ملخص
#محامون في #لبنان في مواجهة نقابتهم بسبب تقييد #الظهور_الإعلامي
صراع حاد يعيشه مجتمع المحامين في لبنان الذي انقسم على نفسه، بين فريق يتسلح بقدسية حرية التعبير في القضايا العامة، وآخر يدعو إلى الحفاظ على التقاليد المهنية الصارمة. ليأتي استدعاء المحامي نزار صاغية لجلسة استماع أمام مجلس نقابة المحامين في بيروت، ويضع الفريقين وجهاً لوجه، في ظل السجال المتصاعد حول تعديل مواد نظام مهنة المحاماة، وتقييد الظهور الإعلامي بالحصول على إذن مسبق من النقابة.
جلسة استماع طويلة
نهار الخميس 20 أبريل (نيسان)، عقدت جلسة الاستماع للمحامي نزار صاغية أمام مجلس نقابة المحامين في بيروت. وترافقت مع حضور حشد كبير من المحامين، ورجال الإعلام، والمفكرين، رفضاً لتعديلات مجلس نقابة المحامين في بيروت، و"كم الأفواه".
في داخل النقابة، انعقدت الجلسة بحضور نقيب المحامين ناضر كسبار وأعضاء مجلس النقابة، والمحامي نزار صاغية الذي يرأس "المفكرة القانونية" المجلة المتخصصة بالأبحاث القانونية وقضايا المجتمع، كما حضر النائب ملحم خلف بصفته عضواً حكمياً لمجلس النقابة، ونقيب سابق للمحامين. بعد خروجه من جلسة الاستماع وصف المحامي صاغية أجواء الجلسة بالإيجابية، مجدداً موقفه الرافض لتعديلات نظام آداب المهنة، كما أعلن تمسكه بحق المحامين بالتعبير والدفاع عن قضايا المجتمع، والدفاع عن حقوقه الطبيعية، معلناً أنه ينتظر صدور القرار عن المجلس. في المقابل، يتحفظ النقيب الحالي ناضر كسبار في حديثه لـ"اندبندنت عربية" عن ذكر أي تفاصيل لمجريات الجلسة، ولكنه يشير إلى جلسة هادئة، وعلاقة ودية تربطه بالمحامين جميعاً، "كان هناك مطالبة بالتزام سرية الجلسة والتحقيق، وعدم كشف مضمونها، علماً أنه تم تدوين نحو 30 صفحة، ولا بد لمجلس النقابة من مراجعتها قبل الوصول إلى أي قرار، بالتالي قد يكتفي المجلس بما دار من مداولات أو يستمع مجدداً للمحامي نزار صاغية".
من جهته حذر ائتلاف "استقلال القضاء" من أي إجراء عقابي في حق المحامي نزار صاغية، مؤكداً "الاستمرار في المعركة إلى حين إلغاء التعديلات ووقف استدعاءات المحامين على خلفية ممارستهم حريتهم في معارضتهم التعديلات". وقبل الجلسة، لفت صاغية إلى أن مجلس النقابة لم يبلغه سبب الاستدعاء، معتبراً ذلك إخلالاً بحق الدفاع، ما يدل أن سبب الاستدعاء إسكاته.
السجال حول التعديلات
في الثالث من مارس (آذار)، اتخذ مجلس نقابة المحامين في بيروت قراراً بتعديل نظام آداب المهنة وإلزام المحامي بالحصول على إذن مسبق قبل الظهور في أي وسيلة إعلامية، أو ندوة قانونية، مما قد يفتح الباب أمام الاستنسابية في منح الأذونات، ويدفع المحامين إلى موقع متأخر في عملية نشر الوعي حول القضايا التي تمس بالمجتمع وحقوق الإنسان. أثار القرار ردود فعل متباينة، فيما تصاعدت الاعتراضات في الأوساط الحقوقية وتوجهت مجموعة من المحامين للطعن بالتعديل أمام محكمة الاستئناف.
أظهر السجال الناشئ اختلافاً في الرؤى، وكيفية التعاطي مع الإعلام وقضايا المجتمع. وكأننا أمام تيارين، الأول يتوسل الوسائل من أجل الدفاع عن حقوق المجتمع في مواجهة ما يسمونه "المنظومة"، فيما يتمسك آخر بالتقاليد المهنية الصارمة ذات الطابع الهرمي والتراتبي ضمن مؤسسة المحاماة.
