ملخص
احتاجت فوكس نيوز وشركة دومينيون للاقتراع الإلكتروني إلى الاستعانة بمهارات وسيط للتوصل إلى تسوية مالية وتجنب محكمة مثيرة للجدل
قبل التراجع عن المحاكمة الوشيكة للغاية، واجهت "فوكس نيوز" وشركة "دومينيون فوتنغ سيستيمز" Dominion Voting systems [لتكنولوجيا الاقتراع الإلكتروني] موعداً نهائياً صارماً لم يحدده لهما قاض أو هيئة محلفين نفد صبرهما، ولكنه جاءهما من رجل في النصف الآخر من العالم كان في نزهة على نهر الدانوب برفقة زوجته.
هكذا دفع وسيط، تمت الاستعانة به لتقديم مساعدة مأجورة في وقت متأخر من الأحد، الجانبين نحو [الاتفاق على] تسوية بقيمة 787 مليون دولار أدت إلى وضع حد بشكل مذهل لقضية التشهير الإعلامي الأكثر استقطاباً للمشاهدين منذ عقود، وهي قضية سعت إلى محاسبة مروجي الأكاذيب التي قيلت في شأن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في أكثر المنابر الإعلامية شعبية في أميركا.
وقال جيري روسكو، وهو من خدمة الوساطة المسماة "جامس" JAMS التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، الأربعاء "إنه موعد نهائي أفرضه على الدوام لأنني أعلم أنه بمجرد تشكيل هيئة المحلفين والإدلاء بالبيانات الافتتاحية، فإن هذا الطرف أو ذاك سيزداد تشبثاً بموقفه (...) وهذا سيجعل المفاوضات أشد صعوبة بكثير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما استمرت المساومة، عن طريق الهاتف وفي كواليس محكمة ديلاوير، انتظر المحامون والصحافيون والمراقبون حلول الموعد المقرر لبدء المحاكمة في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر الثلاثاء.
وأخيراً، وقبل دقيقتين من الساعة الرابعة مساءً، أطل قاضي المحكمة العليا إريك ديفيس ليدلي بإعلان واضح وصريح نظراً إلى الأخطار التي تنطوي عليها القضية.
وقال "لقد توصل الطرفان إلى حل".
واستمر العمل على التسوية لأشهر، منذ أن رفعت الشركة العاملة في مجال تكنولوجيا الاقتراع التي تتخذ من كولورادو مقراً لها، دعوى قضائية ضد "فوكس" لمطالبتها بتعويضات بقيمة 1.6 مليار دولار. وزعمت في الدعوى أن أعمالها تضررت، وتعرض موظفوها إلى التهديد، عندما وجهت إليها تهمة لا أساس لها من الصحة بالعبث بآلات التصويت [لكي تأتي النتائج] في غير مصلحة الرئيس السابق دونالد ترمب في عام 2020.
وقد أظهر عدد كبير من الأدلة التي كان بعضها دامغاً، وبعضها الآخر محرجاً، في الشهرين السابقين على البداية المقررة للمحاكمة، أن العديد من المديرين التنفيذيين، ومن أولئك الفنيين والإعلاميين الذين يعملون على الهواء مباشرة، لم يصدقوا المزاعم التي بثت في الغالب في البرامج التي قدمتها ماريا بارتيرومو، ولو دوبس، وجانين بيرو. في ذلك الوقت، كان هؤلاء يخشون من إثارة غضب جمهور ترمب إذا كشفوا عن الحقيقة.
كان القاضي ديفيس قد أمر الطرفين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بمحاولة حل خلافاتهما عن طريق وساطة. إلا أن الوساطة لم تكن اقتراحاً مجدياً بالنسبة إلى "دومينيون". فالشركة لم ترغب في إنهاء القضية من دون الكشف علناً عن الأدلة التي جمعتها كلها. وحدث ذلك خلال شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار)، مع تقديم "دومينيون" كمية هائلة من الوثائق التي حددت بشكل أساسي معالم القضية التي كانت الشركة ستضعها بين يدي المحكمة.
