Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تدخل سوق النفط في عاصفة جديدة من التقلبات؟

"أوبك" تؤكد أن قرارات المنتجين تستهدف استقرار الأسواق وتحذر من دعوات عدم الاستثمار في الطاقة لأنه سيضر بالتوازن

للمرة الأولى تاريخياً تحتدم حرب تصريحات بين أهم منظمتين معنيتين بالنفط "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية  (اندبندنت عربية)

ملخص

قال محللون إن أهداف منظمة "أوبك" حالياً بدت أكثر وضوحاً لتحقيق الاستقرار المستدام والتوازن الإيجابي بين العرض والطلب والحفاظ على أسعار النفط عند معدلات مناسبة تراعي مصالح المنتجين والمستهلكين

في وقت تسعى منظمة البلدان المصدرة للنفط  (أوبك) إلى إقرار سياسات واتخاذ إجراءات للحفاظ على استقرار الأسواق، تواجه هجوماً واسعاً من دول كبرى ومنظمات دولية تشكك في نواياها.  

وبينما تطالب "أوبك" بتوخي الحذر الشديد إزاء مزيد من محاولات تقويض الاستثمارات في صناعة النفط، تتزايد الدعوات إلى خفض هذه الاستثمارات وتعظيم الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.

وقال محللون لـ"اندبندنت عربية" إن أهداف منظمة "أوبك" حالياً بدت أكثر وضوحاً لتحقيق الاستقرار المستدام والتوازن الإيجابي بين قوى العرض وقوى الطلب والحفاظ على أسعار النفط في السوق الدولية عند معدلات مناسبة تراعي مصالح المنتجين والمستهلكين.

ووسعت أسعار النفط الخام خسائرها أمس إلى نحو ثلاثة في المئة خلال التعاملات لتواصل نزيف الخسائر للجلسة الثالثة على التوالي، وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم يوليو (تموز) 2023 بنسبة 2.56 في المئة لتسجل 73.39 دولار للبرميل، كما تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي تسليم يونيو (حزيران) 2023 بنسبة 2.76 في المئة أو 1.98 دولار لتسجل 69.68 دولار للبرميل.

الخسائر بلغت 9 في المئة بغضون 3 أيام

وعلى صعيد الأسعار فانه رغم ارتفاع النفط، لم تستطع تعويض تراجعها بأكثر من تسعة في المئة خلال الأيام الثلاثة الماضية مع تغلب المخاوف حيال الطلب لدى كبار المستهلكين على الدلائل التي تشير إلى أن الولايات المتحدة قد توقف رفع أسعار الفائدة.

خام برنت يسجل 72.83 دولار

وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 50 سنتاً أو 0.7 في المئة إلى 72.83 دولار للبرميل بعد انخفاضها بأكثر من تسعة في المئة وهبوطها في وقت سابق من اليوم الخميس إلى 71.28 دولار. إلى ذلك صعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 28 سنتاً أو 0.4 في المئة، إلى 68.88 دولار، منخفضاً بنحو 11 في المئة تقريباً منذ الجمعة الماضي حتى أمس الأربعاء. وفي وقت سابق اليوم الخميس هبط الخام الوسيط الأميركي إلى 63.64 دولار ليصل لأدنى مستوى منذ الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2021.

زيادة المخاوف

وانخفضت الأسعار هذا الأسبوع في ظل مخاوف في شأن الاقتصاد الأميركي والدلائل التي تشير إلى ضعف نمو الصناعات التحويلية في الصين (أكبر مستورد للنفط في العالم)، خصوصاً بعد أن رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي)، أمس الأربعاء، أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2007، مما قد يحد من النمو الاقتصادي على المدى القصير.

رد فعل عنيف

عندما أقرت الرياض وحلفاؤها خفضاً جديداً ومفاجئاً لإنتاج النفط بأكثر من مليون برميل في وقت سابق من الشهر الماضي أثار القرار رد فعل عنيفاً من البيت الأبيض وجهات أخرى، منها وكالة الطاقة الدولية. لكن ومع انخفاض سعر خام برنت إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل بنهاية الأسبوع الماضي، متخلياً عن كل المكاسب التي حققها منذ إعلان خفض الإنتاج فإن حجة تحالف "أوبك+" بأن الخفوضات كانت ضرورية لتلافي زيادة المعروض في السوق، باتت تجد اليوم ما يبررها.

