ملخص
لم تسلم الحيوانات من ويلات وتداعيات الحرب في السودان، إذ تواجه عشرات الأسود والضباع وغيرها بأكبر حدائق الحيوانات بالخرطوم وضعاً حرجاً بتعرضها للجوع المفرط
في يومها العاشر، تتمدد قسوة حرب الخرطوم، ويتفاقم معها الوضع الإنساني في ظل تسارع وتيرة تراجع الخدمات الأساسية والصعوبات المعيشية مع نذر الوضع الصحي الكارثي بالبلاد، كما يتزايد شبح الجوع والعطش والمسغبة مع كل يوم جديد من القتال.
تواجه مخزونات الخرطوم من السلع والإمداد الغذائي تراجعاً وتدنياً مطرداً، إما بواسطة عمليات النهب أو النفاد من الأسواق. ولم يسلم من ويلات وتداعيات الحرب حتى الحيوانات، إذ تواجه عشرات الأسود والضباع وغيرها بأكبر حدائق الحيوانات بالخرطوم وضعاً حرجاً بتعرضها للجوع المفرط، بسبب استمرار القتال الذي يدخل يومه الثالث في أسبوعه الثاني، بسبب المعارك وجفاف الأسواق من السلع والمواد الغذائية.
مفترسات جائعة
في ظل استمرار الاشتباكات العنيفة والتردي اليومي للأوضاع الإنسانية، لا يعرف حتى الآن ما المصير الذي ينتظر 300 نوع من الحيوانات المختلفة، من بينها 25 أسداً وستة من الضباع ومجموعة متنوعة من القرود، إلى جانب أعداد كبيرة من السلاحف والطيور والغزلان والقطط البرية واثنين من الجمال ومثلها من الكلاب وخمسة من السناجب.
تسببت المعارك في تآكل المخزون الغذائي بحديقة السودان للحياة البرية، المجاورة لأحد المقار العسكرية بمنطقة الباقير جنوب شرقي الخرطوم، سواء بالنسبة إلى الحيوانات آكلة اللحوم أو الأعشاب، فضلاً عن أن انقطاع الكهرباء ومصادر الطاقة الأخرى، أصبح يهدد بانهيار وسائل الحماية التي تعتمد على الأجهزة الكهربائية بصورة أساسية.
منعت الاشتباكات العسكرية الفرق العاملة في الحديقة من الوصول إليها لتوفير العناية والرعاية والإشراف اليومي على الحيوانات أو تأمين الأغذية وإجراء الصيانات اللازمة، وأصبح من الصعب توفير الأكل والشرب للحيوانات بسبب شح وانعدام كثير من السلع والمواد الغذائية وجفاف كل الأسواق.
أخطار مزدوجة
يخشى أن يشكل أي هرب محتمل لتلك الحيوانات التي ضمنها فئات مفترسة خطراً حقيقياً على حياة الناس حال تمكنها من الهرب بسبب الجوع أو انهيار أنظمة التأمين التي بدأت تتأثر وتتداعى داخل الحديقة، مع تعذر وصول العاملين والحراس للإشراف والرعاية.
المدير الفني لحديقة السودان للحياة البرية معتز كمال الدين إدريس كشف عن أن وضع الحديقة والحيوانات التي بداخلها بات حرجاً للغاية، إثر نفاد بعض المخزونات وتلف مخزون اللحوم بسبب توقف المبردات لانقطاع التيار الكهربائي وتوقف المولدات ومصادر تخزين الطاقة من البطاريات.
وأوضح مدير أكبر حدائق الحيوان بالخرطوم لـ"اندبندنت عربية" أن كل المحاولات من أجل تأمين تغذية الحيوانات الموجودة بالحديقة أو المحافظة على الإمدادات التي كانت موجودة بالمخازن باءت بالفشل، على رغم مخاطرة فريق من العاملين بالحديقة في غياب ممرات آمنة للحركة وظروف بالغة الخطورة من أجل الوصول إلى مركز المدينة والبحث عن الحاجات المطلوبة.
مشاق ومناشدة
وقال إنهم منذ اندلاع الحرب قبل 10 أيام ظلوا في إدارة الحديقة يحملون على عاتقهم تلك المسؤولية الثقيلة ويواجهون مشاق وأخطاراً كبيرة بصورة يومية من أجل أداء واجباتهم تجاه الحيوانات، بخاصة أن الحديقة تقع بالقرب من أحد المقار العسكرية التي تشهد اشتباكات بصورة يومية جعلتها في مرمى نيران الطرفين المتقاتلين.
وناشد المدير الفني للحديقة جميع الجهات المسؤولة إلى جانب كل أصحاب المقدرة على المساعدة بضرورة التدخل لإنقاذ الموقف، خصوصاً بعد أحداث معسكر الباقير الذي وضع الحديقة في حصار مطبق من العمليات العسكرية بوقوع عمليات قصف جوي متكرر على بعد 200 متر فقط منها.
