ملخص
اعترف الجيش الإسرائيلي بتراجع عمل القبة الحديدية وفتح تحقيقاً للتأكد من أسباب عدم تعامل نظام الاعتراض بفاعلية مع القذائف التي أطلقت من قطاع غزة
من بين 104 قذائف صاروخية أطلقتها الفصائل الفلسطينية صوب المدن الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة خلال جولة التصعيد العسكري التي استغرقت نحو 17 ساعة وبدأت وانتهت الثلاثاء الثاني من مايو (أيار) الجاري، تمكن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي القبة الحديدية من اعتراض 24 قذيفة فقط.
ويمثل هذا الاعتراض نسبة متدنية، عند مقارنته مع معدل نجاح القبة الحديدية في اعتراض القذائف الصاروخية التي أطلقت من غزة في جولات القتال السابقة، وهذه المرة الأولى منذ دخول نظام الاعتراض الخدمة في إسرائيل عام 2011، تنخفض قدرتها على صد الصواريخ لهذا الحد.
اعتراف بالفشل
لم تنكر المؤسسة الأمنية في تل أبيب تراجع مستوى اعتراض القبة الحديدية، بل اعترف الجيش بذلك، وفتح تحقيقاً، ظهر الأربعاء، للتأكد من أسباب عدم تعامل نظام الاعتراض بفاعلية مع القذائف التي أطلقت من القطاع.
في الواقع، تطلق الفصائل الفلسطينية قذائف صاروخية لا تحمل لوائح إلكترونية حتى لا تتمكن أنظمة الدفاع الإسرائيلية من كشفها، وعلى رغم ذلك تتمكن القبة الحديدية من اعتراض بعض الرشقات، لكن تراجع مستواها في هذه الجولة فتح باب التساؤل عن تطوير القوى العسكرية لسلاحها.
يقول أستاذ العلوم العسكرية والأمنية في الكلية الشرطية الفلسطينية إسلام شهوان، إن الأمر له بعدان، الأول أن هناك تطوراً واضحاً في صواريخ الفصائل المسلحة، والثاني هناك أساليب جديدة متبعة للتحايل على القبة الحديدية.
ويضيف "منذ أشهر والفصائل تقوم بتجريب قوة صاروخية جديدة على شاطئ البحر، وخلال ذلك سجلنا نقاط ملاحظة، منها أن القذائف بات مسارها أكثر تقوساً، وأن القوة الدافعة للصاروخ تحسنت، ولم يعد في مسار انطلاقه انحراف أو تعرج".
ويوضح شهوان أنه "في جولة التصعيد رصدت القذائف تنطلق من مسارها بانتظام، وفيها تطور في دقة إصابة الهدف، بينما في الأوقات السابقة كان المراقبون يلاحظون اعوجاجاً في مسار الصاروخ، وذلك نتيجة ضعف الحشوة الدافعة، وهذا يدل على أن ثمة تعديلات أدخلت منظومة القذائف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فعلياً، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييلي هغاري أن قذائف غزة باتت أكثر دقة في الاتجاه والتأثير وقد تكون ضمن نظام صاروخي جديد دخل الخدمة. ومن جانب الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة "حماس" فإنها تؤكد باستمرار أنها تعمل في فترة الهدوء على تطوير السلاح.
وأوضح هغاري أن قذيفة أصابت موقع بناء قيد الإنشاء وأدت إلى إصابة ثلاثة مواطنين بجروح متوسطة وآخرين بحالة طفيفة، وأن صاروخين على الأقل سقطا في مناطق مأهولة".
لكن الشرطة الإسرائيلية ذكرت أن "العناصر تعاملت مع خمسة مواقع على الأقل سقطت فيها صواريخ وكانت في مناطق حضرية، وسقط بعضها بالقرب من منازل"، وأيضاً ذكرت وسائل إعلام عبرية أن أحد الصواريخ سقط في ساحة منزل إسرائيلي، وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر تضرر مركبات إسرائيليين جراء سقوط صواريخ غزة على سديروت. وهو ما لم يفصح عنه الجيش الإسرائيلي في إيجازه.
التحايل على القبة الحديدية
وبحسب شهوان، فإن هذا التطور في أداء صواريخ غزة لا يمنع القبة الحديدية من اعتراضها، لكن ما جرى أن الفصائل اتبعت أساليب جديدة للتحايل على منظومة الدفاع الإسرائيلية.
ويشير إلى أنه "منذ الساعات الأولى لقصف مدن غلاف غزة سجلنا ملاحظات أهمها أن نظام القبة الحديدية لم يعمل بشكل دقيق ولم يفعل في بعض الساعات، إذ أول دفعة كانت أربعة صواريخ ولم يفعل الاعتراض، وبعدها أطلق ثلاثة صواريخ فتفعلت القبة ولم تعترضها، حينها أدركنا أن شيئاً ما أدخل في المواجهة وقد يكون التحايل على نظام الاعتراض وهذا فعلاً ما لاحظناه طيلة ساعات المواجهة".
لم تعلن غرفة العمليات المشتركة للفصائل الفلسطينية التي تبنت وقوفها وراء إطلاق الرشقات الصاروخية صوب مدن غلاف غزة عدد القذائف التي أطلقتها خلال جولة القتال المحدودة، لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيئيل هغاري قال إنهم رصدوا 104 صواريخ من بينهم قذائف هاون.
وبحسب هغاري، فإن منظومة القبة الحديدية نجحت في اعتراض 24 قذيفة فقط، فيما سقطت 48 أخرى في منطقة مفتوحة، و11 سقطوا في البحر، وهناك سبعة لا توجد معلومات حولها، أما البقية فأصابوا مواقع داخل إسرائيل.
يقول شهوان "القبة الحديدية نظام فعال، ولهذا عكفت الفصائل المقاتلة على دراسة آليات عملها، وتطوير أساليب تمكنها من تفادي اعتراض الصواريخ المنطلقة من غزة، وقد تكون نجحت في التوصل إلى آلية تضليل القبة الحديدية، إذ اعترفت إسرائيل هذه المرة بتراجع عملها".
اختراق سيبراني
ومن بين الطرق التي اتبعتها الفصائل، يوضح شهوان أن القوى المسلحة منذ فترة تجري قياساً لمدى استشعار القبة الحديدية، ومن أجل استدراجها أطلقت أعيرة نارية من رشاشات ثقيلة لتقيس مدى استشعارها ووجدتها تعمل بفاعلية، فلجأت إلى طرق أخرى منها، إطلاق قوة صاروخية متعددة المديات في نفس الرشقة لكن لم يسجل ذلك نجاحاً كبيراً، وكانت القبة الحديدية تعمل بدقة، فهي مزودة بأجهزة الاستشعار عن بعد، وجهاز الإنذار المبكر فضلاً عن ارتباطها بالأقمار الصناعية.
ويبين أن أحد تطور أساليب الفصائل في التحاليل على القبة الحديدية كان إطلاق صواريخ فارغة المحتوى وذات قوة انطلاق محدودة وأقل كلفة، ما يؤدي إلى تفعيل الاعتراض، ومباشرة يتم إطلاق صواريخ بعيدة المدى لاستهداف الأماكن المراد الوصول إليها.
ومن الأساليب الأخرى التي اتبعتها الفصائل للتحايل على القبة الحديدية، يلفت شهوان إلى أن "ما كان له أثر كبير هو عمل وحدة السايبر التابعة لغرفة الفصائل المشتركة، التي تمكنت من اختراق نظام القبة الحديدية وتضليله وتعطيل درجة الإنذار والاستشعار المبكر وتبنت الفصائل هذه الرواية، وبهذا نجحت في مناورة القبة الحديدية واستهداف المدن في غلاف قطاع غزة".
الجيش الإسرائيلي أرجع سبب فشل اعتراض القبة الحديدية لصواريخ غزة وسقوط قذائف في مناطق مأهولة إلى خطأ تقني وتعرضها لهجوم سيبراني، يوضح هغاري أن "التحقيقات ستكشف سبب الخلل بشكل رسمي، لكن بشكل أولي هناك ثغرات في عمل القبة الحديدية، كما أنه لم يتم تحديث خرائط وبيانات منظومة الدفاع بما يشمل المناطق المأهولة الجديدة".
ونقلت قناة "i24" الإسرائيلية عن مجموعة الهاكرز "أنونيموس سودان" أنها اخترقت أنظمة الإنذار الصاروخي الإسرائيلية، بما في ذلك القبة الحديدية، تزامناً مع إطلاق صواريخ من قطاع غزة.
فيما قدرت تقارير عبرية أن نسبة نجاح القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ لا تتجاوز 67 في المئة وهي نسبة متدنية، وعلى رغم اعتراف الجيش بتراجع أداء القبة الحديدية، فإن هغاري قال "يوجد شيء يمكن أن نتعلمه يضع لنا رؤية، وعلى عكس التقارير، معطيات الاعتراض تشير إلى 90 في المئة نجاح".
اعتمد الجيش تقييم نسبة النجاح 90 في المئة بناء على أنه لا يتم تفعيل القبة الحديدية ولا صفارات الإنذار المبكر إذا كانت قذائف غزة ستسقط في مناطق غير مأهولة، وفي ضوء ذلك فإن الجيش يضيف الصواريخ التي سقطت في مناطق مفتوحة وفي البحر وتلك التي لا معلومات عنها إلى مؤشرات النجاح.
وللمفارقة، وبحسب بيانات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فإن القبة الحديدية حققت في قتال 2022، من اعتراض ما نسبته 96 في المئة من مجموع 1100 صاروخ أطلق على إسرائيل حينها، وكانت أعلى نسبة اعتراض تحققها.
انتقادات
وعلى خلفية تراجع أداء القبة الحديدية، واجه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سيلاً من الانتقادات، بخاصة أن الفشل جاء في وقت كان يفترض أن تكون فيه منظومة الدفاع جاهزة للعمل، على خلفية توقع الجيش إطلاق قذائف من غزة انتقاماً لوفاة أسير فلسطيني.
وفي إطار الانتقاد، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، إن الصواريخ التي أطلقت من قطاع غزة باتجاه إسرائيل وسقطت داخلها لم يتم إطلاقها خلال ولايته التي استمرت عاماً.
كما قال رئيس مجلس مستوطنة سديروت نيغيف عيدان، إن الحكومة الحالية حولت المستوطنين في غلاف غزة لمواطنين من الدرجة الثانية، ولم تستطع القبة الحديدية اعتراض عشرات الصواريخ ولم تسهم في حماية الجبهة الداخلية.
وأيضاً حذر المعلق العسكري لصحيفة "معاريف" طال لفرام من تداعيات الاعتماد على منظومة القبة الحديدية التي بات ينطوي عليها مخاطر كبيرة.