عقب ماراثون طويل من المساعي الحثيثة وجولات من المفاوضات المحلية والدولية صار بالإمكان القول إن انفراجاً وشيكاً أصبح يشهده ملف ناقلة النفط "صافر" الراسية في ساحل البحر الأحمر شمال مدينة الحديدة اليمنية (غرب البلاد)، ويغدو الحديث باعثاً للتفاؤل هذه المرة في ظل مستجدات طرأت على المشهد اليمني قد يتمخض عنها انفراج تدرجي للأزمة اليمنية باتفاق مرتقب بين مختلف القوى السياسية يبدأ بالدخول في هدنة مطولة عبر مراحل زمنية، ويصل المسار به نحو إنهاء الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014.
تطورات إيجابية
في تطور بالغ الأهمية، منذ شراء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في مارس (آذار)، الناقلة "نوتيكا" لإزالة أكثر من مليون برميل نفط من السفينة الجانحة "أف أس أو" المعروفة باسم "صافر"، أعلنت الأمم المتحدة بدء مهمة أممية لإنقاذ "صافر" وإبحار الناقلة "نوتيكا" من الساحل الصيني صوب اليمن، ووصفت الإجراء بالخطوة "المهمة" في جهود منع حدوث تسرب كبير ورفع مستوى التفاؤل لدى الأطراف اليمنية والدولية إلى مستويات أعلى غير مسبوقة.
وتتوقع الأمم المتحدة أن تصل الناقلة البحرية "نوتيكا" التي اشترتها لاستبدال ناقلة النفط العملاقة اليمنية "صافر" انطلاقاً من الصين إلى البحر الأحمر، في مايو (أيار) المقبل.
وانعكست هذه التطورات الإيجابية على أرض الواقع، حيث بينت تصريحات المسؤولين المعنيين والمكلفين بحلحلة هذه القضية الشائكة التي امتدت على مدى ثماني سنوات، وشكلت مصدر مخاوف من وقوع كارثة بيئية واقتصادية، أن العد التنازلي لانفراج محتمل في ملف "صافر" قد بدأت خطواته الفعلية على أرض الواقع.
مساعٍ دولية وأممية
وزارت لجنة الخبراء الدوليين المتخصصة بمواجهة الأضرار المحتملة للناقلة "صافر" مدينة الخوخة في محافظة الحديدة الساحلية غرب البلاد، والتقت مسؤولين حكوميين يمنيين لمعالجة الأزمة ومناقشة التطورات.
وأفادت مصادر مطلعة "اندبندنت عربية" بأن مساعي حثيثة وجولات من المفاوضات تجرى حالياً بين الأطراف المحلية والدولية، من أجل التنسيق المشترك والوصول إلى صيغة توافق تسهل البدء في عملية إنقاذ الخزان العائم قبالة ساحل محافظة الحديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلق عضو اللجنة الإعلامية للبيئة في محافظة الحديدة أحمد داوود أن "ترتيبات مسبقة تجرى على قدم وساق بين مختلف الأطراف المعنية، وأن هذا الملف بات قاب خطوة من الحل"، ويأتي ذلك تزامناً مع قول منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن ديفيد غريسلي "إن تجنب كارثة بيئية بسبب خزان النفط صافر بات أقرب من أي وقت مضى".
وأعرب غريسلي عبر حسابه على "تويتر" عن امتنانه وشكره لمساعي الأمم المتحدة والدول الأعضاء والقطاع الخاص إلى تقديم 97 مليون دولار، لمنع تسرب النفط من الخزان "صافر" في البحر الأحمر، مشيراً إلى أن "الأمم المتحدة ما زالت بحاجة إلى 32 مليون دولار لتغطية الفجوة المالية"، وفي وقت سابق قال المنسق الأممي "لدينا أفضل الخبرات الفنية المتاحة والدعم السياسي من جميع الأطراف".
وتم نقاش خطة إنقاذ "صافر" في اجتماع لأعضاء مجلس الأمن الدولي على أمل منع وقوع كارثة اقتصادية وبيئية وإنسانية في البحر الأحمر، داعين المانحين إلى سد فجوة التمويل.
مراكز لوجيستية للإمداد والمراقبة
وأشار رئيس مؤسسة موانئ البحر الأحمر بسام السندي إلى أن "خططاً عملية استباقية يتم العمل عليها تتعلق بتقييم المناطق المناسبة لإنشاء مراكز لوجيستية لإمداد عمليات إنقاذ صافر".
