ملخص
ترك بعض العائدين حياة كاملة في السودان وحملوا معهم ما تيسر من أغراضهم وذكرياتهم
استقبلت بغداد الخميس أكثر من 200 عراقي عادوا ضمن عملية إجلاء جوية آتين من السودان، حيث خبروا على مدى الأيام الماضية تجربة معارك اندلعت بشكل مباغت ذكرتهم بحروب في بلادهم لم يطوِ الزمن آثارها بعد.
ووصل 234 شخصاً إلى مطار بغداد الدولي حاملين معهم ما تيسر من أغراضهم وذكرياتهم: شابة تتمسك بقفص أحمر يحتضن قطتها البيضاء، رجال يجرون حقائب ثقيلة امتلأت بأغراض عائلاتهم، وشابة لا تقوى على حبس دموعها.
كان أحمد البلداوي من ضمن العائدين على متن الطائرتين اللتين أرسلتهما الحكومة العراقية لنقل مواطنيها من مدينة بورتسودان، ضمن عمليات واسعة لإجلاء الرعايا الأجانب من السودان في أعقاب اندلاع المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع قبل زهاء أسبوعين.
"لم نرَ لون الشمس"
ويقول البلداوي الذي بدا الاحمرار في عينيه من التعب "الحرب اندلعت في يوم وليلة. لم نحسب لها أي حساب". ويضيف المهندس البالغ من العمر 30 سنة "لم يكن لدينا أكل أو كهرباء. نحن على مدى 10 أيام لم نرَ لون الشمس".
واندلعت معارك عنيفة في الخرطوم ومدن أخرى اعتباراً من 15 أبريل (نيسان)، بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
وأسفرت المعارك حتى الآن عن مقتل 512 شخصاً في الأقل وجرح الآلاف، بحسب بيان لوزارة الصحة الاتحادية في السودان، ولكن عدد الضحايا قد يكون أكثر من ذلك نتيجة القتال المستمر.
وتسببت المعارك في نقص المواد التموينية والكهرباء والمياه، إضافة إلى صعوبات جمة في توفر الخدمات الصحية.
ترك بعض العائدين حياة كاملة في السودان، مثل روبَي أحمد المقيم مع عائلته هناك منذ 16 عاماً، وغادر مع والديه وشقيقه وشقيقته التي أبت أن تترك قطتها خلفهم.
ويقول "كان الوضع مأسوياً. كنا نبتعد عن النوافذ (بسبب إطلاق الرصاص) وننزل إلى الأرض" بسبب "الخوف".
ويؤكد الشاب البالغ من العمر 24 سنة أنه أتم من فترة وجيزة دراسة طب الأسنان، إلا أن الوقت باغته وحال دون تسلمه شهادته الجامعية.
وكان 16 سورياً من ضمن العائدين إلى بغداد، وفق ما أفادت وزارة الخارجية العراقية في بيان، من دون أن تحدد ما إذا كان هؤلاء سيعودون إلى بلادهم.
"طريق الموت"
ومن أجل اللحاق بالرحلة الجوية من بورتسودان، اضطر غالبية العائدين إلى قطع ما يناهز مسافة ألف كيلومتر من الخرطوم براً إلى المدينة المطلة على البحر الأحمر، في رحلة مضنية استغرقت زهاء 12 ساعة.
ويوضح العائد إبراهيم جمعة "الحكومة العراقية لم تقصر معنا، ووفروا باصات... الطريق متعب جداً يسمونه طريق الموت، لكنني لم أتخيل أنه سيكون طريقاً للموت إلى هذا الحد".
ويوضح الرجل الثلاثيني، وهو متزوج وله طفلة "كان الباص يتمايل يمنة ويسرة، واعتقدنا أنه سينقلب"، إلا أن ذلك كان أخف وطأة من البقاء تحت نير المعارك في العاصمة السودانية "حيث كنا آخر من ترك المبنى الذي نقيم فيه. المبنى أصبح مهجوراً حالياً، والبيوت في صفه كلها مهجورة أيضاً".
وتسببت المعارك في عمليات نزوح واسعة من الخرطوم التي يقطنها زهاء خمسة ملايين نسمة، خصوصاً في ظل نقص المواد الغذائية واستمرار القتال حتى في ظل الهدنة المعلنة منذ منتصف ليل الإثنين الثلاثاء لمدة 72 ساعة.
ويقول جمعة "المواد الغذائية بدأت تشح، (رفوف) السوبرماركت بدأت تفرغ. الكهرباء تنقطع، الإنترنت تنقطع".
وعلى رغم أن العراقيين خبروا مراراً الحروب والنزاعات، يؤكد جمعة أن المعارك أخذت الجميع على حين غرة.
ويقول عن بداية القتال "أفقنا صباحاً على صوت طلقات خفيفة. اعتدنا على حصول هذا الأمر، لكن فجأة بتنا نسمع أصوات قاذفات صواريخ وطائرات حربية". ويتابع "أول يوم لم نصدق (...) قلنا الآن ستهدأ الأمور".