ملخص
يعمل النواب في #تونس من خلال القوانين الداخلية للبرلمان على تغيير الصورة النمطية التي ارتسمت في أذهان التونسيين عن البرلمان السابق والقائمة على الصراعات السياسية
يأمل جزء كبير من التونسيين في أن يغير البرلمان الجديد المنتخب عام 2022 الصورة القاتمة التي ارتسمت في الأذهان طوال الفترة النيابية التي سبقت الـ 25 من يوليو (تموز) 2021، واتسمت بالصراعات السياسية في مشهدية خيبت آمال التونسيين في هذه المؤسسة التشريعية.
وكان البرلمان الجديد عقد جلسته الافتتاحية في الـ 13 من مارس (آذار) 2023، وجرى خلالها انتخاب النائب إبراهيم بودربالة رئيساً للمجلس وانتخاب مساعديه وأعضاء لجنة النظام الداخلي التي شرعت في إعداد القوانين الداخلية للبرلمان من أجل إدارة ناجعة لأعمال المجلس تتقاطع مع الممارسات التي كانت سائدة في السابق.
ومن أبرز ملامح القانون الداخلي للبرلمان الجديد الذي تضمن 171 فصلاً، تتوزع على 13 باباً، منع السياحة الحزبية، وهي الانتقال من كتلة إلى أخرى، وتقييد الحصانة البرلمانية حتى لا تكون مطلقة، علاوة على ضمان حرية الرأي والفكر والتعبير لجميع النواب، على أن لا يتعارض ذلك مع أحكام الدستور.
كما نص مشروع النظام الداخلي على الحضور الوجوبي للنائب في كل هياكل المجلس، ولا يجوز التغيب من دون عذر شرعي، ويستوجب الغياب الاقتطاع من منحة استرجاع المصاريف، إذا تجاوز جلستين عامتين متعلقتين بالتصويت، ويتم نشر قائمة الحضور والغيابات على موقع المجلس.
نحو برلمان مختلف
النائب وعضو لجنة النظام الداخلي، محمد أيمن الورغي، أكد لـ "اندبندنت عربية"، أن "مشروع النظام الداخلي أعاد هيكلة العمل البرلماني من خلال تنظيم اختصاصات النواب وصلاحيات رئاسة المجلس ومساعدي الرئيس"، لافتاً إلى وجود اتفاق على تركيبة اللجان في البرلمان.
ولضمان شروط السير الطبيعي للجلسات العامة وتجنب التعطيلات وتقديم صورة جيدة عن المؤسسة البرلمانية عكس التي كانت سائدة في البرلمان السابق، تمت صياغة "مدونة سلوك" لعمل نواب المجلس تنص على "التزام النائب بالحياد وخدمة الشعب التونسي والشأن العام، وعدم التبعية إلى الأشخاص أو المنظمات الأجنبية واحترام زملائه في البرلمان وعدم تعطيل أعمال الجلسة واحترام رئيس المجلس، وهو توجه عام سائد بين النواب من أجل تقديم صورة مغايرة عن البرلمان السابق التي بلغت فيه الصراعات الحزبية أقصاها"، بحسب الوزرغي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويذكر عضو لجنة النظام الداخلي أن الدستور الجديد (الفصل 66) نص على إدارة الشأن البرلماني، ومن ذلك أن "حصانة النواب ليست مطلقة، بخاصة في تبادل العنف والقذف والشتم، وفي تعطيل السير العادي للمجلس". مضيفاً أنه جرى النص في النظام الداخلي على "تنظيم عمل الصحافيين داخل البرلمان، الذي سيكون مفتوحاً أيضاً أمام منظمات المجتمع المدني، كما ستكون أعمال اللجان مفتوحة للعموم، ما عدا بعض اللجان الخصوصية ذات الصبغة الأمنية أو العسكرية".
ويؤكد أستاذ الفلسفة السياسية في الجامعة التونسية صلاح الدين الداودي أن "البرلمان الجديد سيقدّم صورة مختلفة عن البرلمان السابق لاعتبارات عدة، أهمها أن مشغل النواب سيكون وطنياً بالأساس، لأن أعضاء البرلمان الجدد يتقاسمون هموم الشعب التونسي، وليست لديهم ولاءات سياسية وحزبية ضيقة بقدر ولائهم للشعب التونسي".
ويرى الداودي أن "البرلمان هو لبنة أولى في مسار تشكل طبقة سياسية جديدة مختلفة جوهرياً عن المنظومة السياسية السابقة القائمة على المقايضات السياسية والتوافقات المغشوشة".
القوانين وحدها لا تكفي
وهناك من يرى أن القوانين وحدها لا يمكن أن تضمن أداء جيداً للبرلمان، لأن الأمر يعتمد على قدرة رئاسة المجلس على إدارة الخلافات في البرلمان ومدى وعي النواب.
ويشير رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد) بسام معطر إلى أن النظام الداخلي للبرلمان الجديد لا يختلف كثيراً عن قانون البرلمان السابق. مشدداً على أن "الأهم من القوانين الداخلية هو مدى نضج النواب سياسياً، وتشبعهم بالمبادئ الديمقراطية، وقدرتهم على الحوار وإدارة النقاش داخل البرلمان واحترامهم لصلاحيات كل طرف".
ويضيف معطر، "البرلمان الجديد أفرزه اقتراع على الأفراد للمرة الأولى في تاريخ تونس، وستكون مشاريع القوانين المعروضة عليه ذات بعد محلي في معظمها، وهو ما قد يطرح إشكالات في تفاعل النواب مع القوانين، وفي تواصلهم مع مؤسسات الجهات الداخلية".
وفي المقابل تقلل المعارضة أهمية البرلمان الجديد ونظامه الداخلي نظراً إلى حال الانقسام الذي يمزق المشهد السياسي في تونس، ولمقاطعة الأحزاب الكبرى للانتخابات وللمسار الذي بدأه رئيس الجمهورية منذ الـ 25 من يوليو (تموز) 2021.
وتعتبر المعارضة أن البرلمان الجديد هو مجرد غرفة للمصادقة على مشروع رئيس الجمهورية، بخاصة بعد أن نزع عنه الدستور الجديد (دستور 2022) عن المجلس سلطته الرقابية على الحكومة ورئيس الجمهورية.
وانتقد أستاذ القانون العام مبروك الحريزي نقاشات لجنة النظام الداخلي، واعتبرها "جانبية وأحياناً سطحية، كما اعتمدت على النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب المعتمد منذ 2014، واقتصرت على ملاءمته مع المنظومة الدستورية لسنة 2022، وعلى شكليات تتعلق بالصورة الإعلامية للمجلس"، لافتاً إلى "غياب الاستماع إلى متخصصين".
وكان رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة تسلم الصيغة النهائية لمشروع النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب في الثالث من أبريل (نيسان) 2023، وأكد أن انتهاء اللجنة من صياغة مشروع النظام الداخلي للمجلس في الآجال المضبوطة يعد مؤشراً إيجابياً، وسيتم عرض المشروع على الجلسة العامة بداية من الثلاثاء الـ 11 من أبريل.