 التصريحات بين "أوبك" ووكالة الطاقة

في غضون ذلك مرت الأسواق بتصريحات بين منظمة "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية أخيراً لتبرز "خلاف تقني" بين أهم منظمتين معنيتين بالنفط للمرة الأولى تاريخياً.

بدأت تلك التصريحات بالانتقاد الذي وجهه المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول حول إعلان دول التحالف عن الخفض الطوعي للإنتاج وحمل "أوبك" مسؤولية زيادة أسعار النفط نتيجة للخفوضات، معتبراً أن هذه الارتفاعات ستؤدي إلى صعود معدلات التضخم كما ستقود إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي الذي يمر بحال حرجة وضبابية.

 

 

ورداً على ذلك وفي تصريح يعد الأقوى له منذ توليه منصبه، قال الأمين العام لـ"أوبك" هيثم الغيص إنه على وكالة الطاقة الدولية أن تعرف جيداً أن هناك كثيراً من العوامل المؤثرة في أسواق النفط. 

وأضاف، في بيان صحافي فند فيه اتهامات ومطالبات وكالة الطاقة الدولية، ورفض تحميل وكالة الطاقة الدولية النفط مسؤولية التضخم، داعياً إياها إلى "توخي الحذر الشديد إزاء مزيد من محاولات تقويض" الاستثمارات في صناعة النفط، وهي الاستثمارات التي ينظر إليها على أنها مسألة مهمة للنمو الاقتصادي العالمي.

وأكد أن منظمة "أوبك" وتحالف "أوبك+" لا يستهدفان أسعار النفط، بل يركزان على العوامل الأساسية في السوق وتمكين الاستثمارات في القطاع الذي يحتاج العالم إليه بشدة.

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ظل هذه التراجعات تصل خسائر النفط إلى أكثر من خمسة في المئة منذ بداية العام الحالي على رغم تحرك "أوبك+" لخفض الإمدادات اعتباراً من هذا الأسبوع. 

وجرى تحفيز الخسائر بسبب التوقعات الاقتصادية القاتمة مع استمرار البنوك المركزية بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي في رفع الفائدة.

هل تحمي وكالة الطاقة توازن السوق؟

ووفق تصورات المحللين فإن ما تروج له وكالة الطاقة الدولية من عدم الحاجة للاستثمار في قطاع الطاقة، سيضر بشدة بتوازن السوق، فالوكالة التي تمثل مصالح المستهلكين للطاقة، تميل إلى انتقاد المنتجين متجاهلة العوامل الأخرى، وفي سياق انتقاداتها تتضارب مواقف وبيانات الوكالة بما يضر باستقرار أسواق الطاقة، عكس ما يحاول مثلاً تحالف المنتجين "أوبك+" فعله بضبط الإنتاج للحفاظ على توازن العرض والطلب. 

ووفقاً لتحليل عن شؤون النفط فإنه، قبل ثماني سنوات كان موقف وكالة الطاقة الدولية أن العالم بحاجة لزيادة الإنتاج بأكثر من النصف لمواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي، وقال مدير الوكالة فاتح بيرول قبل سنوات "إن الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط ستحتاج إلى "أربعة أضعاف إنتاج أكبر المصدرين". لكن ما حدث أن الطلب العالمي لم يرتفع بأي نسبة قريبة من تلك التقديرات. 

وكان ذلك التضارب وقتها مبرراً للحديث عن ضرورة زيادة الاستثمارات، أما الآن، وعلى رغم عدم ارتفاع الطلب العالمي بذلك القدر المبالغ فيه كما قدرت الوكالة، فإن ترويج عدم الحاجة للاستثمار يأتي فقط في سياق تبرير انتقاد المنتجين، حتى فاتح بيرول نفسه، وفي حوار مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" العام الماضي أقر بحاجة قطاع الطاقة العالمي لاستثمارات بتريليونات الدولارات. 