درجة الحرارة 45⁰c سخانة شديدة و اكبر مشكلة عندنا الموية و الكهرباء. كل الشغل باليد.https://t.co/7MdGRcFmr6 pic.twitter.com/LKWxIRSk15
— Sudan Animal Rescue حديقة السودان للحياة البرية (@SudAnimalRescue) April 23, 2023
وشكا من أن الحصار قد ضاق على الحديقة، خصوصاً بعد انقطاع التيار الكهربائي ونفاد مخزون الأغذية والمأكولات والمياه للحيوانات، وزاد الموقف تعقيداً تعرض السيارة التي كانوا يستخدمونها في أداء مهامهم للسرقة مع انعدام واستحالة توفير الوقود هذه الأيام.
يخشى إدريس من أن تتجاوز الأمور كل الحدود في ظل حالة الانفلات الكبير الراهنة وتتسبب إما في نفوق هذه الحيوانات أو هربها، مما يمكن أن يشكل خطراً جديداً على حياة المواطنين بالمنطقة.
وأشار المدير الفني للحديقة البرية إلى وجود شراكة بين الحديقة والإدارة العامة للحياة البرية، لكنها شراكة ترتبط في الظروف العادية بمسائل الإشراف والتسجيل، إذ إن الحديقة تدار على أساس طوعي بواسطة مجموعة من الشباب وتعتمد بشكل كبير في مواردها على العائد من تذاكر دخول المواطنين من رواد الحديقة.
وأشاد بالمساهمات المقدرة والتعاون الكبير الذي ظلوا يجدونه من المواطنين بالمنطقة مع إدارة الحديقة في توفير كثير من المطلوبات، بخاصة المنتجات الزراعية بالنسبة إلى الحيوانات آكلة الأعشاب، غير أن الوضع الآن أضحى خطراً حتى على المواطنين أنفسهم.
غرائز ومحاذير
في السياق ذاته، حذر الطبيب البيطري يوسف محمد عبدالرازق من أن غريزة الافتراس سواء للإنسان أو الحيوان تظل كامنة ومترسخة في الأسود التي تحتاج لإشراف ورعاية غذائية منتظمة، فضلاً عن تشديد الإجراءات الخاصة بزيارة موقعها بحدائق الحيوان، بغرض تأمين الزوار والحذر الشديد في التعامل مع الفصائل المفترسة منها بغض النظر عن مستوى تأمين أقفاصها.
وفقاً لإحصاءات متخصصة يتناول الأسد يومياً نحو 40 كيلوغراماً من اللحم، وينام ساعات طويلة قد تصل إلى 20 ساعة يومياً.
تصنف الأسود وفقاً لتقديرات الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة ضمن فئة الحيوانات المعرضة للانقراض، إذ شهدت أعدادها تراجعاً ملموساً في أفريقيا بنسبة 43 في المئة خلال الفترة بين 1993 و2014 ولم يبق منها سوى عدد 20 ألفاً في الوقت الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قبل 30 عاماً، كان السودان يمتلك أكبر حديقة للحيوان بأفريقيا في الخرطوم، يرجع تاريخها إلى عام 1902، إلا أن نظام الحكم في عهد عمر البشير عمد إلى تجفيفها كسائر منتجعات الترفيه، وقام ببيع أرضها ليقام مكانها فندق كورونثيا الحالي الذي كان يطلق عليه سابقاً برج الفاتح من سبتمبر (أيلول) قبل سقوط القذافي بوصفه أحد الاستثمارات الليبية، وتم توزيع الحيوانات التي كانت موجودة فيها على أماكن متفرقة، تفتقر إلى كثير من المقومات، مثل حديقة حلة كوكو والحديقة الدولية أو حديقة القرشي التي كانت تضم أعداداً وأنواعاً قليلة من الحيوانات.
أما حظيرة الدندر القومية الأم فتعتبر أكبر محمية طبيعية في أفريقيا تقع على الحدود السودانية - الإثيوبية، أسست عام 1935، وتعتبر إحدى كبرى المحميات الطبيعية في أفريقيا، وتتميز بتنوع حيوي كبير.
الخدمات في خطر
إلى ذلك وعلى صعيد الوضع الميداني بالخرطوم، قال أحدث بيانات الجيش "تواصلت التحركات العسكرية للميليشيات المتمردة داخل ولاية الخرطوم للاستيلاء على بعض المرافق الخدمية الاستراتيجية وتخريبها، إذ تم التعدي على دار الهاتف بالخرطوم وقطع اتصال الإنترنت بشبكة سوداني، بجانب محاولة الاستيلاء على مصفاة الجيلي في إطار سياستهم التي تقوم على محاولات ابتزاز الدولة".
اتهم بيان الجيش الطرف الآخر بمواصلة القصف المدفعي لبعض المناطق المحيطة بالقيادة العامة واعتراض حركة المواطنين بإقامة نقاط التفتيش في بعض مناطق العاصمة والعمل على نشر الفوضى باقتحام بعض السجون وإجبار الشرطة على إطلاق سراح النزلاء وبينهم محكومون بجرائم خطرة.
وطمأن بيان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الشعب السوداني بأنها ستظل قوية ومتماسكة وموحدة الهدف والإرادة وستستكمل مهمتها العسكرية في التصدي وتحقيق النصر وتخليص البلاد من هذه الأوضاع التي تسببت فيه ميليشيات متمردة وضعت هدف الاستيلاء على البلاد بكل تاريخها وتسخيرها لصالحها بصورة لا مكان فيها للمصلحة الوطنية، وسنحقق لشعبنا نصراً مؤزراً وقريباً بإذن الله.