ملخص
على رغم اعتراف كثير من الخبراء العسكريين بعدم تكافؤ القدرات بين الطرفين وتقدم إسرائيل على "حزب الله" بسلاحها الجوي، إلا أن غالبية آراء المراقبين تعتبر أن الحرب التي بدأت في سبتمبر مستمرة وطويلة.
من بين النزاعات الأكثر تعقيداً في الشرق الأوسط هي الحرب بين إسرائيل و"حزب الله"، فمنذ تأسيسه في عام 1985 عمل الحزب، خارج إطار الدولة، على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية بالقوة. وكونه جزءاً من محور ما يعرف بـ"الممانعة" المرتبط بإيران، فإن توتر العلاقات الإقليمية والتدخلات الخارجية يزيد تعقيد الصراع.
آخر حرب بين الحزب وإسرائيل جرت عام 2006، قبل أن تستدرج عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 "حزب الله" إلى المواجهات مجدداً مع إسرائيل تحت سقف قواعد الاشتباك في المرحلة الأولى، لكن حرب الإسناد لغزة أو الإشغال التي بدأها الحزب في الثامن من أكتوبر 2023 اتخذت في الـ17 من سبتمبر (أيلول) طابعاً تصعيدياً عندما نفذت إسرائيل اعتداء "البيجرز" الذي خلف أضراراً كبيرة في صفوف الحزب، ثم استهدفت القادة بغارات مباشرة، وفي مقدمهم الأمين العام للحزب حسن نصرالله. وأعلنت إسرائيل عمليات برية محدودة ستنفذها في الجنوب اللبناني، واستمرت في استهداف قادة الحزب السياسيين والأمنيين ونفذت ولا تزال غارات عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع. واستمر "حزب الله" بإطلاق الصواريخ والقتال جنوباً، وأعلن أمينه العام الجديد الشيخ نعيم قاسم أن "حزب الله" مستمر في القتال، وأن إسرائيل ستدفع ثمناً غير مسبوق، وكما انتصر في يوليو (تموز) 2006 سينتصر الآن.
وعلى رغم اعتراف كثير من الخبراء العسكريين بعدم تكافؤ القدرات بين الطرفين وتقدم إسرائيل على الحزب بسلاحها الجوي، إلا أن الغالبية تعتبر أن الحرب التي بدأت في سبتمبر مستمرة وطويلة، فما الأسباب؟
الحرب طويلة
يعتبر كثيرون أن أسباب طول الحرب بين جيش من جهة، ومجموعة مسلحة من جهة أخرى، تبدو معقدة وتتداخل فيها العوامل السياسية والعسكرية والاجتماعية. وتتصدر هذه الأسباب اختلاف الأهداف الاستراتيجية بين الطرفين، ففي حين يسعى "حزب الله" بالشعار المعلن إلى استعادة الأراضي وتحرير المناطق المحتلة، تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على أمنها القومي ومواجهة التهديدات من الجماعات المسلحة. و"حزب الله" مدعوم من إيران، ويعد من أهم أذرعها في المنطقة، ولديه علاقات مع عدد من الدول الأخرى، مما يوسع نطاق الصراع ويجعله أكثر تعقيداً، في المقابل تحظى إسرائيل بدعم قوي من الولايات المتحدة والدول الأوروبية والغربية. واعتماد "حزب الله" على أساليب حرب العصابات في مواجهة الجيش الإسرائيلي، يجعل الأمر أكثر تعقيداً ويعزز فكرة استمرار الحرب لفترة طويلة من دون تحقيق انتصارات حاسمة. ويسهم تحول الاشتباكات إلى مناطق مدنية والخسائر الكبيرة بالأرواح والممتلكات إلى صعوبة التوصل إلى تسوية سلمية، ويظهر المجتمع الدولي حتى الآن عاجزاً عن التدخل بصورة فعالة لإنهاء النزاع أو التوصل إلى حلول سلمية، مما يطيل من أمد هذه الحرب.
رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو حدد أهداف الحرب بتحقيق أمن بلده وتدمير ترسانة الحزب العسكرية والعمل ضد تسلحه، في المقابل لا يقيم "حزب الله" وزناً لكل الخسائر البشرية والمادية وتركيزه هو على الجبهة الحدودية والخطوط الأمامية. ويعتبر الحزب أن إسرائيل إذا فشلت في التوغل البري وتكبدت خسائر كبيرة، وإذا فشلت في إعادة سكان الشمال وفي إبعاد الحزب عن الحدود تكون فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة، وهذا سيكون كافياً كي يعلن انتصاره. والكلمة للميدان، وفق ما أعلن أمينه العام الجديد. حتى الآن تمكنت إسرائيل من تحقيق نقاط ثمينة لكنها لم تنتصر، و"حزب الله" خسر وأصيب إصابات بالغة ولكنه لم يهزم، وبالتالي من المبكر الحديث عن نهاية الحرب.
