قابل الشارع السوداني بمختلف قطاعاته ومكوناته السياسية إعلان نتائج لجنة التحقيق وتوصياتها، التي كوّنها النائب العام للبت في أحداث فض اعتصام القيادة العامة التي راح ضحيتها أكثر من مئة معتصم، فضلاً عن الجرحى والمفقودين في 3 يونيو (حزيران) الماضي، بالرفض والاستهجان والتظاهرات في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم لكونها جاءت مخيبة لآماله.
وشكك محامون وسياسيون سودانيون تحدثت إليهم "اندبندنت عربية" في حيادية اللجنة واستقلاليتها التي سعت فقط إلى تبرئة المجلس العسكري من تهمة فض الاعتصام، متناسية أن مهمتها الأساسية القيام بتقصي الحقائق، مطالبين بتشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة لحسم هذا الملف.
توقيت سيّء
المحامي مهدي بخيت أعاب على التقرير أنه صدر في توقيت سيّء، وكأن المقصود منه إحداث ارتباك في المشهد السياسي، خصوصاً أن الإعلان السياسي تضمن تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في أحداث فض الاعتصام، مما كان من الأفضل إرجاء ما توصلت إليه من توصيات وتسليمها للجنة المستقلة.
وأشار إلى أن من سلبيات اللجنة إعلانها براءة المجلس العسكري وجهاز الأمن والاستخبارات من تهمة فضّ الاعتصام، في حين أن مهمتها الأساسية تقصّي ما حدث من وفيات وإصابات. كما أن اللجنة أخطأت في نفيها حدوث عمليات اغتصاب وحرق للخيم، لأن هناك عدداً من الفيديوهات تثبت تلك الوقائع، فضلاً عن وجود شهود اتهام، بينما حدد الإيجابيات في تحديد متهمين بأسمائهم ووجود مستندات يمكن أن تبني عليها لجنة التحقيق التي سيتم تشكيلها بعد إعلان الحكومة الانتقالية.
وحمّل بخيت النائب العام الحالي المسؤولية الكاملة، كونه وافق على توصيات التقرير بشكله المعيب، لكنه بيّن أن التقرير لم يسد الطريق أمام مجريات العدالة، فمن حق أي شخص الطعن في نتائجه.
لجنة مستقلة
في السياق ذاته أوضح المحامي عبد الرحمن محجوب أن ما تضمنه تقرير لجنة التحقيق مخالف لما هو موجود في الواقع من شهادات شهود العيان ومقاطع فيديو، مبيناً أنه من المضحك سماع 29 شاهداً فقط عن أحداث فض الاعتصام، في وقت متاح أمام اللجنة الاستماع إلى المئات من الناجين من المجزرة. وأشار إلى أن التقرير يتعارض مع عدد الوفيات والمفقودين ومن وجدوا في المصحات العقلية فاقدين العقل، إضافة إلى الجثث المجهولة الهوية والتي وجد بعضها مدفونة في مواقع متفرقة في العاصمة.
وأشار إلى أن ما ذكره رئيس لجنة التحقيق فتح الرحمن سعيد بأن التحقيق مستمر هدم كل شيء وطرح كثيراً من التساؤلات، التي من أهمها لماذا لم ينتظر اكتمال التحقيق بشكل نهائي لنصل إلى معرفة الجهة التي قامت بفض الاعتصام وقتل المعتصمين. وهذا ما يؤكد فعلاً أن نتائج هذا التحقيق ناقصة ولا يمكن العمل بها من الناحية القانونية.
ونوّه محجوب إلى أن عيوب هذه اللجنة أن النائب العام نفسه الذي شكل لجنة التحقيق غير محايد، لكون اسمه ورد ضمن الجهات التي تمت استشارتها بشأن فض الاعتصام إلى جانب رئيس القضاء، كما جاء على لسان أحد أعضاء المجلس العسكري الانتقالي، مشدداً على أن الحل يكمن في تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة، التي كانت واحدة من بنود الاتفاق السياسي الذي وقّع بين تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، مبيناً أن قانون التحقيقات للنائب العام لسنة 1954 يمنحه الحق في تكوين لجان مستقلة خارج النيابة العامة، كما حدث في أحداث دارفور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما سارعت القوى السياسية والمهنية إلى إصدار بيانات تدين ما توصلت إليه لجنة التحقيق من نتائج، اعتبرتها مخيبة للآمال وصادمة، أشار حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي إلى أن التقرير تغاضى بشكل مخجل عن الحقيقة وتعمد التبسيط والاستخفاف في عرض استنتاجاته، وأهمل كلياً الوقائع الجوهرية، خصوصاً "العدوان الغادر على المدنيين العزل بالقتل والسحل والحرق ورمي الجثث في النهر بقصد طمس الحقيقة، كما تغافل عن التعذيب والتحرش والاغتصاب والانتهاكات التي لا تحصر"، معتبراً التقرير انتكاسة خطيرة في مسار البحث عن الحقيقة والعدالة.
وأعلنت قوى الحرية والتغيير رفضها نتائج التحقيق، مؤكدة تمسكها بضرورة إجراء تحقيق مستقل بمراقبة إقليمية.
أما حزب المؤتمر السوداني فقال إن اللجنة لم تخيب الظنون بها، لافتاً إلى أنها بثت تقريراً تمّ صوغه بهدف واحد هو إخفاء الحقائق.
تستر وإهمال
وفق نقابة أطباء السودان، فإن التقرير أشار إلى أن عدد القتلى لم يتجاوز 78 قتيلاً في حين أن تقرير الطب العدلي في الأيام الأولى للمجزرة أكد مقتل أكثر من 90 شخصاً، 80 في المئة منهم قتلوا بالطلق الناري، بينما فاقت إحصاءات نقابة الأطباء للقتلى الـ 123 شخصاً، عدا عن الجرحى والمفقودين الذين لا تزال أعدادهم في تزايد.
وأنكر التقرير حالات القتل بالطلق الناري والرمي في النيل، وهو في ذلك يناقض تقارير الطب العدلي. كذلك أنكر حدوث حالات حرق داخل الخيم، وهو ما أثبتته تقارير الطب العدلي، وأنكر وجود حالات اغتصاب على الرغم من الشهادات بهذا الشأن والعدد الكبير من الحالات التي تولّت النقابة والمجموعات المهنية والمدنية الأخرى تقديم العون النفسي والعلاجي لها.
وأكدت النقابة أن ما توصلت إليه لجنة التحقيق يشير بكل وضوح إلى أن لجنة النائب إما أنها لم تبذل الجهد الكافي للتقصي والوصول إلى الحقائق أو أنها عمدت إلى التستر وإهمال هذه الجريمة للسماح بالإفلات من العقوبة.