خسارة الوظيفة ليست بالأمر الممتع. يفترض أن أعلم هذا - إذ إنني فقدت عدة وظائف. لقد مررت بتجربة مجنونة استمرت لخمسة أيام عملت فيها نادلة، خلال تلك الفترة، أدى عدم قدرتي على حمل أطباق عديدة في نفس الوقت إلى عدد لا حصر له من الأواني المقلوبة والزبائن المذهولين. ثم عملت في قسم بيع الأجبان في متجر ضخم وسرعان ما افتُضح جهلي بالألبان. على مر السنين، فقدتُ وظائف أخرى أكثر أهمية بسبب تقليص النفقات وإعادة توزيع الموظفين. رد الفعل المباشر للفرد هو الشعور بالجرح والبحث عن شخص آخر لإلقاء اللوم عليه. ولكن بعد هدوء العاصفة، عادة ما يكتسب الإنسان وجهة نظر إضافية.
أقول ’عادة‘. أما بالنسبة إلى مارتن هيوز غيمز البالغ من العمر 63 عاماً والذي خسر في خريف عام 2016 وظيفته في تقديم سلسلة برنامج ’سبرينغ ووتش‘ الذي تنتجه بي بي سي (حيث أُعيد تعيينه لاحقاً في دور مُعدّل وبقي فيه لغاية السنة الماضية)، فقد ثبت أن فكرة ’وجهة النظر‘ صعبة المنال، على الرغم من حصوله على وظيفة تقديم برنامج آخر عن الطبيعة على قناة ’آي تي في‘.
وتساءل الرجل ضمن برنامج ’راديو تايمز‘ هذا الأسبوع: "أنا أبيض، من الطبقة المتوسطة، وفي سن الكهولة... أي محطة تريدني في برامجها؟... أنا من الأنواع المهددة بالانقراض. دعونا نأمل أن يجعلني الحفاظ على البيئة قادراً على الاستمرار بدلاً من الانقراض." وأشار في نفس المقابلة، إلى مدى افتقاده لزملائه القدامى وكم من الصعب عليه مشاهدة برنامج ’سبرينغ ووتش‘. في حين أنني أتعاطف مع شوق هيوز-غيمز لوظيفته القديمة، فإن الصورة الخيالية لديه عن تحول محور القوة - التي يبدو فيها أن رجال الإعلام البيض يواجهون الإبادة - تثير الحيرة أكثر. في الواقع، قد يشعر المرء بأنه مضطر للسؤال: مارتن، هل شاهدت التلفزيون على الإطلاق في الآونة الأخيرة؟
ما زلنا نعمل ضمن مشهد إعلامي لا بد فيه من ذكر النساء في عناوين البرامج الموجهة إلى المرأة فقط خشية أن يتعثر أحد المشاهدين الذكور بتلك البرامج دون سابق إنذار - خذوا مثلاً برنامج "نساء طليقات" أو "ساعة للمرأة" الذي يذاع على راديو 4 (بي بي سي). وفي الوقت نفسه، ما زال الذكور مسيطرين بأغلبية ساحقة على الدراما التلفزيونية في موضوعاتها وأبطالها. حمل لنا هذا الأسبوع سلسلة من الأعمال المختارة على القناة الرابعة بعنوان ’آي آم‘ (أنا) التي تضم ثلاثة أفلام من بطولة جيما تشان، وفيكي مكلور وسامانثا مورتون على التوالي، وقد وُصفت جميعها في المقدمة بأنها ’بطولات نسائية‘. هل باتت المسلسلات التي تتقاضى فيها النساء أعلى الأجور أعمالاً نسائية الآن؟ أم أن هذه ببساطة طريقة القناة الرابعة للثناء على نفسها؟ على أية حال، سأُبهَر عندما أكتشف متى استخدمت فرق التسويق مصطلح ’بطولة رجالية’ آخر مرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومما يثير القلق بنفس القدر هو الندرة النسبية لوجوه الأشخاص الذين ينتمون إلى خلفيات سوداء وآسيوية وأقليات عرقية على شاشاتنا، والصورة النمطية التي ابتُلي بها الممثلون الذين يستطيعون إقحام أنفسهم. يعد إدريس إلبا وليني هنري من بين الممثلين السود الذين أطلقوا حملات لمكافحة عدم المساواة في عالم الفن. في كتابه الجديد الرائع ’لم أقل إنني أحببتك أبداً‘، يصف الصحافي ريك سامادر السنوات التي قضاها في محاولة النهوض بمهنته كممثل عندما كانت تجارب الأداء الوحيدة التي تُعرض عليه من الأعمال الدرامية التي تتناول موضوع الإرهاب. "كيف سيكون الحال لو كانت الأدوار التي تُسند إلى ممثل إنكليزي أبيض في كل مرة يُطرح عليه سيناريو متعلقة دائماً بإلغاء قوانين الحبوب الذي حدث عام 1846؟ ستلعب دور المزارع المتطرف، المستعد لإحياء حروب كتلك التي خاضها نابليون من أجل رفع أسعار القمح. كل دور على السواء. ستتفهم إذا كان ردهم المعتاد ’هذا الدور مرة أخرى؟‘"
في هيئة الإذاعة البريطانية، يتم الكلام عن عدم المساواة هذا على الأقل. خلال حديثه في مهرجان أدنبرة التليفزيوني في أغسطس/آب الماضي، أشار كاسيان هاريسون، رئيس تحرير قناة بي بي سي الرابعة إلى "نمط برامج يتضمن مقدماً، عادةً ما يكون أبيض البشرة، وفي متوسط العمر وذكراً، كأنه يقف على تلة ويقولها ’بصريح العبارة‘. يدرك جميعنا أن ذلك العصر قد ولّى." بشكل طبيعي، أثارت تعليقاته نوبة من الامتعاض بين بعض المعلقين (البيض، الذكور) القلقين على ما يبدو من أن التخلص من صانع الوثائقيات والمذيع التلفيزيوني والكاتب والبيئي البريطاني ديفيد أتنبرة بات وشيكاً.
لا يزال أتنبرة صامداً، بالطبع، رغم أننا شهدنا هذا العام منح فسحة في وقت الذروة لكل من زوي بول وسارة كوكس على راديو 2، وهي شبكة أبقت على مدى 50 سنة طويلة، النساء بعيدات عن ساعات البث النهاري. وفي الوقت نفسه، بات فريق تقديم برنامج ’نيوزنايت‘ مكوناً بالكامل من النساء، حيث يضم إميلي ميتليس وكريستي وارك وإيما بارنيت. على أية حال، ما زالت هناك الحاجة لتقديم المزيد. الخطة السنوية لبي بي سي لفترة 2019-2020 ، التي نُشرت في مارس/آذار من هذا العام، كشفت أن 15.2 في المئة فقط من القوى العاملة في هيئة الإذاعة البريطانية تنتمي إلى خلفيات سوداء وآسيوية وأقليات عرقية، بارتفاع من نسبة 14.8 في المئة في أرقام العام الماضي.
وكُشف أن النساء يشغلن 44.3 في المئة من المناصب القيادية، على الرغم من أن صورة مختلفة قليلاً تبرز عندما تنظر فقط إلى مجالس الإدارة واللجان التنفيذية، حيث لا يزال الرجال هم المسيطرين. في وقت سابق من هذا الشهر، كشفت بي بي سي عن الأشخاص الذين يتقاضون أعلى الأجور لديها، وكان السبعة الأوائل على القائمة رجالاً بيض، ومن بينهم غاري لاينكر وغراهام نورتون وهيو إدواردز وستيف رايت.
في ضوء ذلك، فإن محاولة هيوز- غيمز لتقديم نفسه وأقرانه كأقلية تعاني التمييز لا تختلف عن شكوى نايجل فاراج من النخبة السياسية - ذلك الرجل الذي تلقى تعليمه في المدارس الخاصة وكان سمساراً سابقاً للسلع الأساسية وتحول إلى نائب في البرلمان الأوروبي. فكما يقول المثل: "عندما تكون معتاداً على الحظوة، تصبح المساواة ظلماً."
مع ذلك، ما زال من واجبنا تقديم التعاطف لذلك الرجل الأبيض الذي يحظى بمكانة أقل بروزاً، الذي أمّن ثروة لتقاعده وهو ما زال في نهايات منتصف العمر، عندما هوى فجأة إلى مرتبة شخصية هامشية في صناعة ما زالت تخطو خطواتها الأولى نحو المساواة بين الجنسين وبين الأعراق. اجمعوا لافتاتكم أيها السادة وانزلوا إلى الشوارع. لقد آن الأوان لإسماع أصواتكم.
© The Independent