ملخص
زيارة وفد عربي- إسرائيلي إلى سوريا في فبراير عام 1994 للتعزية بوفاة باسل الأسد حملت طابعاً إنسانياً، لكنها أثارت تكهنات حول احتمالية وجود رسائل سياسية غير معلنة وسط جهود السلام المتعثرة في المنطقة.
بعد انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لتحرير الكويت عام 1991، شهدت علاقاتها الخارجية مرحلة جديدة تمثلت في تعزيز روابطها مع الدول العربية والمجتمع الدولي. وتزامن ذلك مع انطلاق عملية السلام بين العرب وإسرائيل، فبرزت قضية الجولان المحتل الذي استولت عليه إسرائيل عام 1967، كأحد أبرز الملفات، واعتبر الجولان أرضاً سورية محتلة، مما أكسب دمشق دعماً قانونياً وسياسياً في المفاوضات. وفي ظل مخاوفها من تصعيد جديد بعد حرب الخليج الثانية، قدم السفير البريطاني لدى دمشق مسودة مشروع إنشاء قوة دولية في الجولان لضمان تسوية سلمية بين سوريا وإسرائيل وحماية الاستقرار الإقليمي.
مقاربات متعددة للتسوية السورية-الإسرائيلية ومقترح بريطاني لبدائل مراقبة الحدود في الجولان
تستعرض وثيقة سرية مرسلة من قبل السفير البريطاني لدى دمشق في الثامن من فبراير (شباط) عام 1994 فرص نشر قوة دولية في الجولان لضمان السلام بين سوريا وإسرائيل، مع أربعة خيارات تراوح ما بين قوة عسكرية كبيرة ومراقبة صغيرة. وتناولت الجوانب العسكرية والسياسية والمالية، وأشارت إلى محادثات مع أطراف دولية وتعقيدات سياسية مرتبطة بالنزاع، وجاء في الوثيقة ما نصه:
"قوة دولية في الجولان، كنا نناقش داخلياً وبصورة مبدئية جداً السبل الممكنة التي قد تساعد قوة دولية في ضمان تسوية سلمية بين سوريا وإسرائيل، وننطلق من الافتراض أن المطلوب هو طمأنة إسرائيل بأن خطر هجوم مفاجئ من سوريا تم تقليله إلى الحد الأدنى، كما نفترض أن الولايات المتحدة ستتحمل العبء الرئيس من الناحية السياسية والمالية والاستراتيجية"، ويبدو أن هناك أربعة خيارات عامة:
(أ) قوة عسكرية كبيرة
تكلَّف هذه القوة صد أي هجوم سوري لمدة 24 ساعة في الأقل، مما يمنح إسرائيل وقتاً إضافياً للتحرك سياسياً وعسكرياً. وأرفق ورقة من إعداد الملحق الدفاعي السابق الكولونيل دوماس توضح ما يتطلبه الأمر باختصار، سيحتاج ذلك إلى ثلاثة أو أربعة آلاف رجل وكمية كبيرة من المعدات، وموازنة ضخمة.
(ب) قوة عسكرية رمزية
تتولى هذه القوة مراقبة منطقة صغيرة من الجولان (والدفاع عنها)، مما يضطر أي قوة مهاجمة إلى تجاوزها أو تدميرها، بالتالي إشراك الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً. وأصغر قوة ذاتية الاستدامة ستكون بحجم كتيبة من ألف رجل، وسيكون هذا خياراً أرخص، لكنه يترك الوحدة مكشوفة أمام أخطار عالية، مما يجعلها غير مستساغة عسكرياً.
(ج) قوة مراقبة
تتولى تنظيم دوريات خفيفة على الحدود والتحقق من احترام المناطق المنزوعة السلاح من كلا الطرفين، ويفترض أن تكون مراقبة الحدود مسؤولية الحكومات المعنية. وهذه المهمة يمكن تنفيذها من خلال نسخة مصغرة من قوة مراقبي الأمم المتحدة الحالية (UNDOF) التي تضم 1300 شخص.
(د) مجموعة مراقبة
تقتصر مهمتها على ضمان احترام المناطق المنزوعة السلاح، وقد تشمل أيضاً مهمات المراقبة المذكورة في الخيار (ج)، وستكون هذه القوة أصغر بكثير، على غرار قوة مراقبي الأمم المتحدة (UNTSO) التي تضم 88 ضابطاً.
ناقشت هذا الأمر مع زميل أميركي أوضح أن التفكير المبدئي للإدارة الأميركية الحالية يعتمد على افتراض أن السلام الحقيقي بين سوريا وإسرائيل يمكن تحقيقه، بالتالي، الخيار (أ) ليس قيد النظر. وأضاف أن الإدارة السابقة لم تقدم رداً على مقترحات نشر قوات في الجولان، ولم تكُن هناك محادثات مع السوريين حول نطاق هذه القوات.
أفهم أن هناك بعض الشكوك في تل أبيب حول الحاجة إلى قوة عسكرية كبيرة، خوفاً من أنها قد تعوق قدرة إسرائيل على توجيه ضربات استباقية إذا لزم الأمر.
والخيار (ب) يبدو أقل وزناً، لكن هناك شكوكاً عسكرية وسياسية حوله، فقد تعتبر مثل هذه القوة هدفاً سهلاً للهجمات الإرهابية.
يبدو لي أن خياراً بين (ج) و(د) هو الأقرب للتنفيذ، وسيكون ملفه السياسي أقل وضوحاً، مما يجعله أقل جذباً كهدف إرهابي. ولتحقيق القبول في سوريا، يجب أن يكون بعيداً من الطابع الأميركي، ويفضل أن يكون تحت إشراف الأمم المتحدة بمشاركة دولية. كما ترى هذه مجرد أفكار مبدئية جداً، وأترك لك القرار في شأن ما إذا كان ينبغي نسخها لمناقشتها في دوائر عليا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
زيارة وفد عربي -إسرائيلي إلى سوريا تعزية إنسانية أم مبادرة للتواصل السياسي؟
حملت زيارة وفد عربي- إسرائيلي إلى سوريا في فبراير عام 1994 للتعزية بوفاة باسل الأسد طابعاً إنسانياً، لكنها أثارت تكهنات حول احتمالية وجود رسائل سياسية غير معلنة وسط جهود السلام المتعثرة في المنطقة.
أكد زعيم "الحزب الديمقراطي العربي" (ADP) عبدالوهاب دراوشة في الـ23 من فبراير أن وفده سيزور سوريا في الـ28 من فبراير عبر القاهرة، وسيسافرون من دون استخدام جوازات سفرهم الإسرائيلية، بل سيتم تزويدهم بوثائق سفر خاصة من قبل المصريين في القاهرة. وأوضح أن هدف الزيارة تقديم التعازي إلى الرئيس الأسد وعائلته والشعب السوري، وأنه لن يتم حمل أي رسائل سياسية من الحكومة الإسرائيلية، وتشير التقارير الإذاعية الأخيرة إلى أن عدد أعضاء الوفد قد يصل الآن إلى 50 شخصاً.
وأوضح المستشار السياسي لعبدالوهاب دراوشة، ابن شقيقه محمد دراوشة في الـ23 من فبراير، أن الوفد سينقل معه رسائل تعزية إلى الرئيس الأسد من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين وشيمون بيريز وحاييم وايزمان، ولكن فقط إذا كانت الأجواء مناسبة، وأرادوا تجنب إعطاء الانطباع بأنهم يعملون كمبعوثين للحكومة الإسرائيلية، وأضاف أن "الحزب الديمقراطي العربي" يأمل في ترتيب زيارات أخرى في المستقبل.
في غضون ذلك، ذكرت الصحافة المحلية أن أحمد الطيبي، المستشار الخاص لياسر عرفات، رفض طلباً من أعضاء عرب ودروز في حزب "الليكود" لزيارة تونس للاجتماع مع قيادة "منظمة التحرير" الفلسطينية، ونقلت الصحافة عن مصادر مجهولة قريبة من الطيبي قولها إن القيادة الفلسطينية لا ترى ضرورة للقاء أعضاء عرب من حزب "الليكود" في هذه المرحلة، ومع ذلك، إذا طلب قادة "الليكود" أنفسهم زيارة تونس، فسيتم النظر في طلبهم بعناية شديدة.
ولا يعتبر الإسرائيليون قرار الأسد استقبال وفد دراوشة في هذا الشكل المحدود خطوة ذات دلالة كبيرة لحسن النوايا. وإذا سارت الزيارة بصورة جيدة، فمن المحتمل أن "الحزب الديمقراطي العربي" يمكنه ترتيب زيارات أخرى بمضمون سياسي أكبر، ومع ذلك لا يزال الإسرائيليون يرون أن المحادثات المباشرة وعالية المستوى هي الشرط الأساسي للتقدم.
ويبدو أن طلب عضوية "الليكود" من العرب والدروز لزيارة تونس مثال آخر على نقص التماسك الحالي داخل الحزب. يُذكر أن "الليكود" منع وفداً من أعضائه اليهود من زيارة تونس في نوفمبر الماضي.
مشاركة الملك فهد في القمة الثلاثية بالإسكندرية
تستعرض البرقية رقم 534 المرسلة من قبل السفير البريطاني لدى الرياض تفاصيل عقد القمة الثلاثية بين سوريا ومصر والسعودية في الإسكندرية في الـ29 من ديسمبر عام 1994 التي كانت تهدف إلى تعزيز التنسيق العربي في مواجهة التحديات المرتبطة بعملية السلام.
