أثار العنف المفرط الذي مارسته المؤسسة الأمنية السودانية تجاه المواطنين العزل خلال الاحتجاجات التي شهدتها مدن السودان المختلفة منذ اندلاعها في أغسطس (آب) الماضي، جدلاً واسعاً في المشهد السياسي في أعقاب سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وتعالت الأصوات المطالبة بتفكيك المؤسسة العسكرية بمكوناتها كافة وإعادة هيكلتها لتعود إلى سابق عهدها والمشهود لها بالقومية والحيادية، فضلاً عن الكفاءة والمقدرة العالية.
عسكريون سودانيون أكدوا لـ "اندبندنت عربية" أهمية إيجاد توازن داخل المؤسسة العسكرية من خلال إعادة الضباط والجنود الذين أحيلوا إلى الصالح العام في عهد النظام السابق لأسباب مختلفة من أبرزها الاختلافات السياسية، وذلك لإعادة الروح المعنوية والقتالية لهذه القوات، إلى جانب الانضباط العام وسط العاملين في المنظومة العسكرية بشكل عام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أجسام موازية
اللواء ركن معاش محمد علي حامد قال إن إعادة هيكلة القوات النظامية السودانية مسألة في غاية من الأهمية وهي من الملفات المهمة والرئيسة للحكومة الانتقالية المقبلة، لأن النظام السابق لعب دوراً كبيراً في إضعاف المنظومة العسكرية بقصد. وترصد منذ اليوم الأول لانقلاب الجبهة الإسلامية من خلال إحالة آلاف الضباط إلى الصالح العام، ولم يبق إلا على الموالين له في هذه المؤسسة العريقة، وفي الوقت نفسه قام بخلق أجسام موازية للمؤسسة العسكرية في شكل ميليشيات تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين مثل قوات الدفاع الشعبي التي جرى تجنيد الآلاف لها من شباب الحركة الإسلامية تحت مسمى كتائب المجاهدين، الذين شارك معظمهم في الحرب ضد قوات التمرد بجنوب السودان، التي كان يتزعمها جون قرنق قبل توقيع اتفاقية السلام في نيفاشا عام 2005 برعاية "ايقاد" (الهيئة الحكومية للتنمية IGAD) التي مهدت لانفصال جنوب السودان عن شماله.
انخفاض الروح المعنوية
ولفت إلى أن ما حدث من خلخلة وتصفية داخل القوات المسلحة أدى إلى انخفاض الروح المعنوية للعاملين في هذه المؤسسة العريقة، وأنه لا يزال هناك خوف على البلاد لأن القوات المسلحة هي المؤتمنة الحقيقية للثورة ومكتسباته.
وأوضح اللواء ركن معاش محمد علي حامد أن عودة الجيش السوداني إلى سابق عهده المشهود له بالقومية والاحترافية تكون من خلال إعادة هيكلته، وذلك من خلال إعادة المفصولين من الخدمة الذين جرى الاستغناء عنهم في فترة نظام البشير إلى الصالح العام ويبلغ عددهم 16 ألف ضابط و200 ألف ضابط صف وجنود، مؤكداً أن هذه الخطوة تكمن أهميتها في خلق التوازن على أرض الواقع، لا سيما في ظل وجود قوات موازية للجيش لا تنطبق عليها الصفة النظامية مثل قوات الدعم السريع، التي يجب التعامل معها بحذر لكونها قوات غير منضبطة وغير مدربة بفاعلية، في الوقت الذي أصبحت هذه القوات المسيطرة عملياً على المشهد الأمني والسياسي في السودان، إضافة إلى أنها القوة الأكثر تسليحاً.
