ملخص
في خطاب تاريخي ألقاه عام 2015، تحدث الرئيس الإسرائيلي آنذاك رؤوفين ريفلين عن أربع "عشائر" قال إن المجتمع الإسرائيلي يتكون منها، لكنها لا تختلط فعلاً، فكيف نرى المشهد الآن؟
نشأت إفرات بيترس في قرية يرؤون التعاونية الزراعية التي تجسد جزئياً مع غيرها من هذه القرى المسماة "كيبوتس"، التحولات الجذرية التي شهدتها إسرائيل منذ قيامها قبل 75 عاماً، وصولاً إلى مواجهة تحدي الانقسامات، اليوم.
وتعكس يرؤون، الواقعة في شمال إسرائيل على بعد كيلومترات عدة من الحدود اللبنانية، عبور المجتمع من اشتراكية مثالية أرادها المؤسسون إلى ليبرالية أكثر تنوعاً.
وتستذكر بيترس (69 سنة) "أسلوب الحياة الجماعي" مع باقي الأطفال في ما يشبه مدرسة داخلية.
على أنقاض صلحة
تأسس كيبوتس يرؤون عام 1949 على أنقاض قرية صلحة الفلسطينية التي دمرت خلال حرب عام 1948 عندما هزمت خمس دول عربية هاجمت إسرائيل بعد ساعات على إعلان قيامها.
وكان اليهود الذين يقطنون التجمعات الزراعية يمثلون 7.5 في المئة من اليهود في إسرائيل، لكن هذه النسبة تراجعت اليوم إلى أقل من اثنين في المئة، وفقاً لعالم الاجتماع يوفال أشوش من الكلية الأكاديمية في الجليل الغربي، الذي يضيف أن الكيبوتسات "لعبت دوراً أساسياً في بناء البلاد".
وتقول بيترس إن الصغار كانوا "يلتقون بذويهم بعد الظهر قبل أن يعودوا إلى منازل الأطفال"، حيث ينامون في الكيبوتس. وتضيف "كنا تسعة أطفال نبقى طوال الوقت معاً كعائلة".
لكن طرأت على المجتمع الزراعي تحولات عدة تعزى إلى الأزمة الاقتصادية التي شهدتها الثمانينيات وانهيار الاتحاد السوفياتي، فلم تعد المجتمعات الزراعية مرغوبة لدى الناس.
تحولات الحظيرة القديمة
في يرؤون تحول موقع الحظيرة القديمة إلى مقر لنشاط تجاري في مجال التكنولوجيا الزراعية. أما المنازل المتواضعة فحلت محلها بيوت فاخرة ومستقلة تفصل بينها الأسوار.
ويوضح أشوش أن القيم الفردية أصبحت أكثر بروزاً مع التركيز على وحدة الأسرة، وهذا جعل معظم المجتمعات الزراعية مطلع القرن تأخذ منعطفاً ليبرالياً.
منذ قيامها عام 1948، تضاعف عدد سكان إسرائيل 12 مرة، وصولاً إلى 9.7 مليون نسمة، وفقاً للجهاز المركزي الإسرائيلي للإحصاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوزع هذا الرقم على النحو التالي: 7.1 مليون يهود (أي 73.5 في المئة)، ومليونا عربي (21 في المئة)، وما تبقى مهاجرون غير يهود غالباً، على ما تشير إليه البيانات الرسمية.
ويعزى النمو السكاني السريع في الدولة العبرية بشكل كبير إلى هجرة اليهود من دول مختلفة نحو إسرائيل، وخصوصاً من الاتحاد السوفياتي السابق، والتي نشطت في أوائل التسعينيات.
وإلى جانب الهجرة والنمو السكاني، أسهمت سياسة الخدمة العسكرية الإلزامية في إسرائيل ببناء الهوية الوطنية.
وتعفى شريحة واسعة من المواطنين من الخدمة العسكرية، مثل الأقلية العربية ومعظم اليهود المتدينين الذين يمثلون 12 في المئة من السكان.
وفي خطاب تاريخي ألقاه عام 2015، تحدث الرئيس الإسرائيلي آنذاك رؤوفين ريفلين عن أربع "عشائر" قال إن المجتمع الإسرائيلي يتكون منها، لكنها لا تختلط فعلاً.
وسمى رئيس الدولة المجموعات الأربع، وهي علمانية، وقومية دينية، ومتشددة، إضافة إلى العرب.
وأعرب ريفلين عن أسفه لكون هذه المجموعات لا تعيش جنباً إلى جنب، وأولادها لا يرتادون المدارس نفسها، وأفرادها حتى لا يقرأون الصحف ذاتها.
ورأى ريفلين أن لهذه الجماعات المتباينة "رؤى مختلفة" لما يجب أن تكون عليه دولة إسرائيل، بينما "الجهل المتبادل وغياب لغة مشتركة يزيدان من التوتر والخوف والعداء والتنافس" بينها.
