ملخص
يرى اختصاصي النساء والولادة عبدالرحيم جعفر أن "الحرب فاقمت معاناة النساء في السودان، إذ تعرضن لانتهاكات عدة، فضلاً عن نقص الرعاية الصحية، مما أسهم في تزايد حالات الإجهاض بسبب الخوف والهلع جراء القصف المدفعي والجوي، وكذلك الصدمات النفسية والنزوح المتكرر وسوء التغذية".
فرضت موجات النزوح المتتالية في السودان ضغوطاً هائلة على الموارد والخدمات الأساسية في المدن الآمنة، مما فاقم الأوضاع الصحية للنساء، بخاصة عدم توفر وسائل الرعاية الطبية الأولية والإنجابية، مما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة تتسع بصورة مخيفة في ظل طول أمد الحرب وعدم وجود مؤشرات لحل يوقفها.
وأدى انعدام الفيتامينات وسوء التغذية والتطعيمات الضرورية أثناء الحمل إلى ارتفاع معدلات حالات الإجهاض وسط النساء خصوصاً في معسكرات إيواء النازحات، وكذلك الأمهات في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة.
حالات وفاة
إلى ذلك قالت جمعية تنظيم الأسرة السودانية إن "حالات الإجهاض تزايدت في مراكز الإيواء نتيجة لعدم توفر الرعاية الطبية اللازمة والنقص الحاد في خدمات الصحة الإنجابية، لا سيما الفيتامينات والمكملات الغذائية".
وأشارت في بيان إلى أن "مئات النساء النازحات يعانين بشدة، وأن هناك حالات وفاة عدة سجلت بين الأمهات بسبب سوء رعاية الحمل إلى جانب عدم توفر الرعاية للأطفال حديثي الولادة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والصغار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت الجمعية أنها "تتابع بقلق بالغ تداعيات تدهور الوضع الإنساني في شرق السودان نتيجة موجة النزوح الهائلة التي سببتها جرائم وانتهاكات قوات 'الدعم السريع' في ولاية الجزيرة والمناطق المجاورة".
وأضاف البيان، "تعرب الجمعية عن التزامها بالتعاون مع الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة 'اليونيسيف' لتقديم الدعم الأساس للنساء والفتيات في مراكز الإيواء".
تدخل حكومي
وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم قال إن "نسبة وفيات الأمهات بلغت 295 لكل 100 ألف حالة ولادة، ووفيات الأطفال 51 لكل ألف طفل مولود، بالتالي فإن هذه الشريحة تحتاج إلى رعاية خاصة".
وأضاف إبراهيم أن "وضع الصحة الإنجابية والأمهات في حاجة إلى تدخلات في ظل الحرب واعتداءات قوات 'الدعم السريع'، لذلك تم وضع خطة استراتيجية لعام 2025، تتطلب رصد أكثر من 200 مليون دولار من قبل حكومة السودان والشركاء والمانحين".
وأوضح وزير الصحة السوداني أنهم "توصلوا لاتفاق مع منظمات الصحة العالمية و'اليونيسيف' وبعض المانحين من أجل تركيز الجهود لخفض وفيات الأمهات والأطفال من خلال تكامل الجهود المشتركة والتنسيق المحكم لسد الحاجة الفعلية وزيادة الاهتمام".
خوف وهلع
النازحة السودانية ميادة محمد فاروق التي كانت تقيم في منطقة تمبول بولاية الجزيرة قالت، "تجدد نزوحنا للمرة الثالثة من المنطقة التي جئنا إليها من الخرطوم، وبعد تصاعد وتيرة المعارك وتزايد معدلات الانتهاكات، زاد مخاوفنا التعرض للقتل والاغتصاب والعنف الجنسي، لذلك قررنا التوجه نحو مدينة حلفا شرق الخرطوم". وأضافت، "في رحلة النزوح لم نجد وسيلة تقلنا إلى وجهتنا، وبعد أربع ساعات من المشي وصلت متعبة وغير قادرة على التقاط أنفاسي، كان الطريق مزدحماً بآلاف الفارين من ويلات الصراع المسلح، وبعد جهود مضنية أقلتنا سيارة إلى مدينة حلفا".