وهناك شبه إجماع على أن الاختناقات التي تحدث أخيراً أغلبها بسبب شبه توقف للاستثمارات في النقل والتكرير، والمثال الأوضح على ذلك أنه حين قررت أوروبا العام الماضي حظر استيراد الغاز الطبيعي والنفط الروسي كانت المشكلة التي تواجهها في الحصول على احتياجاتها من بدائل أخرى عدم توفر شبكة خطوط أنابيب تربط مرافئ التفريغ بالدول داخل القارة.  

أما الجانب الآخر فهو الاستثمار في مصافي التكرير التي تواجه تعقيدات بيروقراطية شديدة، بخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، هذا إضافة إلى إحجام المستثمرين عن الدخول فيها لكلفتها العالية وما يتعبرونه هامش ربح قليل. 

قلة الاستثمار وراء أزمة الطاقة الحالية

من جهته قال المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي إنه لطالما حذرت منظمة "أوبك" من أن قلة الاستثمار في عمليات التنقيب عن النفط والغاز وراء أزمة الطاقة الحالية التي بدأت قبل الأزمة الأوكرانية بأشهر.

وأضاف أنه على رغم أن المنظمة تضم أكبر منتجي النفط وتنتج نحو 30 في المئة من الخام في العالم، إلا أن تحذيراتها حول أمن الطاقة لم تلق "آذاناً مصغية" من قبل صناع القرار في الدول الغربية الذين يلقون اللوم على "أوبك" وحلفائها وليس على شركاتهم المحلية التي أصبحت تحقق أرباحاً قياسية من ارتفاع الأسعار وتقدم توزيعات سخية إلى حملة الأسهم من دون زيادة الإنتاج لتصبح في دور المتفرج على قرارات المنظمة مثل شركات النفط الأميركية العملاقة والشركات المستقلة ومنتجي النفط الصخري.

وأكد الحرمي أن دول "أوبك" وعلى رأسها السعودية ستظل الداعم الأول لضخ الاستثمارات الجديدة في قطاع النفط والغاز باعتباره "قوتهم اليومي" ونظراً إلى أن كلفة الإنتاج لديهم أقل من الدول الأخرى.

وأوضح أن أهداف منظمة "أوبك" حالياً بدت أكثر وضوحاً لتحقيق الاستقرار المستدام والتوازن الإيجابي بين قوى العرض وقوى الطلب والحفاظ على أسعار النفط في السوق الدولية عند معدلات مناسبة تراعي مصالح المنتجين والمستهلكين.

واستنكر الحرمي تحميل قرارات تحالف "أوبك+" وارتفاع أسعار النفط مسؤولية التضخم، مطالباً بالنظر إلى الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم حالياً لمعرفة الأسباب، لا سيما اضطرابات القطاع المصرفي في الولايات المتحدة وأوروبا علاوة على الركود المحتمل للاقتصاد العالمي.

وأوضح أن أسواق الخام تمر بتقلبات حادة وعلى رغم خفض التحالف النفطي للإنتاج إلا أن الأسعار ما زالت دون 80 دولاراً للبرميل وسط مخاوف تراجع النمو للاقتصاد الصيني مع احتمال دخول نفط جديد من فنزويلا وإيران.

عوامل إيجابية

فيما يرى الاقتصادي المتخصص في مجال الطاقة أنس بن فيصل الحجي أن هناك عوامل إيجابية عدة أسهمت في إبقاء أسعار النفط عند هامش 80 دولاراً أو قريبة منه، منها خفض "أوبك+" للإنتاج وتوقف ضخ النفط من شمال العراق والتراجع الكبير في مخزونات البنزين والمقطرات في الولايات المتحدة.

وأضاف الحجي أنه مع إعادة فتح الصين وتفادي أزمة البنوك الأميركية المفروض أن تكون أسعار الخام أعلى من المستويات الحالية، ولكن زيادة أسعار الفائدة وصعود الدولار الذي يسعر به النفط واستمرار تدفق الخام الروسي والمنتجات النفطية الروسية والخوف من الركود الاقتصادي منعت هذا الارتفاع.