قال جون بولوس، وهو الرئيس التنفيذي لشركة "دومينيون" الأربعاء في برنامج "صباح الخير أميركا" الذي تبثه قناة "أي بي سي" ABC إن "هذا كان شيئاً التزمناه منذ البداية". وأضاف "لقد تلقينا دعماً كاملاً مع شركائنا، وهذا شيء نحن مدينون به لعملائنا".
وجادلت "فوكس" بأنها كانت تبث ادعاءات جديرة بالاهتمام قدمها مساعدو ترمب، وأن قضية "دومينيون" كانت بمثابة هجوم على حرية الصحافة.
من الصعب إثبات تهمة التشهير، إذ يجب أن تخلص هيئة المحلفين إلى أن الصحافيين قد نشروا معلومات كاذبة عن سابق علم أو مع "تجاهل طائش" للحقيقة.
ومع ذلك فقد صار النصر أبعد منالاً بالنسبة إلى "فوكس"، وذلك من خلال الأدلة المقدمة والأحكام الصادرة عن القاضي ديفيس، الذي قال إن الادعاءات التي أطلقت ضد "دومينيون" كانت كاذبة من دون شك، وإن مدى جدارة خبر بالنشر لم تكن تشكل دفاعاً ضد التشهير.
بدأ محامو الطرفين، جاستن نيلسون عن "دومينيون" ودان ويب عن "فوكس"، السعي بهدوء للوصول إلى تسوية قبل المحكمة. ونظراً إلى تباعد موقفي الجانبين، فقد تواصلوا مع الوسيط روسكو، الذي كان حينها مع زوجته في نزهة على متن رحلة نهرية بين بودابست وبوخارست. وإذ وافق على متابعة القضية، فقد قضى الشطر الأكبر من الإثنين في قراءة الأدلة.
وأوضح روسكو أن "وظيفتي هي خلق البدائل ومنحهم خيارات".
وتحدث على الهاتف بشكل مستمر من القارب في الغالب مع محامين غير نيلسون وويب الثلاثاء، بينما كانا يستعدان للإدلاء بالبيانات الافتتاحية، وكبار المسؤولين مثل بولوس، متوارين عن الأنظار في غرفة اجتماعات في مبنى المحكمة.
وقد أعطى القاضي ديفيز الجانبين الإثنين عطلة [من المحاكمة] لاستكمال المحادثات. وفي صباح الثلاثاء، اختيرت هيئة محلفين ضمت امرأتين وخمسة رجال سود، ورجلاً وأربع نساء بيض. وعليه كانت هيئة محلفين بغالبية من السود هي التي ستقرر المصير المالي لشبكة إعلامية يشكل البيض 94 في المئة من جمهورها وفقط واحد في المئة من السود، طبقاً لما ذكرته شركة "نيلسن" [الأميركية للمعلومات والبيانات وقياس السوق].
لي ليفين، وهو من محامي "التعديل الأول" المخضرمين [معنيين بحماية حقوق الأفراد في حرية العقيدة والتعبير والاجتماع وما شابهها]، قال إن انتقاء هيئة المحلفين يمكن أن يكون لحظة رئيسة لجهة دفع الجانبين إلى التوصل إلى تسوية في اللحظة الأخيرة.
وأضاف أن هناك احتمالاً قوياً بأن "فوكس قررت الانتظار لترى أي نوع من المحلفين قد تمخضت عنهم [عملية الاختيار]، وتعرف ما إذا كان بينهما أشخاص لديهم مواقف ممانعة [لإدانتها]".
وقاومت "فوكس" سراً الفكرة القائلة إن اختيار هيئة المحلفين هو مفتاح الصفقة، معتبرة بدلاً من ذلك أن هناك مفاوضات معقدة يجب أن تتم.
في هذه الأثناء، وبعد استراحة الغداء، عاد الناس إلى قاعة المحكمة المزدحمة بصناديق مليئة بالأدلة. تحدث ويب على هاتفه الخليوي واقترب من نيلسون لكي يتكلم معه بهدوء أكثر من مرة. وفي مرحلة ما، شوهد ويب وهو يخرج من المحكمة وعلى وجهه ابتسامة عريضة.
كان ليفين يسير على الشاطئ في ولاية كارولينا الشمالية مع زوجته، وعلى أذنيه سماعتين لتمكينه من التقاط البث الصوتي للبيانات الافتتاحية. وعندما لم تستأنف المحكمة عملها بحلول الساعة 2.30 بعد الظهر، حدس أن تسوية ما صارت وشيكة.
