Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثيقة سرية تكشف تفاصيل أزمة دبلوماسية "قديمة" بين بغداد ولندن

العراق اتهم بريطانيا بتعمد إحراج موظفيه على العلن لترد: لا ينبغي تسييس أعمال الشرطة

إجراءات أمنية مشددة أمام السفارة البريطانية في بغداد (غيتي)

ملخص

الداخلية البريطانية تلقت بلاغاً من أحد منتسبي جهاز الشرطة بأن أحد أعضاء السفارة العراقية شوهد وهو يحمل مسدسا

كشفت وثائق سرية تعود إلى منتصف عام 1988 عن أزمة دبلوماسية بين بغداد ولندن بسبب بلاغ سري من الشرطة النرويجية في تلك الفترة.

الملف السري حمل عنوان "أسلحة نارية في السفارة العراقية"، وتعود أحداثه إلى منتصف عام 1988، وهي الفترة التي تزايدت خلالها نشاطات المعارضة العراقية في الخارج، بعد أن أصيبت بالإحباط نتيجة هزائم وتراجع القوات الإيرانية المتغلغلة في الأراضي العراقية خلال الحرب الدامية التي دارت بين البلدين (1980-1988)، إذ علقت المعارضة آمالها على هذه الحرب لإسقاط نظام صدام حسين.

يحتوي الملف على مراسلات سرية تتحدث عن حادثة اعتراض الملحق العسكري العراقي العميد عبدالقادر خميس ومرافقه من قبل الشرطة البريطانية في نهاية مايو (أيار) 1988، الأمر الذي اعتبرته السفارة العراقية حينها مدبراً يراد منه الإساءة للدبلوماسي العراقي وكسر هيبته على الملأ، إذ إنه كان برفقة شخصين نرويجيين في أحد مطاعم لندن.

تشير إحدى الوثائق السرية، وهي ملخص تقرير عن شكوى عراقية ضد سلوك الشرطة البريطانية قدمها السفير العراقي محمد المشاط وزميله الزهاوي في الثالث من يونيو (حزيران) 1988 خلال اجتماعه مع مسؤولين من وزارة الخارجية البريطانية، إلى أن الزهاوي اتهم الشرطة البريطانية بالازدواجية في التعامل والتآمر على الدبلوماسيين العراقيين، بينما طالب المسؤول البريطاني العراقيين بالتخلي عن نظرية المؤامرة، وعدم تسييس العمليات التي ينفذها جهاز الشرطة البريطانية.

تهديد مبطن لمسؤول بريطاني

ذكر التقرير أن الزهاوي وجه تهديداً مبطناً للمسؤول البريطاني في ختام الاجتماع بقوله إنه "لا يريد أن يضطر إلى الرد بالمثل من خلال مضايقة موظفي السفارة البريطانية في بغداد"، وجاء الرد من قبل المسؤول البريطاني قوياً فحذره من "مجرد التفكير بمثل هذه الإجراءات".

وتتحدث وثيقة أخرى عن أن الخارجية البريطانية كانت أخبرت سفارتها في بغداد عن نيتها اعتراض دبلوماسيين عراقيين ونرويجيين في لندن، وجاء فيها "احتجاز الدبلوماسي العراقي/ نحيطكم علماً أنه بناء على طلب من الشرطة النرويجية الخاصة، هناك خطة لاعتراض مواطنين نرويجيين وعضو بالسفارة العراقية في لندن، وذلك عند لقائهم الساعة السابعة من هذا المساء. سيتم الإفراج عن العراقي على الفور بعد ثبوت أدلة على استحقاقه للحصانة الدبلوماسية، فمن المفيد أن تكونوا على دراية بذلك تحسباً لحدوث أي رد فعل محلي".

 

 

من جانب آخر، يبدو أن السفارة العراقية بعد التشاور مع مرجعيتها في بغداد رفعت في الثامن من يونيو 1988 رسالة احتجاجية إلى وزارة الخارجية البريطانية ضد سلوك الشرطة وتعاملها الذي اعتبرته مشيناً ومخالفاً للأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية.

إحراج متعمد

جاء في رسالة بغداد "تهدي سفارة جمهورية العراق تحياتها إلى وزارة الخارجية والكومنولث وتتشرف بإبلاغهم بأنه تم اعتراض الملحق العسكري العراقي في دائرة الدفاع المدني العراقي العميد عبدالقادر خميس الإثنين في الـ30 من مايو (أيار) في تمام الساعة 11:45 مساء في الشارع، وذلك بعد مغادرة مطعم بمنطقة مايفير من قبل مجموعة من الشرطة السرية يبلغ عدد عناصرها نحو 20 شرطياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضحت الرسالة "استوقف أحد مرافقي الملحق، وهو السيد قاسم الدوري في المطعم واستجوبوه عما إذا كان مسلحاً بمسدس أو لا، وعندما نفى فتشوه ذاتياً أمام الزبائن بطريقة غير لائقة، وفي الوقت نفسه تم نقل ضيفين أجنبيين كانا مع العميد في المطعم إلى فندقهما واستجوبا عن علاقاتهما بالملحق العسكري، يبدو أن الهدف من هذا الإجراء كان لإحراج الملحق العسكري أمام ضيوفه، والقيام بذلك علناً، وهو أمر غير مقبول".

