ملخص
يقف العالم على شفا احتمالات وقوع هذه الكارثة نتيجة ما يتدفق على المنطقة من أسلحة وما وعدت به #الولايات_المتحدة دعم عسكري إضافي لـ #بولندا
منذ أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن "تغريدته" المقتضبة في ثلاث كلمات فقط تقول: "الحرب العالمية الثالثة"، والجدل يتواصل حول ماهية المعنى، وأبعاد المغزى، وحقيقة الدلالات. وإذا كان الرئيس الأميركي أوجز مكنون صدره في هذه الكلمات الثلاث دون تعليق أو إشارة، فإن ما سبق هذه الكلمات وما أعقبها من جدل وتعليقات قد يكون تفسيراً ضمنياً لما يقصد ترمب من معانٍ، وما يشير إليه ليس فقط من مغزى أو دلالات، بل وأيضاً من اتهامات.
وثمة ما يشير إلى أن توقيت هذه التغريدة، يبدو كافياً لتوضيح كل ما قد يتعلق بها من معانٍ وتساؤلات واتهامات عكف المراقبون في موسكو على محاولات استيضاح مكنونها الذي عاد ترمب وأفصح عن بعض ملامحه في أكثر من مناسبة.
وكان ترمب قد ألقى باللائمة على منافسه الرئيس الحالي جو بايدن بوصفه المتهم بمحاولة إشعال نيران ما هو أقرب إلى "حرب عالمية" يدفع بالعالم وببلاده إلى أتونها، مؤكداً أنه، أي ترمب، يظل الوحيد الذي يستطيع الحيلولة دون اندلاعها، والتوصل إلى التسوية السلمية المنشودة خلال يوم واحد.
وحتى ذلك الحين، يقف العالم على شفا احتمالات وقوع هذه الكارثة نتيجة ما يتدفق على المنطقة من أسلحة، وما وعدت به كاميلا هاريس نائبة الرئيس الأميركي من دعم عسكري إضافي لبولندا، وما يتوالى من تحركات تستهدف الاستعداد لاحتمالات نشوب هذه الحرب، في توقيت مواكب لاستمرار المعارك القتالية التي حصدت الآلاف من الجانبين الروسي والأوكراني، في ظل تورط ما يزيد على 50 دولة في هذه المعارك بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك فضلاً عن كثير من المشاهد التي يمكن اعتبارها مقدمة لا يستهان بمضامينها واتجاهاتها، لاحتمالات اندلاع "كارثة نووية" في غضون دقائق معدودات.
ولعل العالم يتذكر ما سبق وقاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل اندلاع "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) تعليقاً على مدى احتمالات لجوء بلاده إلى استخدام الأسلحة النووية، في حال اضطرتها ظروف الحرب إلى ذلك، بما قد يقترب بالعالم والبشرية من الفناء. وكان بوتين قال صراحة إن "لا حاجة لروسيا بعالم لا مكان فيه لروسيا". وعلى رغم أن المصادر الروسية حاولت في أكثر من مناسبة دحض هذه التصريحات والتراجع عنها، فإنها عادت وأكدتها مرات ومرات، وإن جرى ذلك في صياغات متباينة، لا تنفي سابقاتها، سواء من حيث الشكل أو الجوهر.
فبينما تعلن بيلاروس أن ما تتخذه من خطوات وإجراءات لإعداد المنصات اللازمة لنشر الأسلحة الروسية النووية التكتيكية، يشارف على نهايته لبدء القوات الروسية في تنفيذ ما سبق وأعلن عنه الرئيس بوتين بهذا الصدد، تصدر سلطات إستونيا على مقربة من بيلاروس، عن وصول وحدة من مشاة البحرية الأميركية، للتدريبات المشتركة المقرر لها أربعة أشهر مع قوات الدفاع الإستونية، في إطار مناورات "عاصفة الربيع" واسعة النطاق، وذلك ما أعقبه إندريك هانسون رئيس أركان البحرية الإستونية بتصريحات اعترف فيها بأن التدريب المشترك "سيساعد في التحضير للتعاون الأكثر فاعلية مع قوات الحلفاء في حالة حدوث أزمة أو صراع محتمل". ونقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن المصادر الإستونية أن مشاة البحرية الأميركية هم جزء من ""Task Force 61/2، وهي شركة استخبارات متنقلة تنسق أعمال مشاة البحرية ومصممة لدعم عمليات الأسطول السادس الأميركي.
ولم يمضِ من الزمن أكثر من سويعات قلائل حتى باغت سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي العالم وقواته البحرية في منطقة المحيط الهادئ، بقراره حول التفتيش المفاجئ على الأسطول الروسي في المحيط الهادئ، خلال ما سيقوم به من مهام تتعلق بصد ضربات صاروخية وجوية ضخمة لعدو وهمي، وسيطلق جميع أنواع النيران، وذلك في توقيت مواكب لما أصدره شويغو أيضاً من تعليمات إلى الجنرال سيرغي سوروفيكين نائب قائد القوات الروسية في مناطق العمليات الأوكرانية، حول إشراك طائرات قيادة المقاتلات بعيدة المدى، ومقاتلات الدفاع الجوي للتفتيش على تدريبات أسطول المحيط الهادئ، مع تعليمات أخرى في شأن العمل على خيارات استخدام مجموعات متعددة ومختلفة كجزء من تمارين أسطول المحيط الهادئ، قبيل الزيارة المقررة لوزير الدفاع الصيني لموسكو خلال الساعات القليلة المقبلة.
مناورات صينية
ومن اللافت أن كل هذه التحركات والقرارات المفاجئة جاءت مواكبة أيضاً لواحدة من أكبر المناورات البحرية المشتركة بين الصين وروسيا وما تستهدفه من تدريبات في مضيق تايوان والمياه المحيطة على مقربة مباشرة من الجزيرة التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها.
كما أن ذلك كله، جاء في ذات التوقيت الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع الصينية عن أن "بكين أجرت اختبار اعتراض صواريخ في منتصف المسار من الأرض داخل أراضيها مساء يوم 14 أبريل (نيسان) 2023 وحققت هدف الاختبار المنشود".
وعلى رغم أن المسؤولين الصينيين حرصوا على إعلان أن الاختبار المشار إليه "دفاعي" بطبيعته ولا يستهدف أية دولة، فإن ما جرى الإعلان عنه بهذا الصدد، ورد في أعقاب بيان آخر أشار إلى أن المناورات الجوية والبحرية التي جرت في إطار التدريب على حصار تايوان أخيراً، كانت تهدف لإرسال "تحذير جدي" للسياسيين المحليين المؤيدين لاستقلال الجزيرة وحلفائهم الأجانب.
وكانت هذه المناورات الجوية والبحرية واسعة النطاق التي استمرت ثلاثة أيام تحت اسم "السيف المتحد" وانتهت في مطلع الأسبوع الماضي، بمثابة الرد على اجتماع الرئيسة التايوانية تساي إنغ ون مع رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي في كاليفورنيا، وهو ما كانت الصين حذرت من خطورته وعواقبه في حال انعقاده.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما تتواتر التحركات والمناورات العسكرية، جنباً إلى جنب مع تصاعد المعارك القتالية حول باخموت (أرتيوموفسك الروسية) في جنوب شرقي أوكرانيا للشهر التاسع على التوالي، يعلن دميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي عن إحدى تغريداته "الدورية" التي لطالما اتسمت سابقاتها بـ"حدة الصقور"، إن جاز هذا القول، والتي قال فيها إن "أوكرانيا ستختفي من الوجود".
أما عن الأسباب فقد عزاها ميدفيديف إلى أن "أحداً لم يعد في حاجة إليها"، مشيراً إلى أنه "لا أوروبا ولا الولايات المتحدة ولا أفريقيا وأميركا اللاتينية ولا آسيا ولا روسيا، ولا أي أحد آخر، بات في حاجة إلى أوكرانيا". وأضاف الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي الحالي أن "أوكرانيا بقيادتها النازية الجديدة، لم تعد لازمة وضرورية حتى لمواطنيها أنفسهم"، على حد تعبيره، وذلك ما سارعت "تويتر" في ألمانيا وبولندا إلى حجبه دون توضيح الأسباب التي لم تعد خافية على أحد.
ومن اللافت أن ما قاله ميدفيديف حول أوكرانيا، جاء مواكباً لما صدر عن فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية من تصريحات قال فيها أيضاً إن "أوكرانيا دولة لا وجود لها اقتصادياً"، إضافة إلى ما أشار إليه حول أن "أوروبا تنفق عشرات المليارات من الدولارات على أوكرانيا، وهذا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. وبمجرد انتهاء التمويل من الولايات المتحدة وأوروبا، ستنتهي الحرب، وستزول أوكرانيا من تلقاء نفسها"، وذلك ما علق عليه ميدفيديف بقوله "أحسنت. فذلك كلام دقيق لسياسي أوروبي جسور"، وذلك ما تناولته "اندبندنت عربية" لدى استعراضها لسياسات أوربان وتقاربه مع روسيا، في تقريرها السابق من موسكو.
وكان ميدفيديف أشار كذلك في معرض تعليقه على تصريحات رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي حول أن لكييف الحق في توجيه ضربة إلى روسيا الاتحادية، إلى أن "بولندا تخاطر بالزوال إذا اندلعت حرب بين روسيا وحلف الناتو".
جبهة ثانية
وها هو سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية ينضم إلى فرسان الساحتين السياسية والعسكرية بما صدر عنه من تصريحات أدلى بها خلال الأيام القلائل الماضية، على هامش اجتماع وزراء خارجية بلدان الكومنولث (الفضاء السوفياتي السابق) في سمرقند بأوزبكستان. قال لافروف إن "روسيا تأخذ بعين الاعتبار الخطط العسكرية والسياسية والدبلوماسية للغرب في فتح جبهة ثانية في جورجيا ومولدوفا".
ويذكر المراقبون ما كانت جورجيا شهدته خلال الأسابيع القليلة الماضية من أحداث استهدفت إطاحة الحكومة الشرعية هناك في إطار مخطط جرى تدبيره، بموجب سيناريو "الثورات الملونة" التي سبق واندلعت في عدد من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق في مطلع القرن الجاري. وأعاد لافروف إلى الأذهان تلك التظاهرات التي اندلعت احتجاجاً على قانون يتعلق بضرورة تسجيل منظمات المجتمع المدني في وزارة العدل، والكشف عن مصادر تمويلها من الخارج وإدراجها تحت وضعية "الوكلاء الأجانب"، وهو ما أشعل شرارة الاحتجاجات التي حظيت بدعم الدوائر الغربية، في محاولة لتصفية حسابات قديمة، منها ما يعود إلى سنوات إعلان أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية انفصالهما عن جورجيا من جانب واحد في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وذلك ما كان ضمن أسباب الحرب الجورجية الروسية في أغسطس (آب) عام 2008.
وما تلا ذلك من تطورات حاولت الدوائر الغربية استدعاءها تمهيداً بتحركات كان من المقرر أن تتطور بموجب السيناريو الأوكراني. وإذا أضفنا إلى كل ذلك ما يجري من "مناوشات" بين المقاتلات الروسية، ومثيلاتها من طائرات "الناتو" في سماء البلطيق والبحر الأسود، و"غرق" الطراد الروسي "موسكفا" في مياه البحر الأسود، والدفع بالأسلحة النووية إلى أراضي بيلاروس على مقربة كيلومترات معدودات من حدود الناتو في بولندا، فإننا نكون في واقع الأمر أمام مشاهد تبدو أكثر من كافية لاندلاع الحرب العالمية الثالثة التي اعترف ترمب باحتمالاتها تحت قيادة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن. وشدد على أن "إدارته لم تناقش أبداً التهديدات في شأن استخدام الأسلحة النووية، لكن في ظل الزعيم القادم للبلاد، تغير كل شيء بشكل كبير". واختتم ترمب حديثه قائلاً، "نحن لسنا بعيدين من ذلك، سواء كنت تصدق ذلك أم لا".
أما عن الحلول التي يطرحها ترمب فلا تتعدى "التخلص من الرئيس الأميركي الحالي، حيث إن العالم على وشك الصراع العالمي، وستكون النخبة الأميركية الحاكمة مسؤولة عن ذلك"، على حد قوله الذي أوجزه في أكثر من مناسبة منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.