أخطار تقويض الاستثمارات النفطية

وفي تعليق له قال المحلل النفطي الكويتي خالد بودي إن أي تقويض في الاستثمارات في صناعة النفط سواء من خلال خفض الإنفاق على تطوير الآبار الحالية وحفر أخرى جديدة وتوسعة وتطوير موانئ تصدير الخام وغيرها تعني تراجعاً في الإمدادات وانخفاضاً في طاقة تصدير النفط وتناقص طاقة المصافي، مما يعني أن الدول المنتجة لن تكون قادرة على تلبية الطلب، بالتالي سيؤدي إلى تقلبات السوق إلى جانب تراجع الإيرادات النفطية للمنتجين وضعف اقتصاداتها.

وأشار إلى أنه لا يمكن تحميل منظمة "أوبك" أو تحالف "أوبك+" مسؤولية التضخم في العالم لأن ببساطة المنظمة والتحالف ينتجان كميات تلبي حاجات السوق وليس هناك نقص في الإمدادات، بالتالي لا يمكن تحميلهما مسؤولية التضخم العالمي فهل مطلوب من المنظمة أن تنتج كميات لتغرق السوق، بالتالي تتدهور الأسعار حتى يرضى العالم؟، طبيعي أن هذا ليس معقولاً ولا منطقياً.

وأكد بودي حرص منظمة "أوبك" على استقرار الأسواق، فيما يمثل التوازن بين العرض والطلب سبباً في عدم ارتفاع الأسعار الحالية، مما يؤكد أن ليس هناك نقص في الإمدادات.

أهداف مرجوة

وقال محلل أسواق النفط العالمية أحمد حسن كرم إن أحد أهم أهداف منظمة "أوبك" استمرار ضمان تدفق النفط إلى العالم مع استقرار أسعاره للمعدلات المرجوة من قبل الأعضاء، لذا فإن تكرار مطالبات أمين عام المنظمة بأهمية الاستثمار في القطاع النفطي ما هو إلا تكملة لأهدافها.

وأضاف أن الاستثمار في القطاع النفطي يضمن استمرارية إنتاج النفط بالكميات المرجوة لكي لا تخسر المنظمة حصتها السوقية أو عملاء أعضائها لمصلحة منتجين من خارجها.

وأشار إلى أن أي تأخر في الاستثمار يعني ارتفاع معدلات الطلب وتقابله زيادات قياسية غير مرغوبة في أسعار النفط حيالها تفتح جبهات وتوترات سياسية هم في غنى عنها.

على جانب أخر، فإن مطالبات المنظمة بتحقيق استقرار الأسواق النفطية يعني استقرار أسعار النفط لمعدلات يتفق عليها أعضاء المنظمة مع المبالغ المستثمرة في هذا القطاع، إضافة إلى أن هذه الأسعار تكون مريحة نوعاً ما لتحقيق إيرادات مريحة لتعويض ما يتم صرفه من قبل الدول الأعضاء وهي بنظرهم أسعار عادلة لهذه السلعة، وفق ما ذكره كرم. 

وكشف عن أن هذا ما لا تتفق معه الدول الصناعية، إذ هم يرون أن المنظمة تبحث عن تحقيق أرباح فاحشة تجعلهم في خانة الطمع، وهذا خلاف أزلي بين هاتين الجهتين.

ويعتبر كرم أن ارتفاع معدلات التضخم العالمية الحاصل حالياً هو نتيجة لتوافر السيولة المالية وانخفاض معدلات الفائدة فتم الشعور أخيراً بهذا في الولايات المتحدة ولهذا لجأت إلى رفع معدلات الفائدة في محاولة منها لتقليل معدلات التضخم فتلتها دول أخرى على الخطى نفسها ولا علاقة للنفط بهذا من قريب.

وتابع "على رغم اتفاق ’أوبك+‘ على خفض إنتاج النفط إلا أن أسعار الخام ما زالت دون المستويات المرجوة للدول الأعضاء وهذا ما يترقبه الجميع مع دخول الشهر الجديد وبداية تطبيق قرارات الخفض الجديدة، وعليه ربما سنرى ارتفاعاً في معدلات الأسعار أعلى من الحالية الحاصلة نتيجة وجود معروض أعلى من الطلب وانخفاض في معدلات النمو الاقتصادية العالمية".

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز