "جوهرية" حذفت من تسجيل وكالة "الحرس الثوري"، وفقاً لما جاء في صحيفة "الشرق الأوسط"، وتتعلق باختفاء ومصير القيادي متوسليان. ومن بين الأجزاء المحذوفة جزء يعود إلى تصريحات قائد غرفة عمليات "الحرس الثوري" حسن بهمني، الذي يشير فيه إلى تصريحات علي شمخاني، نائب قائد "الحرس" حينذاك، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي حالياً. وفي الشهادة التي وردت في التسجيل الصوتي يصف بهمني قائده متوسليان بأنه القائد الميداني الأكثر براعة بين قادة "الحرس"، عندما أرسل إلى لبنان، ويعرب عن انزعاجه من قول شمخاني، "كان (متوسليان) ضرساً مسوساً وتم خلعه".

المزيد من تقارير