دورات تدريبية
واقترح استيعابها في القوات المسلحة وفق شروط وقوانين وأدبيات المؤسسة العسكرية على أن يجري انخراطها في دورات تدريبية من أجل تأهيلها وتوزيعها على الوحدات العسكرية المختلفة، بالتالي اندماج أفرادها وسط الكوادر المؤهلة في الجيش ليتعلموا الانضباط، منوهاً إلى أن الأمر في هذه القضية يتطلب التعامل بحكمة وروية لأنها أصبحت كقوات واقع يجب معالجته بعيداً من الحلول الداعية إلى حلها حتى لا تخلق مشكلة تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
وأشار اللواء حامد إلى أنهم كتجمع لقدامى المحاربين السلميين قاموا بإيصال رؤيتهم حول إعادة هيكلة القوات النظامية إلى المجلس العسكري الانتقالي الحالي، التي تتضمن إعادة المفصولين إلى الخدمة العسكرية إلا أنهم لم يجدوا التجاوب التام، لذلك سيواصلون في مشوارهم السلمي حتى يتحقق هدفهم الذي يعتبر صمام أمان لأمن السودان.
طموحات الحكام
أما العميد ركن معاش أحمد الطيب زين العابدين فأوضح أن ما لحق بالأجهزة الأمنية النظامية، خصوصاً الجيش والشرطة، هو مخطط ومؤامرة لا تغفر لما يسمى بالإسلاميين منذ استيلائهم على السلطة عام 1989 بقيادة زعيمهم حسن الترابي، والهدف من ذلك هو تذويب المؤسسة العسكرية النظامية وتهميشها. وقد بدأت هذه العملية بصورة متسارعة جرت خلالها إحالة أعداد كبيرة من الضباط للصالح العام من خلال كشوفات حصلت بعناية تامة وبصورة ممنهجة شملت كل الرتب الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، من دون مراعاة لأي معيار سوى أن يكون معروفاً بانتمائه للحركة الإسلامية أو من المناصرين لها.
وبيّن أن السودان ما كان في حاجة لتجييش شعبه من خلال ميليشيات وكتائب جهادية وما يسمى بقوات الدفاع الشعبي والدعم السريع وذلك اتباعاً لطموحات الحكام الإسلاميين، وهو ما قاد إلى تصفية الجيش وجعله جيشاً عقائدياً لا جيشاً قومياً يستوعب كل أفراد الشعب السوداني بكل انتماءاته ومكوناته وقبائله المختلفة. وأضاف زين العابدين أن النظام السابق أدخل المؤسسة العسكرية في حروب داخلية أهلية معتبراً أن فيها بطولات، متناسياً أنه يقاتل نفسه وأبعد هذه المؤسسة عن مهمتها الأساسية وهي الحفاظ على أمن الوطن ومواطنيه من دون تمييز.
من أعرق الجيوش العربية
ولفت إلى أن الجيش السوداني يعد من أعرق الجيوش العربية وهو نتاج تدريب وتسليح لأكثر من 70 عاماً، بلغ خلالها درجات عالية من الخبرة والكفاءة والاحترافية، بالتالي فهو مؤسسة راسخة، لأنه قام على ميراث اجتماعي جعل منه حائطاً منيعاً لحماية الوطن ومكتسباته، ومؤكداً أن السودان يحتاج لإعادة مكانة مؤسسته العسكرية وإلى تطوير الأكاديميات العسكرية والتكتيكات وإعادة تحديث لمنظمته العسكرية بما يشمل الهيكلة، فضلاً عن إعادة المفصولين من الخدمة العسكرية ضباطاً كانوا أم جنوداً، لأنهم أكثر ولاء ووفاء للوطن ومؤسستهم العسكرية.
ومن المعلوم أن القوات المسلحة السودانية أنشئت عام 1925 وشاركت وحدات منها في الحرب العالمية الثانية، ولها عقيدة قتالية تقوم على أساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ووحدته الوطنية، فضلاً عن نظام انضباط عسكري صارم، ويبلغ سن الخدمة العسكرية 18 عاماً، بينما يضم الجيش السوداني 189 ألف جندي بينهم 105 آلاف جندي في قوات الاحتياط، ويمتلك 191 طائرة حربية و410 دبابات و403 مركبات قتالية مدرعة و20 منصة صواريخ تجعله في المرتبة 69 بين أقوى جيوش العالم والمرتبة الثامنة على مستوى أفريقيا.
وسبق أن خاض هذا الجيش معارك لمدة تزيد على 50 عاماً في الحرب الأهلية في جنوب السودان من أغسطس (آب) عام 1955 حتى عام 2005 التي انتهت بتوقيع اتفاقية نيفاشا للسلام.