ملخص
السيطرة على العاصمة تمثل رمزية الحكم، بالتالي فإن هذا الأمر في حال حدوثه يعني نهاية القديم وتأسيس واقع جديد في المشهد السوداني.
لأول مرة في تاريخ السودان تندلع الحرب في مركز العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث وتشهد حالة احتراب ومعارك تقترب من أسبوعها الثالث بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهو ما رشحها لسيناريوهات مفتوحة الأسوأ بينها السقوط، كحال عواصم أخرى في المحيط الإقليمي مثل بغداد وكابول وصنعاء وطرابلس.
تباينت آراء مراقبين سياسيين وعسكريين حول إمكان صمود العاصمة السودانية في حال استمرار الاشتباكات المسلحة، فهناك من يرى أن طبيعة مسببات الصراع سياسية بالدرجة الأولى، بجانب عدم وجود معادلة تنتهي بحسم مطلق وانفرادي لأي من طرفي القتال، الجيش وقوات الدعم السريع، فيما يعتبر آخرون أن تركيبة الخرطوم الاجتماعية غير قابلة للاستقطاب الجهوي أو الإثني وحتى السياسي لإطالة أمد المواجهات لفترات مقبلة، ويشير طيف ثالث إلى أن الحرب ستنتهي بالحوار والتفاوض.
فرق جوهري
وقال الباحث السياسي ماهو أبو الجوخ إن "سقوط العاصمة يعني فعلياً سقوط البلاد، بخاصة في ظل الأنظمة ذات الطابع المركزي والعسكري باعتبار أن السيطرة على القيادة هي بمثابة إعلان الهزيمة، ولذلك تاريخياً في السودان حاولت المعارضة إسقاط الأنظمة في عامي 1976 و2008 بغزو الخرطوم، لكن كلا العمليتين فشلتا بسبب نجاح الجيش في إحباطهما على رغم نجاحهما في الاختراق والوصول إلى العاصمة ومدينة أم درمان على التوالي".
وأضاف أبو الجوخ أن "هناك فرقاً جوهرياً بين وضعية الخرطوم حالياً وحالتي 1976 و2008، وسقوط عواصم أخرى كبغداد أو طرابلس أو كابول باعتبار أن جميع تلك العواصم سقطت ضمن حزمة معارك تم تتويجها بالاستيلاء على العاصمة وإعلان نهاية الأنظمة الموجودة والقائمة حينها".
وأوضح أبو الجوخ أن "تجربة الخرطوم في المرتين السابقتين والحرب الحالية، وجه الشبه هو حصر المواجهة في العاصمة لإنهاء النظام القائم مع وجود فرق في التجربة الحالية وهو اندلاع الصراع بين قوتين نظاميتين في الأساس وليس بين الجيش والمعارضة العابرة للحدود الليبية أو التشادية وهو ما جعل هذه المواجهة تدخل حالياً أسبوعها الثالث".
ويتابع "من المؤكد أن السيطرة على العاصمة في هذه المواجهة تمثل رمزية الحكم والقيادة، بالتالي فإن هذا الأمر في حال حدوثه يعني نهاية القديم وتأسيس واقع جديد في المشهد السوداني الحالي، وسيكون أقرب إلى سيناريو إسقاط نظام صدام حسين في العراق في عام 2003، حينما تبنت القوات الأميركية استراتيجية عسكرية تخلصت من الفكر الحربي القائم على إكمال استلام كل المناطق الواقعة في طريقها نحو بغداد، بالتالي تجنبت الدخول بمواجهات في مواقع عدة حشد لها الجيش العراقي. صحيح حدثت اشتباكات في الطريق إلى بغداد إلا أن القوات الأميركية الأساسية توجهت بشكل مباشر صوب العاصمة، ولذلك فإن رمزية إسقاط تمثال صدام حسين مثل لكل من شاهده بما في ذلك جنود الجيش العراقي في المواقع التي لم تستلمها القوات الأميركية إعلان نهاية ذلك النظام".