وأوضحت النازحة السودانية أن "المستشفى الوحيد الذي يعمل يستقبل مئات النساء الحوامل، وبصعوبة وبعد انتظار لساعات أجريت الفحوص الطبية التي أظهرت عدم وجود نبض للجنين، والحاجة إلى عملية إجهاض عاجلة من أجل وقف النزف حفاظاً على حياتي". وتابعت، "تمكن الأطباء من إجراء العملية، وكنت أنا الحالة السادسة من مجموع حالات الإجهاض التي أجراها المستشفى في ذلك اليوم، وبحسب الطبيب فإن الإجهاض نتج من إرهاق الرحلة والخوف".
أزمات ومعاناة
المواطن السوداني محجوب حسن الذي نزح برفقة أسرته من ولاية سنار، قال إن "ظروف الحرب أجبرته على السكن في إحدى مراكز الإيواء بمدينة كسلا بشرق السودان، وبعد مرور 60 يوماً أصيبت زوجته بنزف حاد، وتم نقلها إلى المستشفى لتلقي العلاج، ونتيجة الانتظار الطويل وعدم توفر وسائل الرعاية الطبية الإنجابية، قرر الأطباء إجراء جراحة لإخراج الجنين". وأضاف، "بعد ثماني ساعات من العملية قرر الطبيب إخراجها من المستشفى وإعادتها إلى مركز إيواء النازحين لعدم توافر أسرة داخل قسم النساء والولادة بسبب الاكتظاظ بالحالات المشابهة".
وأوضح حسن أن زوجته تعاني حالياً وتدهورت صحتها لعدم وجود الفيتامينات والمكملات الغذائية الضرورية، وهو لا يستطيع نقلها إلى المستشفيات الخاصة بسبب نفاد مدخراته المالية.
عوامل مؤثرة
على الصعيد نفسه يرى اختصاصي النساء والولادة عبدالرحيم جعفر أن "الحرب فاقمت معاناة النساء في السودان، إذ تعرضن لانتهاكات عدة، فضلاً عن نقص الرعاية الصحية، مما أسهم في تزايد حالات الإجهاض بسبب الخوف والهلع جراء القصف المدفعي والجوي، وكذلك الصدمات النفسية والنزوح المتكرر وسوء التغذية". وأضاف، "ندرة الأدوية والفيتامينات والمكملات الغذائية التي يجب أن تحصل عليها الحوامل في الأشهر الثلاثة الأولى والتطعيمات الضرورية عوامل أدت إلى تسجيل حالات إجهاض متكررة".
وبين جعفر أن "رحلات النزوح تجبر النساء على الركض في الطرقات أو المشي لمسافات طويلة مع حمل أمتعة، وقد تسبب هذه العوامل النزف المباشر وارتفاع ضغط الدم عند الحوامل، ويمكن أن تؤدي إلى انفصال كامل للجنين (انفصال المشيمة)، بالتالي الإجهاض".
وفيات صادمة
على صعيد متصل قالت منظمة "أطباء بلا حدود" إن "النساء الحوامل والأمهات والأطفال حديثي الولادة يموتون بمعدل صادم في ولاية جنوب دارفور بالسودان".
وأضافت المنظمة أنها "سجلت 46 حالة من وفيات الأمهات في مستشفيين بجنوب دارفور تدعمهما المنظمة الخيرية خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أغسطس (آب) الماضيين، و48 حالة وفاة لحديثي الولادة". وأفادت "أطباء بلا حدود" بأن الصراع والنزوح يجبران النساء على الولادة في ظروف غير صحية ضمن مناطق لا يتسنى لهن فيها الحصول على الرعاية الصحية والأدوية، ودعت الأمم المتحدة إلى "التحرك بصورة حاسمة لمنع مزيد من الخسائر في الأرواح".