Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل منح تجميد العقوبات "قبلة الحياة" لاقتصاد النظام السوري المنهار؟

يعيش المشهد الاقتصادي السوري تأرجحاً مترافقاً مع تضخم تشهده الأسواق رغم إجراءات البنك المركزي

سمح تجميد العقوبات على النظام السوري بتدفق الحوالات والتبادلات المالية (اندبندنت عربية)

ملخص

ينطبق قول "رب ضارة نافعة" على الوضع السوري، فعزلة النظام السياسية والاقتصادية طوال فترة الحرب منذ عام 2011 كسرتها الهزات الأرضية

ما أحدثه زلزال السادس من فبراير (شباط) الماضي، حين ضرب تركيا وسوريا لم يكن زلزالاً طبيعياً خلف فاجعة إنسانية مزهقاً أرواح عشرات الآلاف من البشر، وتسبب بجرح وتشريد مئات الآلاف فحسب، بل كارثة حلت باقتصاد بلد متداع أصلاً طاله دمار في البنى التحتية والمباني ومصادر الإنتاج، جراء الزلزال والحرب معاً.

هزة اقتصادية

وينطبق قول "رب ضارة نافعة" على الوضع السوري الحالي، فعزلة النظام السياسية والاقتصادية طوال فترة الحرب منذ عام 2011 كسرتها الهزات الأرضية عبر زيارات متكررة لمسؤولين عرباً وأجانب، ومنظمات دولية لطالما نادت بمحاصرة السلطة، إضافة إلى إرسال مساعدات إغاثية للمتضررين من الزلزال عبر طائرات وسفن من دول اعتمدت سياسة القطيعة مع النظام السوري طوال 12 عاماً.
وفي ظل سعي المجتمع الدولي لإسعاف بلد محاصر ويحتاج إلى دعم كبير بعد الانهيار الذي أصابه، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في العاشر من فبراير الماضي، تجميد تطبيق العقوبات التي تفرضها واشنطن على النظام السوري حتى الثامن من أغسطس (آب) المقبل.
ورأى مراقبون في هذا القرار الذي ستستفيد منه البلاد لمدة 180 يوماً، فرصةً سانحة لفتح مجالات في التجارة والاقتصاد والصناعة. ويرى الباحث الأكاديمي في الشؤون الاقتصادية، محمد حاج عثمان أن "واقع الحال تغير بسلاسة سمح معها تدفق الأموال والتحويلات من وإلى سوريا، وكذلك انسياب المساعدات الإغاثية القادمة وهبوط الطائرات وتدفق السفن دونما مساءلة، ومنها وصلت من دول أوروبية كانت فرضت عقوبات هي الأخرى على النظام السوري".
ولفت الباحث حاج عثمان إلى أنه "منذ قرار تجميد العقوبات يعيش المشهد الاقتصادي السوري تأرجحاً وحالة من عدم الاستقرار، يترافق بتضخم تشهده الأسواق على رغم كل إجراءات البنك المركزي السوري لتسهيل إجراءات تدفق القطع الأجنبي للبلاد". وأضاف أنه "قبل السادس من فبراير الماضي منح المصرف المركزي سعر صرف لشركات الصرافة، يوازي السعر غير الرسمي (الرائج) وهي سابقة، إذ كان سعر الدولار الواحد في السوق بين 6000 و6500 ليرة سورية، ما ترك ارتياحاً بين السوريين، لكن يبقى التساؤل أنه على رغم ذلك تواصل الليرة انهيارها حتى تجاوزت ثمانية آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعزو المتحدث ذاته سبب الانهيار الحاصل إلى "تباطؤ واضح في اهتمام الحكومة بالإنتاج، وكذلك الاعتماد المفرط على الاستيراد من الدول الحليفة كروسيا وإيران، وسط غياب مصادر الطاقة كالبترول والغاز وسقوط هذه الحقول في شمال شرقي سوريا من يد النظام وخضوعها لسيطرة فصائل قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأميركية، كما بات الإنتاج الزراعي كالقمح والبقوليات والقطن وغيرها، خارج ميزان الحسابات علاوةً على عدم عودة رؤوس الأموال المهاجرة إلى البلاد، التي بدورها ظلت حاضرة في بلاد الاغتراب ومعظمها في مصر وتركيا والأردن، والتي أسست صناعات ناجحة وتتنامى وفق نظام استثمار محفز".
ويتحدث الصناعي السوري، جمال شيخ بدران، المقيم في القاهرة عن "مخاطر العودة، فالواقع الأمني ما زال يواجه تحديات عدة في الشمال السوري الذي ما زال يعيش على صفيح ساخن، وغياب محفزات الإنتاج، وكثرة الضرائب، علاوةً على تكاليف الطاقة وكلها أعباء باتت منفرة، لقد شهدنا هجرة لصناعيين إلى هنا عوضاً عن عودتنا، مصر تقدم كثيراً من التسهيلات، إننا نستبعد العودة إلا بضمانات عالية ومحفزات".


