واجهت لجنة الحوار الوطني في الجزائر، والتي استقبلها رئيس الدولة المؤقت الخميس 25 يوليو (تموز) 2019 في مقر رئاسة الجمهورية، جمعة عصيبة على وقع هتافات في المسيرة رقم 23، وانتقادات من شخصيات كان يفترض أن تكون ضمن اللجنة. وقد تزيد متاعب الهيئة التي يقودها كريم يونس، بدءاً من يوم الأحد 28 يوليو، لأنها فكرت في "فتح نقاش حول إشراك أحزاب الموالاة سابقاً في الحوار الوطني الشامل".
لم تخفِ فتيحة بن عبو، وهي المرأة الوحيدة في الهيئة السداسية التي ستقود الحوار الوطني، أن اللقاء الأول للجنة هذا الأحد، سيناقش مسألة "عدم إقصاء أي طرف أو تيار في الحوار الوطني"، وكانت بن عبو وهي خبيرة دستورية، تجيب عن السؤال التالي "هل سيكون حواركم حكراً على المعارضة فحسب أم ستُشركون أحزاب الموالاة أيضاً؟".
وكان جواب بن عبو كالآتي "من وجهة نظري الشخصية أرى أن يكون الحوار الشامل اسماً على مُسمّى، فلا يقصي أحداً من أبناء الجزائر مهما كانت إيديولوجية أو التيار الذي ينتمي إليه، حتى يكون حواراً جدياً ذا مخرجات فعالة ومجدية يمكن لها أن تُخرج البلاد من هذه الفترة العصيبة التي تمر بها".
على النقيض، رفض إسماعيل لالماس عضو هيئة الحوار، أي "حوار مع أحزاب السلطة سابقاً"، وكان لالماس قد واجه متظاهرين في المسيرة الـ 23 في العاصمة، اتهموه بـ "خيانة الحراك"، وما قاله وهو يدافع عن موقفه "أرفض إشراك التحالف الرئاسي سابقاً في أي حوار يبني مستقبل الجزائر".
اجتماع لتحديد قائمة "المحاورين"؟
لم تكن الساعات الأولى عقب اللقاء "البروتوكولي" الذي خصّصه بن صالح لهيئة كريم يونس "سالمة" على مسؤولي الحوار، فعلى الرغم من شروحاتهم عبر "إنزال" إعلامي في معظم القنوات الجزائرية، إلا أن مسيرة العاصمة في الجمعة الأخيرة، كانت "قاسية" على "الستة"، بسبب هتافات مناهضة للحوار في الظروف الحالية، أو بسبب سلوكات "معزولة" استهدفت إسماعيل لالماس عضو الهيئة، حينما حاول بضعة متظاهرين "طرده" من المسيرة.
قد يزداد الأمر تعقيداً في حال فتحت اللجنة باب النقاش أمام مشاركة أحزاب التحالف سابقاً، من عدمها، إذ تقول الهيئة إن "لقاء الأحد سيضع خطة عمل ويدرس قائمة أولية بالشخصيات التي يراد الاتصال بها أولاً"، ويُعتقد أن تلك الشخصيات من "الصنف الأول" على أمل ضمها سريعاً لوقف الانتقادات الكثيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحرص اللجنة على استمالة موقف الدبلوماسي السابق أحمد طالب الإبراهيمي ورئيس الحكومة السابق مولود حمروش والرئيس السابق ليامين زروال والمجاهدة جميلة بوحيرد، قبل الانتقال إلى صف آخر من الشخصيات، وقد تكون حزبية ومن المجتمع المدني والمنظمات الجماهيرية النقابية والثورية بخاصة.
يُضاف استمرار حكومة نور الدين بدوي إلى قائمة العوائق التي تطرح أمام اللجنة، فرئيسها كريم يونس لم يخفِ حديثاً جمعه برئيس الدولة عبد القادر بن صالح حول هذا الموضوع، وقال يونس إن "بن صالح طلب مهلة للتفكير في الأمر"، وأبلغني بوجود عوائق دستورية في وجه المشروع"، وربما يقصد غياب صلاحية إقالة الحكومة بصفته رئيساً للدولة وليس رئيساً للجمهورية.