جاءت جلسة محكمة الاستئناف في 13 أبريل الحالي لتذكر بالمسار القضائي الذي سلكته قضية التعديلات التي طالت بعض مواد تنظيم مهنة المحامين، حيث عقدت جلسة علنية برئاسة القاضي أيمن عويدات، وعضوية المستشارين حسام عطالله، وكارلا معماري للنظر في الطعن المقدم من 12 محامياً (بينهم نزار صاغية) ضد قرار نقابة محامي بيروت بـ"تقييد حرية المحامين بالتواصل مع الإعلام"، الذي يصنفه هؤلاء مساساً بجوهر حرية التعبير، ومخالفاً لمبادئ الضرورة، ومساهماً في تقويض استقلالية القضاء وحق الدفاع. وحددت المحكمة تاريخ الرابع من مايو (أيار) المقبل موعداً لإصدار القرار في القضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"شوهوا قرارنا"
يكرر نقيب المحامين ناضر كسبار تمسكه بحرية التعبير، ودور المحامي في الدفاع عن قضايا المجتمع، معتبراً أن "تشويهاً طال قرار مجلس النقابة". ويوضح أن النقابة تخضع لقانون تنظيم مهنة المحاماة الصادر عن مجلس النواب، الذي يمنح النقابة الحق في وضع الأنظمة الداخلية المتعلقة بها، مشيراً إلى أن نظام آداب المهنة ومناقب المحامي، كرس في المادة 39 عدم إمكانية نشر مضمون الدعاوى قيد النظر. ويلفت كسبار "قبل عام 2002، لم يكن للمحامي التصريح مطلقاً، ولم يكن يحق للنقيب منح الإذن للمحامي للحديث بهذه الدعاوى، ولكن في عام 2002، جاء بند يتطرق للحديث في القضايا المتصلة بالدعاوى الكبرى التي تهم المجتمع، على غرار قضية انفجار مرفأ بيروت، وقضية أموال المودعين، واغتيال الرئيس رفيق الحريري بعد استئذان النقيب بحسب القانون"، فيما يشير إلى مخالفة المحامين الصريحة للنص القانوني عند الحديث عن "القضايا قيد النظر".
ينوه كسبار إلى أنه في عام 2014، جرى تعديل النظام ليصبح "يستحسن طلب المحامي الإذن من النقيب للمشاركة في ندوة علمية قانونية عبر وسائل الإعلام"، من هنا، كان الأفضل "إما إزالة المادة نهائياً أو وضع ضوابط لها من خلال إعادتها إلى ما كانت عليه في عام 2002، أي على المحامي أن يستأذن النقيب إذا أراد المشاركة في الندوات الإعلامية".
يرفض النقيب كسبار التهم الموجهة إليهم بالمس بحرية التعبير، فهو كان وكيل مئات الدعاوى أمام محكمة المطبوعات، ويعتقد أن هناك قلة من المحامين "لا يتجاوزون 40 محامياً"، يستفيدون من الظهور الإعلامي لصناعة شهرتهم بمساعدة أصدقائهم من مديرين المؤسسات الإعلامية، والتأثير في سير الدعاوى الموكلين بها، على حساب 12 ألف محام يتقيدون بالأصول المهنية الرصينة، ويمارسون عملهم ضمن مكاتبهم وقصور العدل، داعياً هؤلاء إلى الضغط من أجل القضايا الكبرى كالدعوة لانتخاب رئيس جمهورية، أو إجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها، وإعادة أموال المودعين.
لا لتجاوز الأصول النقابية
يتحدث كسبار عن معاناة النقابة من ظاهرة "المحامين الأقوياء" الذين يظهرون على الشاشة، مكرراً تمسكه بحرية التعبير، فهو من جهة محام لإحدى الجرائد منذ 1990، وكاتب مقالات. ويضيف "99 في المئة من المحامين يموتون بمرض القلب، لأنهم يعملون بجهد وكد على ملفاتهم، ومن غير الجائز أن يدخل محام على عمل زميل له، ويحرض الموكلين على وكلائهم من خلال الظهور الإعلامي".
كما يعلن استعداده لفتح الباب أمام المحامين للمحاضرة في أي رقعة من لبنان، وفي أي موضوع كان، واصفاً نقابة المحامين بنقابة الحريات، فهي توكلت مجاناً عبر مكتب الادعاء عن 1500 متضرر من انفجار مرفأ بيروت، ودعوى المودعين ضد المصارف.
كما يرفض النقيب كسبار أي تصنيف سياسي لمواقفه، فهو "خارج كل أحزاب لبنان في الانتخابات، ولا أحد يضغط عليّ، ولا أحد يمون علي، ولا أحد يؤثر بقراراتي. وأتحدى أن يخرج أحد ويقول خلاف ذلك"، مضيفاً "لم أغادر لبنان منذ 2006، ولم أغادر نقابتي". لذلك، يدعو النقيب ناضر كسبار المحامين الـ12 المعترضين إلى انتظار قرار محكمة الاستئناف التي تصادق على قرار النقابة لناحية منح النقيب صلاحية إعطاء الإذن للمحامين بالظهور الإعلامي أو تفسخه، قائلاً "من يرد الحصانة فعليه احترام الأصول النقابية، وعلى النواب رفع أيديهم عن النقابة والتشريع".
النزاع القانوني
تسبب قرار نقابة المحامين بنقاش قانوني حول موقع النصوص التنظيمية ضمن الهرمية القانونية. فنحن أمام نص يضع قيوداً على الظهور الإعلامي للمحامين في ظل عصر الصورة، فيما يؤكد الدستور اللبناني على حرية الرأي والتعبير. يؤكد الدكتور جاد طعمة أنه وفق النظرية القانونية هناك تراتبية للقواعد، ولا يستطيع نظام داخلي أو قانون مخالفة الدستور، لأن القواعد الدستورية تسمو على القواعد الأخرى. وعليه، فإن القواعد التي تنتقص من المبادئ التي كرسها الدستور تعتبر باطلة ومنعدمة الوجود. ويلفت طعمة أن الطعن الذي تقدم به المحامون أمام محكمة الاستئناف النقابية، يرتكز على احترام تراتبية القواعد القانونية، مؤكداً أنهم ينتظرون الحكم الذي سيصدر في 4 مايو المقبل. ويجيب طعمة عن السؤال المتعلق بوجود نصوص قانونية مختلفة، تضع قيوداً على حرية التعبير في لبنان على غرار قانون الموظفين، بالقول "الموظف ارتضى أن يحتكم إلى الوظيفة العامة، والاستفادة من الضمانات والتقديمات التي يستفيد منها، فيما المحامي يزاول مهنة حرة"، مشدداً على أن "المحامي يلتزم السرية المهنية، ولا يصرح حول ملفه، كما أن هناك قسم المحاماة الذي يتضمن قيم المناقبية وأخلاق المهنية".
خطوة إلى الوراء
كما أثار قرار مجلس النقابة مخاوف لدى جهات حقوقية من عودة البلاد إلى عصر القبضة البوليسية، يعتبر النائب مارك ضو أن "مهمة المشرع الدفاع عن الدستور الذي يحفظ حرية التعبير للمحامي والمواطن، وعليه في حال أوقف المحامي عن التعبير، فسيكون هناك مشكلة"، لذلك يرى ضو "وجوب حماية المحامي الذي يعتبر في الصف الأول للدفاع عن الحريات والحقوق".
من جهتها، تصف سعدى علوة (رئيسة قسم الصحافة في "المفكرة القانونية") ما يجري من استدعاء محامين بـ"المفصلي"، و"ما يحصل يتخطى شخص نزار صاغية إلى المساس بكل مدافع عن دولة القانون والمؤسسات، وحقوق الناس جميعاً، والمناطق والفئات المهمشة المختلفة".
أما الأستاذة في كلية الإعلام وفاء أبو شقرا فتعتبر أن "ما يجري مع مجموعة محددة من الحقوقيين والأكاديميين، وأهل الرأي، هو حلقة ضمن لحظة سياسية، حيث تعتقد السلطة أن بمقدورها إعادة لملمة نفسها على الصورة التي سبقت ثورة 17 تشرين، والاستفادة من التغييرات الإقليمية". لا تعتقد أبو شقرا أن ما يحصل "عفوي" بل "ممنهج" ضمن السياق العام للأحداث الذي "يفرض على الجميع السير ضمن الخطوط المرسومة مسبقاً".