حالة اللاحسم
ويشير الباحث السياسي ذاته إلى أن "الاستيلاء على الخرطوم بحال حدوثه يمثل ضربة معنوية وسياسية كبيرة، لكن في السياق ذاته من الضروري الإقرار بأن لدى الطرفين عوامل قوة متكاملة إذا ما جُمعت كقوة مشتركة، ولكن الميزات التفضيلية لكل قوة بشكل منفصل تجعلنا نخلص، ومن واقع المعارك التي تدخل منتصف أسبوعها الثالث، إلى أن حالة اللاحسم قد تظل سائدة، وهو ما قد يرجح تعزيز التوجه صوب المفاوضات لحل هذا الخلاف وإنهاء حرب صفرية من الواضح أن حسمها لصالح أي من الطرفين وفق إمكاناتهما الذاتية يبدو أمراً ليس بالسهولة التي تصورها البعض قبل وبعد اندلاع هذه الحرب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صمود دون سقوط
من جهة أخرى، قال الباحث في الشؤون العسكرية والسياسة اللواء معتصم عبد القادر الحسن إن "طبيعة تركيبة العاصمة الخرطوم تمثل خليطاً من أجناس مختلفة كونت تجانساً في ما بينها، ولذلك فإن أي اصطفاف قبلي غير وارد، وهي مؤشرات تستبعد إمكان سقوط عاصمة البلاد". وأضاف الحسن "حال وجود التفاف شعبي سيكون حول الجيش باعتباره رمز الدولة السودانية". وأضاف أن "الجيش سيطر على كل الولايات وبذلك أمِن الخطر الذي يأتي من الخلف وضيق الدائرة على قوات الدعم السريع واستعاد مساحات واسعة في العاصمة".
وأشار الحسن إلى أن "الدعم السريع وضع كل قواته في الخرطوم، بالتالي يسهل حسمه لأن الجيش يملك معدات لم يستخدمها حتى الآن، كما أنه سيطر جنوب العاصمة من الكلاكلة وحتى منطقة وسط السوق العربي، ما يمكنه من حسم المعركة خلال أسبوع أو أسبوعين".
وأوضح أن "الدعم السريع كثف وجوده في القيادة العامة والقصر الجمهوري، لكن الجيش يرفض قصف هذه المناطق لرمزيتها التاريخية بجانب وجود أسرى هناك".
السيناريو الأسوأ
في المقابل، عبر المحلل السياسي يوسف سراج الدين عن اعتقاده بأنه "من المبكر القول بسقوط الخرطوم خلال الحرب الدائرة حالياً، لأن عوامل كثيرة ومتداخلة تجعل الحرب في العاصمة السودانية ذات طبيعة مختلفة عن تلك التي شهدتها عواصم عربية أخرى عقب ثورات الربيع العربي وما سبقها. إن طبيعة الحرب في البلاد مسبباتها سياسية بالدرجة الأولى وليست ببعيد عن دائرة الفعل فيها، قوى مدنية وسياسية، لذلك لا توجد معادلة تنتهي بحسم مطلق وانفراد لأي من المعسكرين المتقاتلين، ولكن يمكن التأثير في ميزان القوى عبر طاولة الحوار السياسي بحال إحراز أي من الطرفين نقاطاً عسكرية أكبر وسيطرة ميدانية تعلي من صوته وفعله السياسي". وأضاف أن "تركيبة السودان الاجتماعية وطبيعة مكونات الخرطوم، لن تكون في مصلحة جهة، وهي غير قابلة للاستقطاب الجهوي أو الإثني وحتى السياسي، وهي بمثابة صمام الأمان لتماسك الدولة اجتماعياً، لكن تظل أقاليم البلاد أكثر هشاشة وقابلة للتصدع من العاصمة المركزية، لذلك تكون الخشية أكبر حال انتقال الحرب من الخرطوم واشتعالها في الأطراف".
وختم بالقول إن "العامل الآخر في أسوأ السيناريوهات يكمن في التدخلات الخارجية لمصلحة الأطراف المتقاتلة بسبب أطماع اقتصادية وعسكرية، ولا عاصم من ذلك إلا بتواضع السودانيين وقواهم المختلفة على اتفاق وطني يسد الطريق أمام الأطماع الخارجية ويحفظ تماسك الدولة السودانية".