لا يعرف الرجل في الغابة أنّه مُراقب. ولا يعرف أنّ هنالك كاميرا بين الشجيرات تتتبّع كلّ خطواته. ولا يدري أيضاً أنّ وجهه سيظهر قريباً على الصفحات الأولى للصحف وأنّه ستتمّ مشاركة صوره التي التقطت بشكلٍ سري على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم. يبدو الأمر خطأ نوعاً ما بأنّ هذا الرجل لا يدرك ذلك ولم يطلبه ولم يوافق عليه. هل يجوز الاستمرار في مراقبته؟ فجأة، يرصد الكاميرا ويركض هارباً بأسرع ما أمكنه.
التجسّس على الأشخاص من خلف الشجيرات هو تصرّف بغيض ولكن في هذه الحالة الفريدة، ستساعد هذه اللقطات في إنقاذ حياة ذلك الرجل وحياة آخرين مثله. هو أحد أفراد قبيلة تُدعى "أوا" Awá، وقد اختار أفراد مجموعته من شعب ’أوا‘ بأن يبقوا غير معروفين وتجنّبوا كافة انواع التفاعلات مع المجتمع الخارجي المسيطر.
يحتوي العالم على أكثر من مئة قبيلة غير معروفة وهم أكثر الأشخاص المعرّضين للخطر على الكوكب. فهم لا يملكون أيّ مقاومة للأمراض الشائعة كالانفلونزا والحصبة وتتعرّض شعوبهم للزوال على أيدي الدخلاء العنيفين الذين يودّون سرقة أراضيهم ومواردهم. تواجه كافة القبائل غير المعروفة كارثة حقيقية ما لم تتمّ حماية أراضيهم.
تمّ التقاط مشاهد رجل قبيلة ’أوا‘ من قبل قبيلة مجاورة هي "غواجاجارا" Guajajara، التي تحاول حماية الغابة المطيرة حيث تعيش القبيلتان. تتعرّض الغابة في تلك المنطقة للتدمير بسرعة، وتقوم مجموعات غواجاجارا بجولاتٍ دوريّة في الغابات لرصد أيّ غزواتٍ وطرد قاطعي الأشجار. وواجه العديد من هؤلاء تهديداتٍ بالموت كما قُتل بعضهم، إذ بلغ عدد أفراد غواجاجارا الذين قُتلوا 80 شخصاً في المنطقة منذ العام 2000.
وقال ادفيان غواجاجارا من ميديا انديا وهي المؤسسة الإعلامية للسكان الأصليين التي نشرت المشاهد: "تتعرّض قبائل غواجاجارا و’أوا‘ للتهديد بشكلٍ دائم من قبل الغزاة. ولا تقوم الحكومة البرازيلية بواجبها في حمايتهم. يُقتل أفراد غواجاجارا لأنهم يدافعون عن موطنهم وأرضهم وشعبهم. نودّ أن نعيش بسلامٍ وحسب، من دون قطع أشجار ولا غزو، نودّ أن يتمّ احترام حقوقنا وحسب. نحن نطلب المساعدة."
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثبُت أنّ نشر مشاهد كهذه هي من أفضل الطرق الممكنة للحصول على تلك المساعدة. وتُعتبر "سورفايفال انترناشونال" Survival International المنظمة الوحيدة التي تحارب حول العالم لوقف إبادة القبائل غير المعروفة، وقد نشرت بالتعاون مع منظمات السكان الأصليين عدداً من مقاطع الفيديو عن الأشخاص غير المعروفين. وتهدف تلك اللقطات والتغطية الإعلامية المحيطة بها إلى نشر الوعي وإثارة القلق بشأن هؤلاء الأشخاص وهي تشكّل الوسيلة الأفضل لذلك، ما يعني أنّ بوسع هؤلاء الأشخاص المعرّضين للخطر أن يحصلوا على المساعدة التي يحتاجون إليها.
وتُعتبر هذه الصور دعوة للاستيقاظ للعالم: فهي تدفع الأشخاص للتحرّك دعماً للقبائل غير المعروفة ومساءلة الحكومات والشركات الكبرى التي تسرق أراضيهم وتنهي حياتهم. صحيح أنّه من غير المريح مشاهدة شخص لا يعرف أنّه يتمّ تصويره، ولكن واقع أنّ نشر هذا الفيديو بوسعه أن يساهم في إنقاذ الأرواح، من شأنه أن يساعد قبائل برمّتها وهو أمر يتخطّى مسائل الخصوصية.
ويشرح اريسفان من ميديا انديا أيضاً: "لم نحصل على إذن ’أوا‘ للتصوير ولكننا ندرك أنّه من المهمّ استخدام هذه الصور لأنه في حال لم نفعل وننشرها ليراها العالم بأسره، سيتعرّض الـ’أوا‘ للقتل على أيدي قاطعي الأشجار. علينا أن نظهر بأن قبيلة ’أوا‘ موجودة وأنّ حياتهم في خطر. نحن نستخدم هذه الصور كصرخة للمساعدة وندعو الحكومة إلى حماية حياة أقربائنا الذين لا يودّون ايّ اتصال مع الدخلاء."
( جيس فرانكلين هي مستشارة تحرير لمنظمة ’سورفايفال انترناشونال‘)
© The Independent