من وجهة نظر عسكرية
بحسب العميد المتقاعد زياد الهاشم، "لا يزال الطرفان، إسرائيل و'حزب الله'، مقتنعين بأن الوسائل العسكرية (استخدام القوة) يمكن أن تحقق أهداف كل منهما". ويعتبر الهاشم أن "الجانب الإسرائيلي أعلن أن هدف الحرب هو إعادة المستوطنين للشمال، لكن هناك أهداف غير معلنة بدليل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يقبل حتى الساعة بوقف إطلاق النار الذي سبق ووافق عليه لبنان الرسمي من خلال تطبيق القرار 1701 الذي كان مطلباً إسرائيلياً خلال المفاوضات التي كان يجريها المبعوث الخاص للرئيس الأميركي قبل شهر سبتمبر (أيلول) الذي كان ليعيد المستوطنين".
وفي قراءة لما يجري على الأرض من معارك بين الجانبين، يتبين وفق العميد المتقاعد أن "الجانب الاسرائيلي يقوم بتدمير شامل للقرى المحاذية للحدود التي تعرف بـ'قرى الحافة' من خلال القصف الجوي بالصواريخ الثقيلة ومدفعية الميدان، وما تبقى يفجر بمئات الأطنان من المتفجرات تمهيداً لخلق منطقة مدمرة بالكامل تمتد على نحو ثلاثة إلى أربعة كيلومترات، مما يعني نية غير معلنة بعدم السماح للسكان بالعودة لقراهم، بخاصة أن ذلك يترافق مع التعرض للقوات الدولية الموقتة في لبنان لدفعها إلى خارج المنطقة المدمرة. أما 'حزب الله' فتحولت استراتيجيته من إسناد غزة إلى تحقيق وقف إطلاق النار أولاً كهدف لهذه الاستراتيجية والقبول ضمنياً بالقرار 1701 بعد الخسائر الكبيرة التي نزلت به، من تفجيرات البيجر وأجهزة اللاسلكي، إلى اغتيال أمينه العام وقادة أمنيين وعسكريين، والعدد الكبير للنازحين الذين كانوا يشكلون البيئة الحاضنة، والدمار المرعب بثلاث أضعاف حرب يوليو (تموز) 2006". لذا يضيف الهاشم "زاد 'حزب الله' وتيرة إطلاق الصواريخ والمسيرات باتجاه الأراضي المحتلة ضعفي ما كانت عليه قبل أسبوعين للقول إن استراتيجية نتنياهو بإبعاد الصواريخ عن الشمال لم تحقق نتائجها، وبذلك يدفع الحزب جيش العدو إما إلى مواجهة برية وإلى 'تلاحم' يعتقد الحزب أنه سينتهي لمصلحته قياساً على حرب تموز، وإما إلى قبول المستوى السياسي في إسرائيل وقف النار والاكتفاء بتطبيق الـ1701. حتى الآن لم يحصل شيء من هذا القبيل، وبالتالي قد تطول الحرب وتتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد يتصاعد فيها العنف والدمار وعدد النازحين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشرح العميد المتقاعد في الجيش اللبناني أن "مركز الثقل في الجهد الحربي الإسرائيلي انتقل من الجنوب، أي غزة، إلى الشمال، أي لبنان"، وبالتالي تستطيع إسرائيل بحسب الهاشم، "التفرغ للحرب على الحزب خصوصاً أن الحرب في غزة بمفهومها المتضمن الاستخدام الأقصى للقوة والعنف مترافقاً مع مناورة برية كبرى وإعادة احتلال القسم الأكبر من غزة، تحولت إلى عمليات قتالية متفرقة هنا وهناك من دون جهد رئيس واضح وبالتالي لا تتطلب تركيزاً للقوى والجهد".
