Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زحمة غربية في بكين... بحثا عن حكمة "كونفوشيوس"

لماذا يريد ماكرون وفون دير لاين وقبلهما شولتز وسانشيز "خطب ود الصين"؟

الرئيس الصيني خلال استقبال نظيره الفرنسي على حفل شاي (أ ف ب)

ملخص

هناك توجه غربي جماعي صوب #بكين تحت شعار مشترك ينادي ببذل شتى الجهود الرامية إلى استقطاب #الصين بعيداً من تقاربها الذي يتزايد يوماً بعد آخر مع #روسيا

لم تكف الأوساط الأوروبية عن التصريح بقلقها تجاه التقارب بين الصين وروسيا منذ الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الصيني شي جينبينغ لموسكو في مارس (آذار) الماضي، وهي التي كانت إلى زمن قريب قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، "تخطب ود موسكو" من أجل الحيلولة دون تعزيز علاقاتها مع الصين. وها هو ذا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصل إلى بكين في زيارة مواكبة لأخرى جرى الاتفاق حولها مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بعد أن سبق وفشلت مساعيه لمرافقة المستشار الألماني أولاف شولتز خلال زيارته السابقة لبكين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ولم تكن زيارة شولتز لبكين سوى مقدمة لزيارات أوروبية تالية، ومنها زيارة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز لبكين الأسبوع الماضي التي التقي خلالها الرئيس الصيني شي جينبينغ، والزيارة المرتقبة لمفوض الشؤون السياسية للاتحاد الأوروبي جوزيه بوريل التي من المقرر أن يجريها في وقت لاحق من الأسبوع المقبل.

وإذا أضفنا إلى هذه الزيارات ما سبق وكان مقرراً في شأن زيارة أنتوني بلينكين لبكين في وقت سابق من العام الحالي، وما قام به الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ من زيارات لعدد من الدول الآسيوية ومنها اليابان وكوريا الجنوبية، فإننا نكون أمام ما هو أقرب إلى الزحف الغربي الجماعي صوب بكين تحت شعار مشترك ينادي ببذل شتى الجهود الرامية إلى استقطاب الصين، بعيداً من تقاربها الذي يتزايد يوماً بعد آخر مع روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين.

الآمال الأوروبية

ولم يكن ذلك ليغيب عن أذهان القيادة الصينية التي تعي ما تضمره الأوساط الأميركية من خطط مضادة، تستهدف النيل من سيادتها وأمنها القومي.

ويذكر المراقبون ما شهدته القمة الأخيرة لرؤساء بلدان وحكومات بلدان الاتحاد الأوروبي من جدل احتدم طويلاً حول هذا الشأن، وما خلص إليه كثيرون، ومنهم الرئيس الفرنسي ماكرون حول ضرورة السفر إلى بكين، وهو من سارع إلى توجيه الدعوة لأورسولا فون دير لاين لمرافقته في هذه الزيارة التي يعلقون على نتائجها كثيراً من "الآمال الأوروبية"، وما يتعلق منها بالأزمة الأوكرانية.

وعلى رغم مما قيل حول أن هذه الزيارات تستهدف، شأن الزيارة السابقة للمستشار الألماني، تحقيق طفرة مناسبة في العلاقات الاقتصادية مع الصين، فإن الحديث عاد ليتركز بالدرجة الأولى حول القضايا السياسية، وما يتعلق منها بالأزمة الأوكرانية والعلاقات الروسية الصينية.

وثمة من يقول إن زيارة الزعيم الصيني إلى موسكو في نهاية الشهر الماضي، وما أسفرت عنه من نتائج "فتحت أعين" رجال السياسة الأوروبيين ممن أعربوا عن خشية الانزلاق إلى هامش الاهتمامات الجيوسياسية للصين، في توقيت بالغ الحرج يشهد مزيداً من التقارب بين روسيا والصين.

وذلك ما كان محور اللقاء الذي جرى خلال الأيام القليلة الماضية بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، ومفوض الشؤون السياسية للاتحاد الأوروبي جوزيه بوريل، وتركز بالدرجة الأولى حول العلاقات مع الصين ومدى احتمالات مشاركتها في الجهود الرامية إلى حل الأزمة الأوكرانية، بحسب تصريحات بوريل. وجاء ذلك في توقيت مواكب لما أعلنته مصادر صينية حول استعداد بكين للحوار والتعاون مع الاتحاد الأوروبي في شأن السبل الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية، لكن شريطة أن يبدي الدبلوماسيون الأوروبيون، وقبل كل شيء، مدى ما تتمتع به بلدانهم من "استقلال استراتيجي"، في تلميح هو أقرب إلى التصريح حول خضوع بلدان الاتحاد الأوروبي لضغوط وإملاءات الإدارة الأميركية، بحسب ما نشرته صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية.

وذلك ما كشف عنه صراحة الرئيس الصيني في لقائه مع ضيفه رئيس الوزراء الإسباني، بدعوته إلى "تضافر الجهود بين استراتيجية تنمية العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي" التي قال إنها "تتطلب من الاتحاد الأوروبي التمسك بالاستقلال الاستراتيجي"، فضلاً عن إشارته إلى أن "الجانبين يجب أن يكونا شريكين على مسار التحديث، وصديقين حميمين يتصديان للتحديات العالمية معاً".

وإذ أعرب الرئيس شي جينبينغ عن أمله في أن تلعب إسبانيا دوراً إيجابياً في تعزيز الحوار والتعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي أيضاً، كشف عن استعداد بلاده لإجراء حوار وتعاون شاملين مع الاتحاد الأوروبي في إطار روح الاستقلال والاحترام والمنفعة المتبادلة، والسعي إلى إيجاد أرضية مشتركة مع تنحية الخلافات جانباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كان الضيف الإسباني بدا أكثر ميلاً نحو التركيز على أوجه التعاون الاقتصادي بين البلدين، مكتفياً بالقول إن بلاده وخلال رئاستها الدورة المرتقبة للاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من هذا العام ستلتزم تعزيز الحوار والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والصين، فقد بدا الرئيس الفرنسي ماكرون خلال مباحثاته في بكين حائراً أمام ضرورة مراعاة أبعاد العلاقة التي تربط بين الرئيس الصيني ونظيره الروسي، والتشدد الذي تبديه رفيقته في الرحلة إلى بكين رئيسة المفوضية الأوروبية، ربما من منظور احتمالات توليها منصب الأمين العام لحلف الناتو في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بما يضمره من مخططات حول التوسع شرقاً على ضفاف المحيط الهادئ، وذلك في ضوء ما طرحه سلفها "الافتراضي" ينس ستولتنبرغ من دعوة لليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلاندا للمشاركة في قمة رؤساء بلدان الناتو المقرر عقدها في فيلنيوس في يوليو (تموز) المقبل.

وكانت فون دير لاين استبقت زيارتها لبكين بتصريحات اتسمت بالحدة حول تقديراتها لأولويات الحزب الشيوعي الصيني وما يتعلق منها بتعزيز علاقات الصين مع روسيا، وتوطيد ما أعلنته من استراتيجية سياسية، وما تشمله في بعض جوانبها من محاولات لتجاوز الاتحاد الأوروبي في علاقاتها الثنائية مع بعض الدول الأوروبية، إلى جانب ما صدر عنها من تحذيرات حول ضرورة أن يكون "الاتحاد الأوروبي مستعداً لتطوير تدابير من أجل حماية التجارة والاستثمار التي قد تستغلها الصين لأغراضها الأمنية والعسكرية".

العقلانية الصينية

ونقلت وكالة "نوفوستي" عن صحيفة "غوانشا" الصينية، تعليقها حول مطالبة رئيسة المفوضية الأوروبية بكين في شأن ما وصفته بـ"ردع روسيا واحتوائها بالأزمة الأوكرانية"، وما رد به معلقون صينيون بتعليقات على غرار "ليس لدى القادة المزعومين في أوروبا حكمة سياسية على الإطلاق، هذا صدى أميركي بحت"، إلى جانب أن "أوروبا تستمر في دعم أوكرانيا بالأسلحة والأموال، ومع ذلك يتجرأون هناك على مطالبة الصين بالسعي إلى تحقيق السلام في الأزمة الأوكرانية، ألا يعتبر هذا تناقضاً؟ لماذا يعتقدون أنهم أذكياء؟".

وتعليقاً على ما دار من مباحثات بين الرئيس الصيني وضيفيه بصفتهما الفرنسية والأوروبية، أكدت المصادر الصينية أن بكين ظلت عند موقفها الذي يتسم بقدر هائل من العقلانية التي أبداها الرئيس شي جينبينغ في تعليقه على كل ما أعرب عنه كل من ماكرون وفون دير لاين من وجهات نظر ومطالب.

وكان ماكرون أعرب عن أمله في أن تسهم الصين في "إعادة روسيا إلى صوابها"، وأن تعمل على إقناعها بالابتعاد عن استخدام الأسلحة النووية وتحذيرها من خطورة نقلها إلى بلدان ثالثة، في إشارة إلى بيلاروس، إذ أعلن بوتين عزمه على نشر الأسلحة التكتيكية النووية في أراضيها، بينما أعلنت فون دير لاين في لهجة أكثر تشدداً، عن تحذيرها بكين من مغبة إرسالها الأسلحة إلى روسيا لمساعدتها في ما وصفته بـ"غزوها" لأوكرانيا، إلى جانب دعوة الرئيس الصيني للاتصال بالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وذلك ما رد عليه الرئيس الصيني بلغة تتسم بقدر هائل من الدقة والحصافة، حين أشار إلى أنه سيستجيب لهذه الرغبة متى يسمح الوقت، وقدر ما تتناسب الظروف.

وبقدر مماثل من الدقة والحصافة أعلن شي جينبينغ دعوته جميع الدول إلى احترام سياسة عدم انتشار الأسلحة النووية، بما يحمل ضمنياً بين طياته ما قامت وتقوم به الولايات المتحدة من نشر لأسلحتها النووية في خمسة من البلدان الأوروبية، بما فيها بلجيكا حيث مقر الاتحاد الأوروبي وممثلته أورسولا فون دير لاين، كما أعاد الرئيس الصيني على أسماع مضيفيه، ما سبق وقاله خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز حول "ضرورة التخلص من عقلية الحرب الباردة ومنع المواجهة والتخلي عن سياسات فرض العقوبات وممارسة الضغوط".

ومن منطلق يتسق مع ما يسمونه في الصين بروح كونفشيوس فيلسوفها الخالد، وتعاليمه التي تدعو إلى السلام والحرية والعدالة والتناغم بين البشر على اختلاف مشاربهم وعقائدهم، من أجل تحقيق التوازن النفسي في خضم عالم مليء بالمحن والاضطرابات، أعرب الرئيس شي جينبينغ عن أمله في أن "تتمكن الأطراف المعنية من بناء آلية متوازنة وفعالة ومستدامة لضمان الأمن في أوروبا من خلال الحوار والمشاورات". أما عن حل الأزمة الأوكرانية فقال شي إنه لا يوجد "علاج سحري" لحل مثل هذه الأزمة، ويجب على الأطراف تهيئة الظروف لإنهاء الصراع وبدء محادثات السلام وبناء الثقة المتبادلة.

ومن اللافت في صدد هذه الزيارة أن لا أحد من الضيفين الغربيين رفيعي المستوى عرج على الحديث عن "حقوق الإنسان" في الصين، وهي القضية الخلافية التي لطالما أغرق الزعماء الغربيون في التطرق إليها، ربما انطلاقاً من قناعة كل منهما بأنه من الأفضل في مثل هذه الظروف "إظهار الاحترام بدلاً من إلقاء المحاضرات"، على حد تعبير الرئيس الفرنسي في تصريحات صحافية لاحقة. وعلى رغم عدم تحقيق كل الأطراف المعنية الاختراق المنشود في شأن أي من الموضوعات الخلافية بين بكين والبلدان الغربية، فليس هناك ما يشير أيضاً إلى أن الرئيس الصيني أعرب عن أي تغير في سابق مواقفه من روسيا أو الأزمة الأوكرانية، في الوقت الذي بدا فيه الرئيس الفرنسي، وكأنما بات أكثر يقيناً من أن انتماء بلاده إلى التحالف الغربي ومشاطرة الولايات المتحدة كثيراً من مواقفها تجاه القضايا الإقليمية والدولية لا ينبغي أن يصبحا عقبة على طريق علاقات بلاده مع بكين، على رغم عدم تغيير الصين أياً من علاقاتها "التحالفية" مع روسيا.

وفي هذا الصدد أيضاً لم تكن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أوفر حظاً في مباحثاتها ببكين، بما في ذلك في شأن محاولاتها التي استهدفت استمالة الرئيس الصيني الذي لم يصدر عنه أية إشارة تقول بإدانته ما تسميه مضيفته "الغزو الروسي لأوكرانيا"، أو إلى ما تؤيده من بنود خطة السلام التي يطرحها الرئيس الأوكراني زيلينسكي وما يتعلق منها بالانسحاب الكامل للقوات الروسية من أوكرانيا، بل وهناك ما يشير إلى احتمالات أن تخلص بكين إلى ما يمكن أن يقترب بها أكثر إلى مزيد من التقارب والتحالف مع روسيا، إدراكاً من جانبها لأن الابتعاد عنها قد يكون خطوة على طريق اقتراب التحالفات الغربية من "حلمها المؤجل" وأهدافها التي سبق وأعلنت عنها كل من الإدارة الأميركية وحلف الناتو، تجاه الصين في أكثر من مناسبة.

المزيد من تقارير