منقسم عرقياً للغاية
بالنسبة إلى أستاذة علم الاجتماع سيلفان بول، فإن المجتمع الإسرائيلي الذي تخصصت في دراسته، "منقسم عرقياً للغاية وحتى على مستوى الطبقات الاجتماعية".
ويعيش اليوم في إسرائيل يهود أشكيناز (أصولهم من أوروبا الغربية)، وسفارديم (يتحدرون من إسبانيا والبرتغال)، ومهاجرون جدد، والسبرا (المولودون في إسرائيل)، وأقلية عربية تضم مسيحيين ومسلمين ودروزاً.
وترى بول أن المجتمع الأشكينازي الذي كان ضمن الحركة الصهيونية التي سبقت تأسيس الدولة "تولى على مدى سنوات الإدارة السياسية والقضائية والاقتصادية" للبلاد.
وتشير أيضاً إلى تعرض اليهود الذين هاجروا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من العراق واليمن والمغرب، والمعروفين في العبرية بـ"المزراحيم" أو الشرقيين، "لإهمال من الدولة إلى حد كبير".
وتضيف "ما تغير خلال 75 عاماً يكمن في أن النخبة الأشكينازية هرمت ولم تعد تمثل الناخبين، ولم يعد اليهود الشرقيون الذين يسعون إلى تحسين مستواهم الاجتماعي يشعرون أنها تتمتع بالشرعية التمثيلية".
وهيمن حزب "العمل" على المشهد السياسي في إسرائيل ما بين عامي 1948 و1977، العام الذي حقق فيه اليمين أول انتصاراته.
واستمر تصاعد اليمين إلى أن سيطر على المشهد السياسي، وصولاً إلى الانتخابات الأخيرة، العام الماضي، عندما تجاوز حزب "العمل" فيها نسبة الحسم (النسبة التي تتيح له المشاركة في الانتخابات) بشق الأنفس.
ويتوقف أشوش عند "التحول في الرأي العام نحو اليمين" في السنوات الأخيرة. ويوضح أن الهوية السياسية للشباب الإسرائيلي تشكلت من خلال "اختراق اليمين الديني لوزارة التربية والتعليم على مدى عقود". وكذلك بسبب فشل عملية السلام مع الفلسطينيين، والهجمات التي شنها فلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية.
حنين إلى الاشتراكية
هذا العام، انقسم الإسرائيليون بشدة حول حزمة الإصلاح القضائي التي قدمتها الحكومة الأخيرة برئاسة بنيامين نتنياهو، إحدى الحكومات الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
وترى الحكومة التي يقودها زعيم حزب الليكود أن الإصلاح ضروري لإعادة التوازن بين السلطات، بينما يخشى معارضو الإصلاح أن يؤدي إقراره إلى تقويض الديمقراطية. واحتجاجاً على تلك الإصلاحات، تنظم منذ أسابيع تظاهرات رافضة وحاشدة أسبوعياً.
وترى بول أن الأزمة المحيطة بالإصلاح القضائي تعكس حال التشرذم الاجتماعي في البلاد، لكن التظاهرات الجماهيرية تمثل في الوقت ذاته "مواجهة للتشرذم الشديد في المجتمع الإسرائيلي".
وتضيف أن هذه التعبئة "تدل على أن الإسرائيليين بشكل عام ما زالوا متمسكين بقيم الديمقراطية والعدالة والأخلاق والمساواة"، و"أنهم يعبرون عن حنين إلى حد ما إلى الجذور الاشتراكية لإسرائيل".
في خضم التظاهرات، بقيت الأقلية العربية في إسرائيل على الهامش.
وتقول بول "بالنسبة إليهم، كانت الديمقراطية دائماً منقوصة" في إسرائيل. وتضيف أن بعض القوانين "أضعفت فكرة الديمقراطية والمساواة بين المواطنين"، في إشارة إلى قانون القومية الصادر عام 2018، والذي أكد يهودية إسرائيل.
بالنسبة إلى المؤرخ ورئيس مركز أبحاث الفكر الإسرائيلي في تل أبيب أفنر بن زاكين، فإن "وجود هذه المجموعات المتباينة ليس المشكلة، بل المشكلة تكمن في هيكل الدولة ذاته". ويعتبر أن نظام التمثيل النسبي في الانتخابات هو الذي يفسح المجال أمام المحسوبية والتنافس بين فئات المجتمع المختلفة التي "يكره" بعضها بعضاً.
ويتابع "لا نعرف ما هي الدولة" من دون دستور.
ويعتقد المؤرخ أن صياغة مثل هذا النص التأسيسي أمر حتمي من أجل "تحديد هوية دولة على أنها إسرائيلية"، لا يهودية وديمقراطية فقط، لأن الهوية الإسرائيلية "هي النقطة المشتركة" بين كل تلك المجموعات.