واعتبرت إسرائيل أن هذه القمة قد تزيد من تصلب الموقف السوري تجاه المفاوضات، بخاصة في ظل الدعم العربي المتزايد للرئيس الأسد.
وفي إطار التحديات الإقليمية والتطورات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية مطلع التسعينيات، جاءت القمة الثلاثية لتجمع بين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود والرئيس المصري حسني مبارك والرئيس السوري حافظ الأسد، ومثلت هذه القمة محطة بارزة في تاريخ العلاقات العربية، إذ حملت في طياتها أبعاداً سياسية مهمة وأسهمت في إعادة رسم المشهد السياسي العربي بما يخدم القضايا المشتركة للدول الثلاث، بخاصة في ظل تدخلات القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.
واتسمت هذه القمة بأهمية كبيرة، لا سيما بالنسبة إلى الملك فهد الذي سعى من خلالها إلى تحقيق أهداف سياسية واستراتيجية عدة، أبرزها:
مثّلت القمة فرصة للملك فهد لإثبات قدرته على العودة للمشهد الدولي والمشاركة في الفعاليات السياسية الكبرى، بعد فترة انقطاع عن السفر بسبب ظروف صحية، كما أعادت القمة تسليط الضوء على الدور المحوري للسعودية في القضايا الإقليمية والدولية.
وحملت مشاركة الملك فهد رسالة واضحة إلى العالم بأن المملكة تتبنى نهجاً مستقلاً في ما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، بعيداً من الضغوط الإسرائيلية أو الأميركية، وعكس هذا الموقف التزام المملكة الوقوف إلى جانب القضايا العربية، مستندة إلى قرارات مجلس الأمن الدولي، بدلاً من التشريعات الإسرائيلية التي تتعارض مع القانون الدولي.
وأعادت القمة إحياء العلاقات الثلاثية بين الرياض والقاهرة ودمشق، وهي العلاقات التي شهدت ذروتها خلال حرب الخليج الثانية. ومثلت هذه الخطوة محاولة لإعادة بناء زخم سياسي عربي يهدف إلى تحقيق تنسيق أكبر بين الدول الثلاث في مواجهة التحديات الإقليمية، بخاصة تلك المتعلقة بالصراع العربي-الإسرائيلي.
وبالنسبة إلى الرئيسين حسني مبارك وحافظ الأسد، حملت القمة مكاسب سياسية لا تقل أهمية، إذ عززت القمة من مكانة مصر كقوة إقليمية قادرة على استضافة قمم محورية تجمع زعماء الدول العربية، مما يدعم دورها القيادي في المنطقة.
كذلك استفاد الأسد من هذا التضامن العربي الذي عزز موقف سوريا في مواجهة الضغوط الإسرائيلية خلال مفاوضات السلام، وساعدت القمة في التأكيد على أن سوريا لن تترك بمفردها في هذه المرحلة الحساسة.
وكانت لهذه القمة أصداء واسعة في إسرائيل التي رأت فيها مؤشراً على تضامن عربي نادر الحدوث، مما أثار مخاوفها، خصوصاً أن القمة أظهرت بوضوح أن السعودية لن تتخذ خطوات منفصلة في عملية السلام، بل تدعم سوريا على أساس قرارات الأمم المتحدة، ومثّل هذا الموقف ضربة للنهج الإسرائيلي الذي يسعى إلى فرض حلوله من خلال تشريعات داخلية لا تتوافق مع قرارات الشرعية الدولية.
وجاءت القمة الثلاثية كرسالة سياسية إلى العالم بأن الدول العربية الكبرى، وعلى رأسها السعودية، تمتلك الإرادة السياسية لتعزيز العمل العربي المشترك، بعيداً من التدخلات الخارجية. وأكدت المملكة، من خلال هذه القمة، أنها تقف بقوة خلف سوريا في مواجهة الضغوط، وأنها لا تزال داعمة لعملية السلام وفق أسس عادلة وشاملة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني.
ومثّلت القمة الثلاثية في الإسكندرية خطوة بارزة في مسيرة العلاقات العربية خلال تلك الفترة، فنجحت في إعادة تفعيل التعاون الثلاثي بين السعودية ومصر وسوريا، وعززت من استقلالية الموقف السعودي تجاه قضايا السلام. كما أكدت القمة أهمية التضامن العربي في مواجهة التحديات المشتركة، مما جعلها محطة تاريخية مهمة ذات أبعاد سياسية واستراتيجية لا تزال تلقي بظلالها على المنطقة حتى اليوم.