ملخص
جاء ميناء طنجة الجديد لينهض على أنقاض الميناء القديم، ويتم تشييده بمواصفات عالمية ومتطورة جعلت منه في سنوات قليلة أكبر ميناء في البلاد والقارة السمراء، وأحد أكبر الموانئ في العالم
كان الميناء الجديد لطنجة المتوسط، الواقع في شمال المغرب، في البداية مجرد حلم أو أمنية قبل أن تتحقق بالفعل على أرض الواقع ليصبح الميناء لا مكان للتصدير والاستيراد فحسب، بل ورئة بحرية وتجارية للمملكة على العالم، وأضخم مشروع اقتصادي في تاريخ البلاد.
تحول ميناء طنجة المتوسط من فكرة طموحة أعلن عنها العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب للشعب عام 2002 إلى واقع متعين بعد تنفيذ المشروع وافتتاحه رسمياً عام 2007، قبل أن يتبوأ منذ 2020 صدارة الموانئ في المغرب والقارة الأفريقية، وينافس أكبر وأقوى الموانئ البحرية في العالم.
نبذة تاريخية
يعود أصل ميناء طنجة إلى نهاية القرن الـ17، عندما بنى الإنجليز حاجز أمواج بطول يناهز 225 متراً وعرض 33 متراً، وكان أول رصيف خشبي بني عام 1897، وفي 1908 تم تشييد مرفأ صغير للزوارق الشراعية الصغيرة، وكان حينئذ يضم حاجزاً طوله يتجاوز 340 متراً، ومهمته حماية الميناء من الأمواج العاتية الآتية من الشمال الغربي للمنطقة.
بعد إعلان الحماية الفرنسية على البلاد عام 1912 بتسع سنوات، وتحديداً في 1921، صارت "شركة ميناء طنجة" المكلفة الحصرية لتشييد وصيانة ميناء طنجة واستغلاله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشهد الميناء تطويرات وتحسينات وتوسعات في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، إذ تم التمديد في طول حاجز الأمواج الذي صار بطول 960 متراً، قبل أن يتم إلغاء تسيير شركة ميناء طنجة بعد حصول المغرب على الاستقلال، وصارت هيئة ميناء الدار البيضاء هي الإدارة المخولة بتدبير شؤون ميناء طنجة القديم.
تدرج أمر تسيير وتدبير الميناء المذكور بين مؤسسات رسمية عدة، قبل أن يتم اعتماد قرار حكومي في 2010 بإغلاق هذا الميناء أمام السفن التجارية، ليصبح فقط مستقبلاً للسفن السياحية التي تتجه نحو ميناء طريفة الإسباني.
وجاء ميناء طنجة الجديد لينهض على أنقاض الميناء القديم، ويتم تشييده بمواصفات عالمية ومتطورة جعلت منه في سنوات قليلة أكبر ميناء في البلاد والقارة السمراء، وأحد أكبر الموانئ في العالم، بل إنه يضاهى موانئ كبيرة وذات سمعة دولية في إسبانيا وغيرها.
الأهمية الاستراتيجية للميناء
يكتسي الميناء الجديد لطنجة، الواقع في مدخل جبل طارق، أهمية استراتيجية بالغة بالنسبة إلى المغرب، فقد صار بمثابة رئة بحرية وتجارية واقتصادية تتنفس من خلالها البلاد، ومعبراً لا مندوحة عنه لعبور السفن العالمية من أميركا إلى آسيا.
وتكمن قوة الميناء في سعته الكبيرة، فمحطته البحرية الأولى التي تم تدشينها عام 2007 تشمل 3 ملايين حاوية، وأما محطته الثانية فتصل طاقتها الاستيعابية إلى 6 ملايين حاوية، وهو ما بوأ الميناء مكان الصدارة بين موانئ حوض البحر المتوسط.
وتبرز الأهمية الاستراتيجية للميناء المغربي الجديد من خلال إطلالته على مضيق جبل طارق ذي الموقع الجغرافي الحيوي، إذ يفصل بين قارتين هما أفريقيا وأوروبا، وبحرين هما "المتوسط" والمحيط الأطلسي، كما أنه أيضاً صلة وصل بين دول الشمال وبلدان الجنوب.
وتفيد معطيات رسمية من إدارة ميناء "طنجة ميد" (طنجة المتوسط)، بأن هذا الميناء يعد قطباً لوجيستياً يتصل بأزيد من 186 ميناء عالمي، وبقدرة استيعابية تبلغ 9 ملايين حاوية، و7 ملايين راكب، و700 ألف شاحنة ومليون سيارة.
