ملخص
يفسّر علماء اجتماع شراء البعض مقتنيات المشاهير بأنها طريقة للاقتراب من شخص لن يقابلوه أبداً ويودون خلق علاقة معه
عام 1998 وخلال المباراة الثانية من نهائيات بطولة الدوري الأميركي لكرة السلة للمحترفين انتعل مايكل جوردان، أحد أبرز لاعبي كرة السلة عالمياً، حذاءه الرياضي باللونين الأسمر والأحمر. انتهت المباراة بتحقيق جوردان الفوز لفريقه شيكاغو بولز، لكن للمباراة بقية اكتملت في أبريل (نيسان) من العام الحالي.
ويعد جوردان أحد أبرز وأشهر لاعبي كرة السلة عالمياً. فاز اللاعب الأميركي بجائزة أفضل لاعب في دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين خمس مرات مع فريق شيكاغو بولز، حتى إن الرابطة أطلقت اسمه على الجائزة نفسها.
وبالعودة إلى حذائه الرياضي، فإنه بيع في أبريل (نيسان) الجاري بـ2.2 مليون دولار بدار "سوزبي" للمزادات في مدينة نيويورك الأميركية، محطماً رقمه القياسي السابق لحذاء رياضي آخر بيع بـ1.4 مليون دولار في عام 2021، ليؤكد اللاعب الأميركي السابق صدارته مبيعات الملابس الرياضية التي يجري اقتناؤها، وسبق أن بيع قميصه الرياضي بأكثر من 10 ملايين دولار في عام 2022.
متعلقات مايكل جوردان الرياضية ليست الوحيدة التي تطرح للبيع في مزادات، تنفق فيها الملايين لاقتناء بعض الأدوات أو المواد المتعلقة بشخصية شهيرة، فقد يتحول منديل عادي أو فستان أو قبعة أو تذكرة سفر أو حتى طقم أسنان، أو ما هو أغرب من ذلك كمرحاض أو ملابس داخلية، إلى ما تساوي قيمته آلاف الدولارات وصولاً إلى الملايين، وهي آلاف أضعاف قيمتها الحقيقية، لكنها تكتسب "قيمة مضافة" كون تلك القطعة من استخدام أحد المشاهير أو كانت ضمن مقتنياته.
جامع المقتنيات
تبدأ عملية بيع مقتنيات المشاهير من أنفسهم، كما في حالة مايكل جوردان، أو بطرحها في مزاد خيري، سواء كانوا هم القائمين على الأمر، كما في حالة البابا فرنسيس، الذي قدم ساعته للبيع في مزاد خيري، أو حينما تلقى هدية عبارة عن سيارة "لامبورغيني" في 2017 كانت قيمتها تتجاوز الـ200 ألف دولار آنذاك، فوقع عليها بابا الفاتيكان وطرحها في مزاد خيري، وبيعت بعد ستة أشهر من حصوله عليها كهدية مقابل 950 ألف دولار أميركي. أو أن يقوم آخرون بالفعل نفسه، كما حدث مع قبعة البابا نفسه التي أهداها إلى رجل كان يجلس في حشد بإحدى الساحات، فطرحها الأخير في مزاد خيري، وبيعت بأكثر من 113 ألف دولار أميركي.
وقد يبيع تلك المواد لصالات المزادات أقارب الشخصية الشهيرة عقب رحيلها، أو حتى المتعاملون معهم بشكل كبير، والقائمون على تصنيع بعض المواد لهم، كما حدث مع وينستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الشهير، الذي بيع طقم أسنان له في مزاد علني بلندن، بدار "كيز" في يوليو (تموز) 2010، ثم بيع طقم أسنان آخر له مقابل 19 يورو في مزاد عام 2011 بعد أشهر من بيع الطقم الأول.
ولطقمي أسنان تشرشل حكاية، فقد كان رئيس وزراء بريطانيا الأكثر شهرة يستعين بها في إلقاء خطاباته الشهيرة التي ساعدت بريطانيا في خروجها منتصرة من الحرب العالمية الثانية. وفي مقابلة لنايجل كادليب ابن صانع تلك الأطقم مع هيئة الإذاعة البريطانية، روى عن والده أن تشرشل كان يبصق طقم الأسنان حين تصله أخبار سيئة عن الحرب، "كان تشرشل يضع إبهامه خلف طقم أسنانه لإلقائه خارج فمه حين يغضب، كان بإمكانك أن تعرف أخبار الجبهة من المسافة التي قطعتها الأسنان في غرفته".
وقد يحدث الأمر نتيجة إهداء قديم، كما حدث مع نظارة غاندي الزعيم الهندي الشهير، وأحد رموز كفاحها من أجل الاستقلال، حينما أهدى تلك النظارة لأحد الموظفين بشركة بترول عام 1920، فأعطاها الأخير لابن أخيه، الذي أرسلها بالبريد إلى إحدى دور المزادات، وجرى اكتشافها بالصدفة.
كان ذلك في عام 2020، حين وجد أحد الموظفين بدار "إيست بريستول" ظرفاً مغلقاً يتدلى من صندوق البريد، ووجد فيه النظارة مع عبارة "هذه النظارات لغاندي، اتصلوا بي"، وباتصال الموظفين بالرقم، حكى لهم قصة النظارة، قائلاً "إذا لم تكن مهمة فألقوها في القمامة"، لكن النظارة الدائرية المطلية بالذهب بيعت بـ260 ألف جنيه استرليني بعد أربعة أسابيع من العثور عليها في صندوق البريد التابع لدار المزادات، في حين أن سعرها التقديري لا يتجاوز 15 ألف جنيه استرليني.
وفي حين أن بعض جامعي المقتنيات ممن يعرفون قيمة المتعلقات الفعلية للمشاهير وما ستصل إليه خلال مزادات يعملون على جمع تلك القطع، فإن جزءاً من عمليات البيع تحدث بسبب تصرفات بعض "مهاويس المشاهير" إلى الحد الذي تباع فيه أشياء عدة خارج إطار المألوف، ولم يكن ليحدث الأمر لولا شهرة صاحبها.
مهاويس المشاهير
خلال تنقلاتهم وتحركاتهم يخلف المشاهير مواد يستخدمونها، وقد لا تكون أموراً ذات استخدام شخصي، لكن ولع الجماهير بالشخصية الشهيرة يدفعهم إلى اقتناء تلك المواد وربما طرحها للبيع، كما حدث مع ظفر اصطناعي سقط من ليدي غاغا على مسرح بأحد العروض، وبيع بتسعة آلاف جنيه استرليني، وقطعة من خبز فرنسي محمص للمغني جاستين تمبرلك، وقطعة سكريات خاصة بالممثل أولارندو بلوم كان يأكلها داخل إحدى السينمات في أثناء عرض أول لأحد أفلامه، فأخذها أحد المعجبين وطرحها للبيع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما عرضت إدارة أحد الفنادق التي مكثت فيها المغنية بريتني سبيرز اختبار حمل إيجابياً، وجد في حوض استحمام المغنية، للبيع في مزاد، خصوصاً بعد أن أكدت حملها وجرى شراؤه بأكثر من خمسة آلاف دولار. وسبق لأحد المسافرين أن عثر على بطاقة مرور خاصة بالنجمة العالمية باريس هيلتون في إحدى الطائرات وعرضها للبيع في مزاد. وسهلت المواقع الإلكترونية التي تقوم بالمزادات الأمر، ليكون المزاد بداية من طرح الشيء المراد بيعه عبر الإنترنت وصولاً إلى عملية البيع.
ويشير ناثان هيفليك وهو محاضر في علم النفس بجامعة لينكولن في بريطانيا، بحسب مقال له على موقع "سيكولوجي توداي" إلى أن ذلك يعود إلى ما يسميه "تأثير هالة المشاهير"، إذ إن الأشخاص العاديين يرون في المشاهير جزءاً من ثقافتهم، وحب الجمهور لهم يحيطهم بهالة من العظمة والغموض، وعادة ما تكون التصورات عنهم أنهم أكثر ذكاءً وأفضلية على كل المقاييس، واقتناء بعض أشيائهم يمنح شعوراً "بالقرب والدفء".
وتخفي صالات المزادات عادة هوية المشتري والبائع، لكنها تنشر تفاصيل عن القطعة المطروحة للمزاد، وكلما كان لصاحبها شهرة عالمية كانت أكثر سعراً، لا سيما إن كان للقطعة حكاية تاريخية ما.
غرائب المقتنيات
وتتعدد تلك المواد والأشياء المعروضة في مزادات، فتمتد إلى الحقائب والطائرات الورقية، وجبيرة ذراع بعض السياسيين، وغيرها من الأمور، وتصل إلى ضرس العقل، مثلما حدث مع جون لينون مطرب فرقة "البيتلز" مقابل 20 ألف جنيه استرليني. والرجل نفسه جرى عرض مرحاضه للبيع في مزاد علني بمبلغ يصل إلى 15 ألف دولار.
كما سبق وطرحت للبيع في عام 2013 قطعة من كعكة زفاف الملكة البريطانية الراحلة، إليزابيث الثانية، وزوجها الأمير فيليب، الذي أقيم في عام 1947، وكانت ضمن ألفي قطعة قدمت لحضور الزفاف بحسب صحيفة "ديلي ميل".
يمتد الأمر إلى خصلات الشعر، كما حدث مع المغني العالمي جاستين بيبر، الذي بيعت خصلات شعره مقابل أكثر من 40 ألف دولار أميركي، كما بيعت خصلة شعر الرئيس الأميركي الراحل أبراهام لينكولن ومعها برقية ملطخة بدمه بـ81 ألف دولار في دار مزادات "آر أر" في بوسطن، وكان قد جرى قص خصلة من شعر الرئيس الأميركي عقب اغتياله، واحتفظ بها أحد الأطباء إلى أن تسلمها ابنه، وظلت عائلته محتفظة بها حتى بيعت في المزاد.
وينضم إلى تلك القائمة أمور بالغة الخصوصية، كالملابس الداخلية للمغني والممثل والكاتب الأميركي إلفيس بريسلي التي طرحت في مزاد عام 2012 مقابل 11 ألف دولار أميركي، كما بيع منديل مستعمل للممثلة سكارليت جوهانسون بـ5300 دولار، وذهب العائد المادي إلى مؤسسة خيرية.
يفسر أستاذ علم الاجتماع، المتخصص بدراسة المشاهير بجامعة سيتي في لندن كريس روجيك، بيع الملابس الداخلية للمشاهير تحديداً بأن البعض يبحثون عن طريقة للاقتراب من شخص لن يقابلوه أبداً، ويودون خلق علاقة مع المشاهير حتى لو كانت على هذا النحو "هذا سيشعرهم أنهم أقرب إليهم، ويريدون بهذا التصرف اكتساب بعض بريق المشاهير". واصفاً الأمر بأن المشاهير "عائلة افتراضية لبعض الأشخاص"، بحسب حديثه مع هيئة الإذاعة البريطانية.
للعرب نصيب
وبالحديث عن المناديل، فإن منديل سكارليت جوهانسون ليس الوحيد، فقد سبق لمتجر إلكتروني سعودي أن عرض منديلاً ورقياً كان في يد المطرب السعودي محمد عبده، مقابل 30 ألف ريال سعودي، وكان الفنان قد استخدمه في حفل له بمدينة أبها السعودية، وفي الصورة التي عرضت على الموقع، بدا المنديل الورقي الأبيض مطوياً بشكل مثالي، ولا يبدو عليه الاستخدام، فيما دونت عبارة "منديل محمد عبده" عليه.
كما يعد منديل المطربة المصرية أم كلثوم الأشهر والأغلى بيعاً، فقد كانت تحتفظ في يدها بمنديل أثناء غنائها سواء داخل مصر أو خارجها، وبيع المنديل وبعض مقتنياتها في القاهرة عام 1999، وشملت نظارتها ومنديلاً أحمر اللون مقابل 5.5 مليون دولار أميركي، وكان المزاد آنذاك بعنوان "من أجل فقراء العالم" وقدمته عائلة المطربة المصرية الراحلة، وكان لونه يتسق ولون الثوب الذي ترتديه في إحدى الحفلات.
كان ذلك في مزاد فني، ضم مقتنيات أخرى مثل ساعة يد المطرب المصري عبدالحليم حافظ، وبيعت بنحو 100 ألف جنيه، وفستاناً للممثلة المصرية سعاد حسني، سبق وارتدته في فيلم "المتوحشة" وبيع بـ10 آلاف جنيه. وقلم خاص بالأديب العالمي نجيب محفوظ، وعود الموسيقار بليغ حمدي، وساعة جيب للممثل المصري فريد شوقي، وكان الهدف من المزاد توفير أموال لضحايا الفقر والجوع في العالم.
كما طرحت مقتنيات للممثل المصري عمر الشريف في إحدى دور المزادات في فرنسا، وأثارت جدلاً حول صحتها وما إذا كانت مسروقة أو غير ذلك، فيما استعادت مكتبة الإسكندرية أخيراً جواز سفر للرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى المتحف الذي يضم مقتنياته، وكانت صالة مزادات "هيريتج" قد عرضته للبيع، وأثار الأمر جدلاً كبيراً.
تميز واختلاف
تقول استشاري علم النفس شيرين شوقي إن عملية الهوس بشراء مقتنيات المشاهير لدى الأغنياء تحديداً تعود إلى رغبتهم في الحصول على شيء مميز ومختلف، إذ إن باستطاعتهم شراء كثير من الأشياء كالسيارات والعقارات، لكن الحصول على أحد الأشياء الخاصة بشخصية شهيرة سيكون "أكثر تميزاً".
وتلفت استشاري علم النفس في حديثها إلى "اندبندنت عربية" إلى أن الأمر سيكون مختلفاً لو كان الشخص الثري متحققاً في أحد المجالات، سواء المهنية أو العلمية أو الأدبية، "هذا مرتبط بثقة الشخص في نفسه، إن كانت ضعيفة فإن هذه الأمور ستغريه، وإن كانت قوية فإنه لن يلتفت إليها".
لكن شوقي تفرق ما بين الرغبة في الشراء والهوس بالشخصية، ففي الحالة الثانية تعتبر استشاري علم النفس أن الأمر قد يصل إلى "اضطراب شخصي"، قد يدفع صاحبه إلى التوحد مع تلك الشخصية الشهيرة، كتقليدها في طريقة الكلام، والحرص على ارتداء أزياء تشبه ما ترتديها.
ويشبه شراء مقتنيات المشاهير حرص بعض مشجعي كرة القدم والرياضات المختلفة على الحصول على قميص لاعب معين، أو توقيعه على كرة قدم أو سلة "بالنسبة إلى الأثرياء فإن متعلقات الشخصيات الشهيرة ستجذبهم على كل حال، لكن بالنسبة إلى آخرين فإن المشاهير الذين سيحوزون على اهتمامهم هم الذين تتقاطع هواياتهم معهم، مثل كرة القدم على سبيل المثال".
اقتراب افتراضي
الهوس بالمشاهير كان دافعاً إلى إنشاء تطبيقات تستغل العالم الافتراضي، يشترك فيها آلاف المشاهير عالمياً، تضيف للنجوم مزيداً من الربح، وتمنح المستخدم شعوراً بمشاركة الشخصية الشهيرة بعض التفاصيل، كإرسال رسائل صوتية أو عبر الفيديو للتهنئة على أمر ما، أو للمعايدة على سبيل المثال.
ينزل الشخص التطبيق ويختار شخصيته الشهيرة المفضلة، ثم يقدم معلومات حول ما يريد أن يسمعه من تلك الشخصية، ثم يدفع ثمن تلك الخدمة التي قد تصل إلى أكثر من 400 دولار، ويكون لكل شخصية تقييم مالي مختلف عن الآخر، وهو أمر منتشر في دول أجنبية أكثر من العربية حتى الآن.