ومتى انتاب روسكو ذلك الشعور؟
قال الوسيط "عندما اكتملت عناصرها [التسوية] وليس قبل ذلك بلحظة"، مضيفاً "كان للطرفين تحليلات مختلفة للقانون والوقائع وكانا مدافعين أشداء عن مواقفهما طوال فترة المفاوضات".
وجرى التوصل إلى الاتفاق قبل الساعة الثالثة بعد الظهر بحسب توقيت ولاية ديلاوير، أو الساعة 10 مساءً بتوقيت روسكو على قاربه.
كانت المفاوضات مالية في المقام الأول. وأصدرت "فوكس" بياناً عاماً الإثنين أشارت فيه إلى أن شركة "دومينيون" قد خفضت القيمة التقديرية التي وضعتها للأضرار التي لحقت بها بمقدار 600 مليون دولار. وعارضت "دومينيون" ذلك، غير أن الصفقة النهائية كانت أقرب إلى الرقم المعدل طبقاً لما ذكرته "فوكس".
كان بعض منتقدي "فوكس" غاضبين من الصفقة، وأرادوا بدلاً من ذلك رؤية محاكمة تجبر فيها شخصيات "فوكس" على الإدلاء بشهاداتها علناً، أو في الأقل شخصيات "فوكس" وهي مرغمة على الاعتذار لـ"دومينيون" على الهواء مباشرة.
وعوضاً عن ذلك، أصدرت "فوكس" بياناً قالت فيه إنها أقرت بالنتائج التي خلص إليها ديفيس بأن "بعض المزاعم حول دومينيون" كانت كاذبة. وقالت "فوكس" إن "هذه التسوية تعكس التزام فوكس المستمر أعلى المعايير الصحافية".
من جانبه، يرى ليفين الأمر على هذا النحو "في نهاية المطاف، أعتقد أن القراءة المعقولة لما حدث هي أنه كان هناك خط لن تتخطاه فوكس أو لا تستطيع تجاوزه بسبب نموذج العمل الذي تتبعه".
وأضاف "لا يمكن أن يبث مذيعوهم على الهواء ويقولوا (للمشاهدين) إنهم كذبوا عليهم".
قال ستيفن شاكلفورد، وهو المحامي المشارك لدى "دومينيون" موضحاً "لا أعتقد أن للاعتذار القسري أي قيمة". وأشار إلى أن فوكس عمدت بعد تلقيها تهديداً بمقاضاتها في ديسمبر 2020 من قبل شركة تكنولوجيا تقنية أخرى هي "سمارتماتيك" Smartmatic، إلى بث مقابلة مع خبير انتخابات يفند مزاعم التزوير، ولم يكن لها تأثير يذكر في جمهور "فوكس" أو في كيفية عمل "فوكس".
ولدى "سمارتماتيك" دعوى قضائية قيد الانتظار ضد "فوكس" تشبه دعوى "دومينيون".
اعتبر شاكلفورد أنه "لا يمكنك تغيير ثقافتهم ونهجهم من الخارج (...) عليهم أن يفعلوا ذلك بأنفسهم".
ولم تقدم "فوكس" أي تعليق على ذلك بشكل فوري الأربعاء، ما عدا البيان الذي صدر إثر التسوية.
وعند إبرام الصفقة، قال بولوس إنه كان عليه أن يأخذ في الاعتبار الموظفين والعملاء الذين عانوا المضايقات بعد الادعاءات الكاذبة. ولفت إلى أن "فوكس" أقرت بالأحكام التي اتخذتها المحكمة ومفادها أن المزاعم [الصادرة عن فوكس نيوز] كانت كاذبة.
ونظراً إلى التحديات التي واجهها في سياق محاولته التقريب بين "فوكس" و"دومينيون" وحل خلافاتهما حول الحقائق والمسائل القانونية، فقد رأى روسكو أن [تلك المهمة] واحدة من أكثر القضايا ذات المغزى التي عمل عليها طوال حياته المهنية، بيد أن زوجته، قد تصر على إجازة أخرى.
وقال روسكو مازحاً "الأرجح أنها كانت تبحث عبر الإنترنت عن زوج آخر".