أضاف نائب الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للشؤون البحرية يسلم مبارك "أنه تم تقييم مدينتي المخا والخوخة الساحليتين، ما من شأنه مكافحة حدوث أي تسرب نفطي محتمل أثناء عملية تحويل النفط إلى الناقلة الجديدة نوتيكا، إضافة إلى عمل نقاط للمراقبة تمتد على طول شواطئ البحر الأحمر".
من جهة أخرى، أوضح خبير مكافحة التلوث لدى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة كيفين أوكونيل أهداف وخطة اللجنة الدولية لإنشاء مراكز لوجيستية، لإمداد عمليات مكافحة التلوث المحتمل لو حدث، وتهيئة نقاط مراقبة على طول ساحل البحر الأحمر لمراقبة حدوث أي تسرب نفطي، مشيداً بتسهيل مهام البعثة، جاء ذلك خلال اجتماع مشترك ضم مسؤولين حكوميين يمنيين، ولجنة الخبراء الدوليين المتخصصة بمواجهة الأضرار المحتملة للناقلة "صافر" بمدينة الخوخة في محافظة الحديدة الساحلية (غرب البلاد).
ترحيل للمشكلة
وبينما وصفت الأمم المتحدة إبحار الناقلة الجديدة "نوتيكا" نحو سواحل اليمن بالخطوة "المهمة" في جهود منع حدوث تسرب نفطي في سواحل اليمن، يرى خبراء نفط يمنيون أن الإجراء الذي تمخض عنه شراء "نوتيكا" والخطوات المصاحبة لعملية مهمة إنقاذ الخزان "صافر" إهدار للجهود والأموال، ولا يقدم معالجات كافية وحلولاً جذرية للمشكلة بل يعمل على ترحيلها إلى المستقبل.
وفي وقت سابق، اعتبر المدير السابق لشركة "صافر" أحمد كليب "أن عملية استبدال بالناقلة المتهالكة أخرى عمرها 15 عاماً عبث وترحيل للمشكلة وليس حلاً، وأن حدوث تدهور للناقلة الجديدة نوتيكا متوقع حدوثه بشكل أسرع من صافر"، وأتى تصريحه في وقت تحدثت فيه المعلومات عن أن الناقلة التي تم شراؤها لحل المشكلة لم يتبق من عمرها الافتراضي سوى خمس سنوات. أضاف "كان المطلوب بكل بساطة تفريغ الخزان العائم من النفط فقط وبيع الكمية مباشرة في السوق العالمية، وهي عملية سهلة لن تكلف كثيراً من النفقات، وبإمكان عديد من الشركات في منطقة الشرق الأوسط القيام بها بكل سهولة وأمان".
مشكلة الخزان العائم
ويرسو الخزان العائم "صافر" قبالة شواطئ اليمن في ساحل البحر الأحمر، وهو عبارة عن ناقلة نفط عملاقة ومتهالكة ومحملة بأكثر من مليون برميل نفط، ومعرضة للانهيار أو الانفجار في أي لحظة، وخطورة انفجار هذه الخزانات نتيجة خلوها من الغاز الخامل بسبب توقف كل أجهزة الميناء العائم عن العمل.
وتم تشييد خزان النفط "صافر" عام 1976 ودخل الخدمة 1987، وتم تحويله إلى منشأة تخزين وتفريغ عائمة للنفط الخام الآتي من حقول "صافر" النفطية في محافظة مأرب، وتوقفت عملية الصيانة له منذ عام 2015، وتحمل الناقلة أربعة أضعاف كمية النفط التي تسربت من ناقلة "إكسون فالديز"، وهي مرشحة لتصبح خامس أكبر تسرب لخزان نفطي في التاريخ.
كارثة بيئية
وتحذر الأمم المتحدة من أنه في حال تسرب النفط من خزان النفط العائم "صافر" فسيؤدي إلى تدمير الشعاب المرجانية وأشجار المنغروف الساحلية وغيرها من الحياة البحرية في البحر الأحمر، وسيصبح الملايين من البشر عرضة للتلوث الهوائي، كما ستنعدم سبل نقل الغذاء والوقود والإمدادات الحيوية لليمن، في بلد يحتاج فيه 17 مليون شخص إلى المساعدات الغذائية.
كما سيكون الأثر في المجتمعات الساحلية بالغ القسوة، فمئات الآلاف من العاملين في مجال الصيد سيفقدون مصادر رزقهم بين ليلة وضحاها، وسيستغرق الأمر أكثر من 25 عاماً لاسترداد مخزون الأسماك، وتقدر الأمم المتحدة أن كلفة تنظيف تسرب النفط من "صافر" تقدر بـ20 مليار دولار.