الحزب الحاكم يندد بدعوات إلى إقصائه
فور إعلان الرئاسة الجزائرية عن تشكيلة هيئة الحوار، عقد حزب "جبهة التحرير الوطني"، الذي يحوز غالبية المقاعد البرلمانية والمجالس المحلية، دورة للجنة المركزية. وكان متوقعاً من الدورة تثمين خيار الحوار وتزكية الشخصيات المعلنة على رأسها، لكن الأمين العام محمد جميعي، فاجأ الصحافيين بإشارته إلى رفض الحزب "محاولات إقصائه بحجة أنه الحزب الذي حكم البلاد خلال عهود بوتفليقة الأربعة".
وفي هذا السياق قال محمد جميعي إن "حزب جبهة التحرير الوطني لم يكن يحكم وحده، والتاريخ يشهد على ذلك، إنه مستهدف من أطراف عدة وهو مخطط مدروس يهدف إلى تفكيك حزبنا وقطع علاقته بشعبه".
ولم يكن لجبهة التحرير الوطني صوت يُسمع منذ بداية الحراك الشعبي، غير أن تصريح الأمين العام الذي انتُخب قبل أسابيع فقط، يعطي انطباعاً بأن الحزب استشعر تراجع المطالب المرفوعة ضده في الحراك الشعبي في بداياته، لمّا كان ينادي بـ "حل الحزب أو إحالته على المتحف"، بحكم تزكيته ممارسات نظام بوتفليقة، بل ومنحه شرعية سياسية لخياراته الحكومية كافة أو القانونية على مستوى البرلمان .
عضو يعمق "الجراح"
في سياق متصل، كشف أستاذ الجامعي ناصر جابي، عن تفاصيل الساعات الـ 48 الأخيرة، التي سبقت الإعلان عن لجنة الحوار الوطني، ومسار التواصل الرسمي معه للمشاركة في هيئة الحوار الوطني.
وقال جابي في بيان للرأي العام "تواصلت معي مؤسسات وطنية رسمية لإقناعي بالمشاركة في هيئة الحوار كشخصية وطنية مستقلة وهو ما قبلت به مبدئياً، انطلاقاً من إيماني الراسخ بأنه لا يمكن أن أكون ضد مسار الحوار الوطني بيننا كجزائريين مهما طال الزمن".
وقال الأكاديمي بعد ذكره ناشطين اقترحهم ليكونوا في القائمة "اتفقنا على ترك الأستاذ كريم يونس يقوم بلقائه في رئاسة الجمهورية، بعد أن أخبرنا بموعده هناك الذي كان في الأصل مقرراً يوم الأربعاء 24 يوليو قبل أن يؤجل إلى صباح الخميس 25 يوليو، على أن ننطلق في عملنا بعد الإعلان عن تأسيسنا والقبول بإجراءات التطمين المتفق عليها".
وأضاف جابي "تناقشنا حول بعض محتواه كرفض طلب مستحقات مالية أو القبول بأي امتياز مادي، علماً أنني صاحب هذا الاقتراح الذي كان الهدف منه المصلحة العامة وعدم السقوط في تكرار عيوب التجارب السلبية السابقة التي عودنا عليها النظام في رشوة النخب".
وبحسب المتحدث ذاته، فإن ما حصل في الواقع كان بعيداً من هذا التصور "فقد ضُمّت وجوه إلى الهيئة من دون علمنا وذهب كل أعضائها إلى مقر رئاسة الجمهورية لمقابلة رئيس الدولة يوم الخميس صباحاً، وهو ما كنا قد تحفظنا عليه قبل الإعلان عن تأسيسنا ووضع برنامج عملنا على الأقل في خطواته الأولى، من دون أن يمنعنا هذا من التواصل لاحقاً مع كل مؤسسات الدولة وكل الأطراف التي يمكن أن تساعد الهيئة في عملها".
واعتبر الأستاذ الجامعي أن "تشكيلة الهيئة المُعلن عنها رسمياً تؤشر من وجهة نظري، إلى عدم انفتاح كاف على الوضع الذي تعيشه الجزائر بعد 22 فبراير (شباط) 2019 من قبل صاحب القرار الرسمي الذي لا يزال غير قادر على تجاوز الثقافة السياسية الرسمية القديمة للنظام السياسي، في ممارساته وليس في أقواله فقط".