في الوقت الذي تعيش فيه رفاهية استخدام "أيفونك"، الذي يعطيك خيارات عدة من التطبيقات، ويوصلك بشبكة الإنترنت، حيث يمكنك أن تبحث في "غوغل" عن كل ما يخطر في بالك، كما يوصلك بـ"فيسبوك" وأخواتها، ثمة عمال وموظفون يعملون في هذه الشركات يواجهون صعوبات في التكيف مع غلاء المعيشة وارتفاع إيجارات المساكن، لدرجة أنهم أصبحوا يلجئون إلى السكن بشكل جماعي في شقة واحدة، أو يبحثون عن حلول لا يمكن توقعها، إذ ينامون في سياراتهم أو في سيارات السكن المتنقلة المعروفة بـRV.
ففي منطقة السيليكون فالي وفي سان فرانسيسكو، حيث نشأت شركات التكنولوجيا التي نستخدمها يوميا، وتعيش اليوم إحدى أفضل سنواتها ورواجها، يعاني الكثيرون من إيجارات الشقق التي بلغ متوسطها 4 آلاف دولار للشقة، بحسب موقع "trulia.com".
مشاركة السكن
الحديث عن أزمة السكن بات القصة اليومية في السيليكون فالي، فبينما رمت الأزمة نحو 7 آلاف شخص في الطريق، يجاهد العمال والموظفون من أصحاب الرواتب الدنيا والمتوسطة للسكن في شقق بشكل جماعي، فأمر طبيعي أن تجد شبابا ونساء يتشاركون منزلا من 3 غرف وحمامين، أو شقة من 3 غرف، علما بأن متوسط الدخل في هذه المنطقة بين الأعلى في أميركا ويقارب 64 ألف دولار في السنة، وساعة العمل تزيد على 20 دولارا. لكن كل هذا الدخل يذهب إلى السكن وتكلفة المعيشة العالية جدا في هذه المنطقة، التي بدأ كثيرون يفكرون بهجرتها إلى أماكن أخرى.
ويقول مجدي، وهو شاب لبناني يعمل "شيف" في مطعم، إنه اكتشف بعد 4 سنوات من العيش في سان فرانسيسكو أنه من الصعب عليه أن يوفر أي مبالغ للتقاعد، ما دفعه للتفكير بالانتقال إلى منطقة "أوستن" في تكساس الأرخص نسبيا، حيث يمكنه استئجار شقة كاملة بالمبلغ نفسه الذي يدفعه شهريا لغرفة في شقة في سان فرانسيسكو، يتشارك فيها مع 4 أشخاص.
النوم في السيارة
لكن هناك من قرر البقاء في سان فرانسيسكو، وبنفس الوقت لا يرغب في مشاركة سكنه مع الآخرين، فوجد ضالته في النوم في سيارته على الطريق أو في أماكن آمنة في مواقف المحلات والمطاعم والمراكز والنوادي الرياضية الكبرى التي تعمل 24 ساعة.
ولسكان السيارات طقوس خاصة في الحياة، فهم يستخدمون التسهيلات التي توفرها المحلات من حمامات عامة لقضاء حاجتهم، كما أنهم يستغلون الاشتراك الشهري في النوادي الرياضية (الجيم) لممارسة الرياضة والاستحمام وتبديل الملابس والحلاقة، بينما يطبخون ويأكلون في الحدائق العامة والغابات والشواطئ المجهزة أصلا للتخييم والطبخ في الهواء الطلق.
العيش في العربات المتنقلة
آخرون اختاروا السكن في العربات المتنقلة، وهم يجدونها الوسيلة المثالية للعيش بجانب أماكن العمل في سيارتهم التي تعتبر غرفة صغيرة مجهزة بالكامل، تسمح لهم بالتنقل خلال نهاية الأسبوع والاستمتاع بوقتهم، إضافة إلى أن إيجارها رخيص نسبيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول عاملة أمن في شركة غوغل، تبلغ من العمر 24 عاما قابلتها "بلومبيرغ"، إنها تدفع 800 دولار مقابل استئجار العربة المتنقلة، التي تركنها بجانب مقر "غوغل" في "مونتن فيو" في السيليكون فالي، حيث كانت تعيش في أتلانتا إلى أن جاءتها فرصة العمل في "غوغل"، لكنها انصدمت من تكاليف إيجارات الشقق في المدينة، ما دفعها لاستئجار العربة. وتقول إن الأموال التي تجنيها "رائعة"، لكن إذا أرادت السكن في شقة فسيذهب معظمها للشقق.