اللعب بالنار

واستهدف قانون "قيصر" الصادر في عام 2019 إضافة إلى حكومة النظام السوري، جميع الأفراد والشركات وحتى الدول ممن يوفرون التمويل أو المساعدات إلى سوريا لا سيما تلك المتعلقة ببعض الصناعات المهمة في قطاع الطيران والنفط والمجال الحربي وإنتاج الطاقة، وهذا ما جعل رؤوس الأموال تعزف عن الانخراط في بلاد ما زالت تخوض معارك شرسة منذ عقد من الزمن على رغم ما تعول عليه دمشق من انفتاح على الدول العربية وعدد من الدول الأجنبية.
من جهة ثانية، يعتبر الخبير المصرفي، عامر شهدا، أن قرار تجميد العقوبات الأميركي وأثره في الاقتصاد السوري، "ما زال إعلامياً، إذ إن العمل المصرفي يبقى مقيداً". وأضاف أنه "يمكن ملاحظة بقاء العقوبات على البنك المركزي دون الإعلان عن إزالتها في بيان واضح". وأضاف شهدا "كما تم الإعلان عن فرض العقوبات في بيان، لابد من إعادة العمل وتفعيل الكيانات المعاقبة ببيان، ومنها المصرف المركزي. إني أرى تخوفاً من قبل رجال الأعمال من الإقدام على الاستثمار خوفاً من انقضاء المهلة التي حددتها وزارة الخزانة الأميركي، والتوجس من معاقبة كل من بادر إلى الاستثمار في سوريا".

واعتبر شهدا أن "الانفتاح ما زال إلى اليوم ضمن المساعدات الإنسانية المقدمة لمتضرري الحرب، دون إطلاق أعمال تجارية واستثمارية إلى اليوم. يُفترض بالمفاوضات السياسية الأخذ بالورقة الاقتصادية، ولا بد من رفع قدرة هذه الورقة كي لا تكون أسلوب ضغط عكسي على طاولة المباحثات مع السلطات السورية. ويحتاج ذلك إلى عمل وفكر اقتصادي ورؤية صحيحة واستراتيجيات وخطط سليمة، واستثمار متاح بشكل جيد، وكلها أمور ترفع من قوة هذه الورقة".
وجزم الباحث المصرفي بأن "الولايات المتحدة إذا ما رفعت الامتثال المصرفي، بعد انقضاء المدة المحددة لغاية الثامن من أغسطس، يمكنها أن تعديد التفتيش بأسماء التحويلات المصرفية إلى داخل البلاد، وهذا ما يترك التخوف الأكبر لدى رجال الأعمال".
وتراوح الحركة التجارية مكانها منذ إعلان تجميد العقوبات التي شكلت "قبلة حياة" لدخول المساعدات الإنسانية بينما الحاجة كبيرة لتفعيل التبادل التجاري مع الدول المجاورة، ويبدو أنها باتت متاحة في اتفاقية تعاون في المجال الزراعي بين الأردن وسوريا والعراق. وبات واضحاً أن النظام السوري سيطالب المجتمع الدولي بتمديد تجميد العقوبات، بينما يسابق الزمن لإعادة العلاقات السياسية مع الدول العربية والأجنبية على حد سواء.

اقرأ المزيد