ملخص
أظهرت الأزمة الأخيرة التي عاشها مجلس نواب الشعب التونسي وسرعة تجاوزها رغبة النواب الجدد في تغيير الصورة التي علقت بأسلافهم
أظهرت الأزمة الأخيرة التي عاشها مجلس نواب الشعب التونسي وسرعة تجاوزها رغبة النواب "الجدد" في تغيير الصورة التي علقت بأسلافهم جراء الخلافات التي أوصلتهم إلى طريق مسدود بحسب مراقبين للشأن العام في تونس، فيما يراه آخرون مزايدة بديمقراطية غير موجودة بالأساس.
وعرف البرلمان التونسي خلال الأيام السابقة أول صراعاته بين رئاسة المجلس والنواب غير المنتمين إلى كتل، وذلك على خلفية انسحاب هؤلاء النواب، وعددهم 39 نائباً من الجلسة العامة الثلاثاء الماضي، احتجاجاً على ما اعتبروه خرقاً للنظام الداخلي من خلال تمرير مقترح يهدف إلى التقليص من عدد ممثليهم في هياكل البرلمان من لجان ومكتب البرلمان مقابل تعزيز وجود ممثلي الكتل البرلمانية.
يشار إلى أن رئيس المجلس إبراهيم بودربالة أمهل النواب غير المنتمين إلى كتل يومين من أجل تقديم مرشحين، وبحسب تصريح خاص للنائب عن غير المنتمين هشام حسني فإنهم سيذهبون في هذا الخيار ضماناً لحسن سير تنظيم المجلس، لكن حسني لم ينكر أن "المقترح المقدم يمثل تجاوزاً كبيراً بالنظام الداخلي وهو سابقة خطرة في بداية أشغال البرلمان". واستدرك قائلاً "في الحقيقة ما وقع هو ظاهرة صحية يؤكد أن رئيس المجلس تحت الرقابة، واليوم تنازلنا لأننا لا نتشبث بالمناصب وهدفنا خدمة الشعب".
وأعلن بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب خلال الجلسة العامة في 18 مايو (أيار) الجاري، عن توزيع المسؤوليات بمكتب المجلس، تبعاً لما تم التوصل إليه خلال اجتماع رؤساء الكتل، عملاً بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 31 من النظام الداخلي التي تنص على أنه "يتم اعتماد النواب المساعدين للرئيس، ما عدا نائبيه، بالتمثيل النسبي. وللكتل الأكثر أعضاء الأولوية في اختيار المسؤوليات بالتناوب واحدة بواحدة، وتراعى في ذلك حصة مجموع غير المنتمين".
نفي التهمة
ورأت الصحافية في الشأن السياسي كريمة دغراش أن الأزمة الحالية تظهر بشكل واضح مخاوف النواب الحاليين من الصورة التي التصقت بالنواب السابقين. وأضافت أن النواب الجدد يريدون تغليب مبدأ التوافقات على مبدأ الخلافات. وقالت إن هذه الأزمة لن تكون الأخيرة ولا يمكن أن يسير مجلس نواب من دون خلافات. ولفتت دغراش إلى أنه على رغم أن معظم النواب في المجلس الحالي يمثلون مسار الرئيس قيس سعيد فإن عديداً منهم يريدون نفي تهمة أنهم نواب شكليون يتحركون في مربع مرسوم لهم، وتابعت "بل إن العمل في المجلس الحالي سيكون فرصة ليظهر بعضهم العكس وأنهم يمثلون الشعب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار إلى أن النواب المستقلين أصدروا بياناً لفتوا فيه إلى أن ما حصل "خرق واضح للنظام الداخلي"، وجاء في النص أيضاً "وما حصل هو رغبة من رئيس مجلس النواب لتوجيه عملية التصويت لصالح الكتل على حساب النواب غير المنتمين إلى الكتل".
وبرر النائب ظافر الزغيدي، صاحب المقترح الذي اعتبره النواب المستقلون إقصاءً لهم، أنه جاء "في إطار الحرص على إنجاح مسار تركيز مختلف الهياكل النيابية واستكمال ما يتطلبه تشكيل مكتب المجلس على وجه الخصوص بما يضطلع به من صلاحيات مهمة مرتبطة بحسن سير تنظيم المجلس وضمان النجاعة المطلوبة لأشغاله".
المزايدة بالديمقراطية
من جانبه رأى الصحافي مراد علالة أن "ما حصل في البرلمان قبل أيام مجرد مزايدة بين النواب من دون الأخذ في الاعتبار أن ما يأتون به شكلاً ومضموناً يسيء إلى أنفسهم أولاً وإلى المؤسسة التشريعية والمشروع السياسي الذي ينخرطون فيه ثانياً، ونقصد به مشروع رئيس الجمهورية قيس سعيد". أضاف "ما غاب عن النواب المستقلين أو غير المنتمين إلى كتل هو أنهم كبقية النواب يتحركون في مربع 25 يوليو (تموز)، بالتالي فإن المزايدة بالديمقراطية لا معنى لها". وتابع "وكذلك الأمر بالنسبة إلى رفض التحزب والانتماء أو تشكيل الكتل من جهة، وفي الوقت نفسه التحدث والتصرف على أساس كتلة متناغمة ومنسجمة لا تختلف في شيء عن بقية الكتل، وهذه هي التقية أو لعبة الاختباء إن جاز القول". ورأى علالة أن "الأزمات من هذا القبيل ستتواصل في الأيام المقبلة، وعمليات الاستعراض والمزايدة ستكون هي الوسيلة المفضلة ليس لكل النواب المستقلين أو غير المنتمين وإنما لعدد محدود منهم، منهم من غازل وطرق باب الأحزاب والكتل الأخرى من دون جدوى ومنهم من يريد أن يصنع مجداً فردياً أسوة بالرئيس ربما"، والأرجح، بحسب علالة، أن "حدة الأزمات وتمظهراتها في هذا البرلمان الجديد الذي يعمل تحت سقف مسار رئيس الجمهورية لن تبلغ ما كنا عليه في البرلمانات السابقة بشكل عام، فإلى جانب الذكرى المخيفة لحل مجلس نواب الشعب في 25 يوليو 2021 ثمة أيضاً اختلاف في موازين القوى وفي خصال واستعدادات النواب الحاليين مقارنة بالنواب القدامى الذين كانوا أصحاب سير ذاتية ثرية ومثيرة للجدل، وكانوا ينتمون إلى أحزاب وكيانات سياسية قوية ومتجذرة ولها إمكانات مادية رهيبة، بالتالي، فإن هؤلاء النواب المستقلين أو غير المنتمين إلى كتل سيواصلون بين الفينة والأخرى خلق الزوبعة تلو الزوبعة، لكن من دون تغيير المعادلات داخل المجلس أو خارجه ومن دون أن يلتفت إليهم ساكن قرطاج رئيس الجمهورية قيس سعيد".
يشار إلى أن النواب المستقلين أكدوا أنهم يرفضون التكتل والتحزب وأن انتخابهم جاء على أساس الأفراد لا على أساس الأحزاب، وهو نهج الرئيس قيس سعيد، وفي هذا السياق رفضت النائبة منال بديدة في تصريح خاص وصفهم بالمعارضة، مضيفة أن أحد النواب قسم المجلس كتلاً حاكمة وأخرى معارضة وهم من غير المنتمين، ونفت بديدة هذا التصنيف قائلة "نحن لسنا بالمعارضة بل نحن الحزام الضامن لمسار 25 يوليو والضامن لقرارات سعيد، ونحن ترشحنا على الأفراد وأحرار من التحزب والتكتل".