وتضيف الرسالة "في وقت تحتج السفارة بشدة على هذا العمل، فإنها تعتبره حلقة من سلسلة أحداث واستهدافات تعرضت لها السفارة العراقية أخيراً، على سبيل المثال، تشجيع عناصر المعارضة من خلال تراخي تعامل الشرطة معهم وترددها في حماية السفارة، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك ما حدث في يوم عيد الجيش الوطني، حيث أقيم حفل للجالية العراقية في الـ16 من أبريل (نيسان) 1988. وتعرض عدد من ضيوف السفارة للاعتداء الجسدي واللفظي من قبل عناصر المعارضة أمام قوات الشرطة التي لم تتخذ أي إجراء وبدت وكأنها غير مبالية بهذا العمل العدواني. وقد أرسلت رسائل دقيقة إلى وزارة الخارجية في شأن هذه القضايا".

وقالت الرسالة "تأمل سفارة جمهورية العراق في أن تحافظ السلطات البريطانية المتخصصة على العلاقات الجيدة القائمة بين بلدينا وتعزيزها بعد أن تكون قد حققت في هذا الأمر وأبلغت السفارة بالنتائج، وتغتنم السفارة هذه الفرصة لتجديد فائق تقديرها".

تفاصيل الحادثة

حول خلفية الحادثة، تذكر الوثائق أن وزارة الداخلية البريطانية كانت تلقت بلاغاً من أحد منتسبي جهاز الشرطة قبل عام من هذه الواقعة، جاء فيه أن أحد أعضاء السفارة العراقية شوهد وهو يحمل مسدساً، وعلى أثر هذا البلاغ استدعي السفير العراقي إلى مبنى وزارة الخارجية البريطانية حينها.

ويذكر البلاغ أن الشخص المعني هو دبلوماسي معتمد اسمه جاسم حمود علي، ويبدو أنه مرافق للملحق العسكري العراقي العميد عبدالقادر خميس.

وكانت الشرطة البريطانية تلقت معلومات سرية من الشرطة النرويجية تشير إلى دخول اثنين من مواطنيها النرويجيين في أعمال تخريبية وتآمرية تستهدف مصالح بريطانيا والنرويج.

كما تحمل إحدى الوثائق البريطانية المرسلة من لندن إلى السفارة البريطانية في بغداد ملخص محادثات أجريت في التاسع من يونيو 1988 بين السيد إيغار من وزارة الخارجية البريطانية والسفير العراقي محمد المشاط وزميله الزهاوي، وذلك لمعالجة الأزمة التي خلفتها معلومات سرية أرسلت من قبل الشرطة النرويجية، أحرجت فيها الحكومة البريطانية.

 

 

تشير الوثيقة إلى أن "المشاط قال إنه حقق بدقة في الادعاء بأن أحد موظفيه كان يحمل سلاحاً نارياً وتوصل إلى أن الادعاء لا أساس له من الصحة، واعتبره تلفيقاً من قبل الشرطة البريطانية. شكر السيد إيغار السفير على التحقيق في هذه المسألة، وأكد مجدداً موقف الحكومة البريطانية الصارم في شأن حمل الأسلحة النارية، داحضاً الإيحاء بأن الرواية كانت ملفقة".

وحول عملية اعتراض الملحق العسكري العراقي والإساءة له ولزميله ولضيوفه من قبل الشرطة البريطانية، تضيف الوثيقة، "أشار السفير إلى الأحداث التي وقعت الإثنين في الـ 30 من مايو، عندما أوقفت الشرطة ملحقه العسكري وأحد موظفيه أثناء مغادرتهم مطعماً مع اثنين من المواطنين الإسكندنافيين. وقال إنه لا يجادل في حق الشرطة في استجواب المواطنين الأجانب أو القبض عليهم، ولا في أن يطلبوا من الملحق تحديد هويتهم. وأضاف أنه تم تفتيش أحد موظفيه، لكنه لم يعترض على ذلك أيضاً. وشكواه هي أن الطريقة التي تصرفت بها الشرطة كانت متعمدة ومقصودة وهدفها الإساءة للملحق العسكري. وكان بإمكان الشرطة القبض على المواطنين الإسكندنافيين بهدوء في وقت لاحق وإجراء تحقيق معهما".

 

 

وتابعت الوثيقة، "أجاب السيد إيغار أن لديه بالفعل تقريراً كاملاً عما حدث. على أساس هذا، لم يكن هناك سبب للاعتقاد بأن الشرطة البريطانية تصرفت بشكل غير لائق بأي شكل من الأشكال. ونفى أن يكون قد تم تفتيش أي عضو من أفراد السفارة العراقية، على رغم أن أحدهم تطوع للشرطة (بطريقة مازحة على ما يبدو) بأنه لم يكن مسلحاً. وأشار إلى أنه من المستحسن ألا يختلط الملحق العسكري بأفراد مشبوهين لدى الشرطة".

تبرير الجانبين

وأصر المشاط في هذا اللقاء على أن موظفيه لم يرتكبوا أي خطأ، مكرراً رغبته في تحسين العلاقات الثنائية، وطلب من بغداد عدم اتخاذ إجراء متبادل، وبالفعل اقتصر الأمر على استدعاء السفير البريطاني، مشيرا إلى أنه سيواصل الحث على ضبط النفس، لكنه يشك بما إذا كانت بغداد ستستجيب لآرائه في المستقبل.

من جهته، قال إيغار إن "الشرطة البريطانية كانت تتصرف بناء على معلومات تلقتها من النرويجيين، كانت مسألة أمنية بالكامل، والعمل المتبادل لن يكون له ما يبرره على الإطلاق، لا ينبغي تسييس أعمال الشرطة".

يذكر أن المشاط يعد من أوائل المنشقين عن الجهاز الدبلوماسي العراقي، إذ استدعته الحكومة للمجيء إلى بغداد للتشاور في الـ 15 من يناير (كانون الثاني) 1991، أي قبل غزو الكويت بيومين فقط، لكنه امتنع وقدم طلباً لإحالته إلى التقاعد، ومن ثم انتقل إلى كندا وطلب اللجوء فيها.

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق