ملخص
الجيش الرديف تشكله شركات أمنية تحتاج الدول إلى خدماته العسكرية كما في غزو أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن ولا أحد يجهل ما يرتكبه في الحروب من فظائع
تقف مدن بأسرها تتلوى من آلام وضربات الجيوش الرديفة، تلك الكتائب المسلحة غير الجديدة على العالم، بعد أن صارت خريطة انتشارها أوسع في هذه الأيام، لتقوم بمهام متنوعة، بعضها إلى جانب الجيوش التقليدية، وبعضها الآخر للتنافس مع الجيوش أو للقيام بأمور سرية أو حتى علنية لا تريد الدول فعلها بواسطة جنودها.
البداية في أميركا، وإن كان من الصعب اعتبار الحرس الوطني جيشاً بديلاً، فهو مجموعة قوى خاصة بكل ولاية أصلها ميليشيات خلال الحرب الأهلية، كرسها الدستور حرساً وطنياً لكل ولاية بعد الحرب عبر التجنيد لمرحلة موقتة.
أما الجيش الرديف، فإنه شركات أمنية يحتاج الجيش إلى خدماتها العسكرية، كما في غزو أفغانستان والعراق، حيث لعبت "بلاك ووتر" أدواراً أمنية خطرة وارتكبت كثيراً من الجرائم والمذابح الرهيبة.
شبح "فاغنر"
روسيا لم تكن تعترف بأنها تستخدم مجموعة "فاغنر" من المرتزقة التي أسسها يفغيني بريغوجين، الشهير بـ"طباخ الكرملين"، وعملت في معارك سوريا وليبيا والسودان، وأخذت مكان القوات الفرنسية في مالي وبوركينا فاسو وعدد آخر من الدول الأفريقية.
أما الدور المعترف به رسمياً، فإنه في حرب أوكرانيا، ولا سيما في معركة باخموت، حيث أصدرت موسكو عفواً عن المساجين من المجرمين الخطرين لقاء الانضمام إلى "فاغنر" في القتال، وحيث تتحمل "فاغنر" العبء الأكبر في المواقع الأمامية، ويكرر قائدها اتهام رئاسة الأركان الروسية بحجب الذخيرة عنه أحياناً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الصين ليست في حاجة بعد إلى هذه الظاهرة حتى الآن. نظام عمر البشير و"الإخوان المسلمين" في السودان صنعا أكثر من تنظيم ميليشياوي خارج الجيش، بينها تنظيم "الجنجويد" لقتال المعارضين المسلحين في دارفور، ثم أصبح "قوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي نالت وضعاً مقنناً قبل سنوات، وتصطدم في نزاع مسلح مع الجيش.
معمر القذافي في ليبيا جعل الجيش مجموعة كتائب منفصلة وموزعة على أبنائه، ومن بعده صار لكل مجلس وحكومة جيش ومجموعة ميليشيات تتصارع على النفوذ والمال والسلطة. بعضها تدعمه تركيا، وبعضها الآخر تدعمه "فاغنر" ودول عربية. وكل شيء تحت أنظار أميركا وأوروبا والأمم المتحدة.
الحرس الثوري
لكن "العصر الذهبي" للجيوش الرديفة جاء على يد الجمهورية الإسلامية في إيران، حين قرر الإمام الخميني تشكيل الحرس الثوري إلى جانب الجيش الإسلامي الأيديولوجي، وكانت الحرب مع العراق امتحاناً بالنار لهما.
من مهام الحرس الثوري والجيش، بحسب الدستور الإيراني المعدل عام 1989، "السعي إلى بناء الأمة الواحدة في العالم، وهكذا تتحقق حكومة المستضعفين في الأرض"، ومنها أيضاً "حراسة الحدود وتحمل أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم".
وليس هذا كل شيء، فالحرس الثوري (الباسدران) أنشأ الميليشيات الشعبية (الباسيج) لمواجهة أي تحرك شعبي، وأسس ميليشيات مذهبية في عدد من الدول العربية "حزب الله" في لبنان، فصائل "الحشد الشعبي" بالعراق، وميليشيات بأسماء عدة في سوريا، ودعم "أنصار الله" الحوثيين في حرب اليمن، ومول وسلح "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة.
واليوم يشرف الحرس الثوري على ما تسمى "وحدة الساحات" في "محور المقاومة"، وهو محور للدفاع عن إيران ضد أي هجوم إسرائيلي عليها لضرب المشروع النووي، وعملياً للعمل من أجل المشروع الإقليمي الإيراني. وهو مشروع يعني، ليس التغيير الجيوسياسي في العالم العربي لمصلحة الجمهورية الإسلامية فحسب، بل أيضاً التغيير في البنية الاجتماعية وإعادة كتابة التاريخ.
وليس قليلاً ما يصطدم به هذا المشروع من عقبات وتضاريس سياسية واجتماعية وإرادات وطنية، ولا ما يرافق المغامرة من شكوك، لكن المؤكد أن الميليشيات المرتبطة بإيران أسهمت في أزمات سياسية واجتماعية ومخاطر أمنية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
ولا أحد يجهل ما ترتكبه الجيوش الرديفة في الحروب من فظائع، وما تشكله من "بنية تحتية" للحروب الأهلية، وما تفتحه من فرص أمام التنظيمات الإرهابية، غير أن الدول التي وصفها الجنرال ديغول بأنها "وحوش باردة" تبدو في حاجة إلى وحوش حامية.