ومع أن هناك مواقف خاصة لأصحاب السيارات المتنقلة، إلا أنها موجودة بكثرة في محيط شركة "غوغل"، حيث تعتبر مقراتها بعيدة نسبيا عن المناطق السكنية، ما يسمح لهؤلاء بتوقيف سياراتهم في الليل، ثم تحريكها صباحا لإيقافها في مواقف "غوغل".
وهناك موجة غضب في سان فرانسيسكو حاليا من أزمة السكن التي أحدثتها شركات التكنولوجيا بفضل طلبها المرتفع للعمالة والموظفين خصوصا المبرمجين منهم.
فروق بين الأغنياء والفقراء
وهناك تخوف كبير يعبر عنه دائما المسؤولون في المدينة من أن يؤدي فارق الرواتب بين الموظفين والعمال أصحاب الدخول المتوسطة والدنيا، وبين الموظفين من أصحاب الدخول العليا من المبرمجين والتكنولوجيين، إلى إحداث شرخ في المجتمع بين أثرياء وفقراء، ما يزيد من معدلات الجريمة أو الطبقية في المجتمع. وتتحدث عمدة سان فرانسيسكو "لندن بريد" بشكل شبه يومي عن ضرورة بحث حل سريع لمنع حدوث هذا الشرخ، وإيجاد حل للمشردين الذين يفترشون الأرض أينما ذهبت في سان فرانسيسكو ووادي السيليكون عموما.
وبسبب الضغوط التي تمارس ضد شركات التكنولوجيا، والآثار الاجتماعية التي خلفتها، تعهدت "غوغل" بدفع مليار دولار لإيجاد حل سكني والإسهام في حل أزمة السكن على مدار السنوات العشرة المقبلة.
أثرياء جدد
وظهرت في السنوات العشرة الأخيرة شركات تكنولوجية عدة، بعضها تم إدراجها أو ستدرج في البورصات الأميركية هذه السنة، وتحولت إلى شركات مليارية، مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"تيسلا" و"أوبر" و"ليفت" و"بوستمات" و"زووم" و"بالانتير" وغيرها الكثير، وكلها ضاعفت أسعار العقارات والمنازل وإيجارات الشقق.
فعندما تدرج شركة في السوق، يحقق الموظفون، الذين حملوا أسهم الشركة منذ بداية تأسيسها، مئات الملايين من الدولارات، ويتجهون أولا إلى شراء منزل في مدينة سان فرانسيسكو ومحطيها، وهي المنازل الجميلة المختلفة الألوان والتي تقع على هضاب سان فرانسيسكو، وتملّكها هو حلم لكل شخص يعمل في المدينة. ومع كل إدراج، تزيد أسعار المنازل والإيجارات معا، ويهرب سكان سان فرانسيسكو والسيليكون فالي إلى أماكن أخرى، ليحل مكانهم تنفيذيون من الأثرياء الجدد الذين صنعتهم شركات التكنولوجيا.
وتضاعف متوسط الإيجار الشهري منذ أواخر عام 2010 ليصل إلى 4151 دولاراً في الشهر، وهو أعلى ثلاثة أضعاف المتوسط العام للإيجار في الولايات الأميركية، وفقا لموقع "Trulia"، بينما بلغ متوسط قيمة المنزل 1.8 مليون دولار، ارتفاعاً من 750 ألف دولار قبل 10 أعوام، وفقاً لقاعدة بيانات "Zillow" العقارية.
المتقاعدون متضررون
وأكثر المتأثرين من هذا التحول هم الأميركيون المتقاعدون الذين خدموا منطقة السيليكون فالي وسان فرانسيسكو في أفضل سنوات حياتهم، وهم السر في تحويل هاتين المنطقتين إلى ما يشبه "الجنة الأميركية" التي يرغبها كل من يريد العيش في أميركا، لاعتدال مناخها طوال أيام السنة وأجواء الحرية المرتفعة فيها.
ومع أن بعض المتقاعدين لديهم ما يُعرف بـقانون "التحكم بالإيجار" الذي لا يسمح لأصحاب العقارات برفع الإيجار أكثر من 3% سنويا، إلا أن الذين لا يتمتعون بميزة التحكم بالإيجار يرحلون الآن إلى أماكن أخرى، مثل جنوب كاليفورنيا، إلى مناطق مثل "بالم برينغ" الدافئة والرخيصة نسبيا، بشكل يمكنهم من تغطية تكاليف الحياة من معاشه التقاعدي، في وقت يفضل من يملك منزل بيعه في هذا التوقيت الذي وصلت فيه الأسعار لمستويات قياسية.