ومن تجليات الأهمية الاستراتيجية للميناء أيضاً كونه قطباً صناعياً يجلب، وفق المعطيات الرسمية، أزيد من 900 شركة عالمية تنشط في صناعات السيارات والطائرات والنسيج واللوجيستيك والخدمات وغيرها من المجالات، بمبلغ تبادلات يفوق 7300 مليون يورو (7915 مليون دولار).
هذه الدينامية الصناعية التي أحدثها الميناء الجديد لطنجة من خلال المنطقة الصناعية الموجودة قريباً منه، أسهمت بشكل كبير في التخفيف من بطالة الشباب، وأيضاً في الحد من وتيرة الهجرة إلى الخارج، إذ أفضى هذا الزخم الاقتصادي إلى توفير زهاء 75 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة خلال 10 سنوات.
وينفتح ميناء طنجة على التقنيات الحديثة التي تتيح له التموقع بشكل إيجابي في شبكة موانئ العالم، ومن ذلك أنه من المرتقب في نهاية 2023 تطبيق تقنية سلسلة الكتل (Blockchain) في الميناء، وهي تقنية حديثة تعتمد على شبكة مشتركة تتيح تسجيل وتتبع المعاملات بشكل آمن وشفاف، بهدف تعزيز جاذبية الميناء ومنافسته في سوق الموانئ العالمية.
انزعاج ومخاوف
مثل أي مشروع اقتصادي ناجح، كان لا بد أن يثير توسع ميناء طنجة الجديد شكوك ومخاوف عدد من الجيران، لعل أكثرهم الإسبان تحديداً، إذ تخشى مدريد أن ينجح المغرب عبر الميناء في بسط يده الاقتصادية والتجارية على مضيق جبل طارق.
هذا القلق كشفته صحف إسبانية من خلال مهنيين ومسؤولين إسبان لهم علاقة بتدبير الموانئ والتجارة البحرية، إذ عبروا عن خشيتهم من منافسة ميناء طنجة للموانئ الإسبانية، بخاصة أنها جميعها موانئ تتنافس على حوض البحر الأبيض المتوسط.
وسبق لصحيفة "إي بي سي" الإسبانية أن نشرت تقريراً مفاده بأن ميناء طنجة المتوسط يهدد وجود موانئ الشحن في إسبانيا، بالنظر إلى مسار التطور الذي "لا يمكن أن يتوقف"، وفق تعبيرها.
وانبرى مسؤولون عن موانئ في إسبانيا للمطالبة بتطويرها وتوسعتها لمواجهة المنافسة المغربية ممثلة في ميناء "طنجة ميد"، كما دعا رئيس هيئة ميناء الجزيرة الخضراء جيراردو لاندالوز، إلى التحرك والعناية بالموارد البشرية واللوجيستية في الموانئ الإسبانية للوقوف في وجه تطور ميناء طنجة.
صحف إسبانية أخرى مثل "إلبايس" و"إلكونفيدينثيال" سبق لها أكثر من مرة التطرق إلى هذا الموضوع، كما رصدت الصحيفتان الانعكاسات السلبية لاكتساح ميناء طنجة الجديد الأنشطة التجارية وحركة النقل الدولية في مضيق جبل طارق، حتى أن مهنيين ومسؤولين إسباناً دقوا ناقوس الخطر تجاه ما سموه هيمنة ومنافسة ميناء "طنجة ميد".
محاولات تهريب
وبعيداً من الأهمية الاستراتيجية لميناء طنجة وتوسعه وتطوره ليصبح أحد أبرز الموانئ التجارية في العالم، فإن هذا الميناء نفسه يشهد عدداً من محاولات تهريب من جانب شبكات إجرامية دولية يستغلون اتساع الميناء وتموقعه المحوري ليقوموا بأنشطتهم التهريبية الدولية.
وقبل أيام خلت أجهضت مصالح الأمن والجمارك بميناء طنجة المتوسط محاولة تهريب كميات كبيرة من مخدر الكوكايين ملفوفة بعناية داخل أحشاء أسماك التونة المجمدة، وقد تم ضبطها داخل حاوية تبريد آتية من دولة الإكوادور كانت متجهة إلى إسبانيا عبر الميناء.
كما ضبطت السلطة المينائية أيضاً قبل أسابيع قليلة شحنات كبيرة من مخدر "الشيرا" داخل تجاويف معدة في المقطورة والهيكل الداخلي لإحدى الشاحنات، وبلغ وزنها الإجمالي أكثر من 5 أطنان على شكل صفائح تم تحضيرها من أجل التهريب الدولي.
وفي شهر مارس (آذار) الماضي أحبطت سلطات الميناء أيضاً محاولة تهريب 24 سيارة فاخرة مسروقة في كندا، وكانت متوجهة إلى دولة الإمارات عبر ميناء طنجة المتوسط، في ما تتجاوز القيمة الإجمالية لهذه السيارات المسروقة 2 مليون دولار.