ويعتبر المتحدث ذاته أن "تصريحات نتنياهو التي يشير فيها إلى أن الحزب لن ينتشر على الحدود الشمالية، تشي بمواصلة القتال على رغم الخسائر الكبيرة نسبياً، وربما محاولة التقدم إلى خط القرى الذي يقع مباشرة خلف قرى الحافة، خصوصاً أن العدو سبق وحشد أربع فرق حتى الآن بمواجهة لبنان لم تستخدم بكامل قدراتها، إذ كنا نلاحظ استخدام وحدات صغيرة من مستوى فصيلة وسرية وصولاً في بعض الأحيان إلى مستوى كتيبة، أي أننا لم نشهد مناورة برية كبرى تشارك فيها هذه الفرق".
ويرى الهاشم أن الرد الإسرائيلي على إيران الذي يمكن وصفه بالرد "م"، أي إنه جاء مدروساً في انتقاء أهدافه العسكرية، ومنسقاً مع الولايات المتحدة، ومحدوداً من حيث الحجم، ومهندساً بطريقة لا تشعل حرباً إقليمية، هذا الرد سمح لإسرائيل بتركيز جهدها الرئيس على جبهة لبنان. ويعتبر أن إسرائيل تستغل السياسات الأميركة الداخلية في فترة الانتخابات الرئاسية، حيث إن إدارة بايدن تمالئها للحصول على أصوات اللوبيات المؤيدة لإسرائيل، والمرشح الجمهوري دونالد ترمب يريد من إسرائيل إكمال عملها وعمل ما يجب عمله، وبالتالي تتفلت إسرائيل من الضغط الأميركي الذي يريد منع تطور الحرب إلى حرب إقليمية كبرى. أما الفرصة المتوافرة لوقف الحرب فهي بحسب الهاشم إذا فازت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس وأرادت انتهاج سياسات تبعدها عن سلوك سلفها وتضغط على إسرائيل للقبول بتسويات تنهي الحرب في مقابل ضمانات أمنية وحوافز ومغريات اقتصادية (خط التجارة الهندي) وصولاً إلى الانتهاء من عمليات التطبيع.
مواجهة بين إسرائيل وإيران
قد يكون أبرز الأسباب التي تعزز فرضية الحرب الطويلة ارتباطها المباشر بالصراع الإسرائيلي – الإيراني، فوجه الاختلاف الأساس بين حرب يوليو 2006 واليوم، هو أن الصراع الإيراني - الإسرائيلي صار بالمباشر وليس بالواسطة، وعلى ساحات عدة وأهمها الساحة اللبنانية. ويقول مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر لـ"اندبندنت عربية"، "صحيح أن الصراع اتخذ بعداً مختلفاً في مسألة ’حماس‘، ولكن إيران لم تتأخر في الدخول على الخط للاستثمار بالحرب التي خاضها حليفها في غزة من دون التنسيق معها، وأرادت أن تحصل على حصة من الانتصار". ويعتبر نادر أن أول هدف استراتيجي من هذه الحرب بالنسبة إلى إسرائيل هو إعادة عقارب الساعة لما قبل السابع من أكتوبر، وتحديداً إلى مسار مشروع التطبيع بين العرب وإسرائيل، ورسم خريطة جديدة، حملها نتنياهو معه في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. والعقبة الأساسية أمام هذا المشروع هي الامتداد الإيراني الذي بدأ منذ عام 2008 لحظة الانسحاب الأميركي الأحادي من العراق الذي سمح للإيراني بأن يملأ الفراغ، وبدأت تزداد نقمة العرب ضد طهران في مقابل تقارب عربي - إسرائيلي. أما المعطى الثاني والمرتبط بتثبيت إيران نفسها كقوة إقليمية فهو النووي الإيراني، وهذا لب المشكلة اليوم، إذ تسعى إيران إلى أن تكون دولة نووية، والإرادة بمنعها من تحقيق ذلك لا تقتصر على إسرائيل بل تشمل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة. ويؤكد أنه حتى في بدايات حرب غزة كان الموضوع الأساس الذي لم يظهر إلى الواجهة، هو موضوع النووي، وهو معلق منذ عام 2005.
ويعتبر نادر أن "مواجهة مشروع التوسع الإيراني ستحصل عبر خلق فضاء جديد هو التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وهو مشروع يمكن تسميته Techno Military Integration في مواجهة محور المقاومة.
ويضيف أن "إسرائيل أثبتت من خلال استهدافها الداخل الإيراني تفوقها على المستوى الجوي وقدرتها على تهديد النظام الإيراني عبر ضرب منشآته النفطية والاقتصادية والنووية والعسكرية بكل حرية، وبالتالي لن يبقى أمامها لإنقاذ نظامها سوى أن تتخلى عن أذرعها في المنطقة".