ملخص
لعل الرسالة الأبرز في زيارة عبداللهيان إلى الجنوب اللبناني تكمن في محاولة تذكير تل أبيب بأن البحث عن ساحات جديدة للضغط على إيران لن يبقى من دون رد
ليس صدفة أن يقرر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان القيام بزيارة إلى النقطة صفر من الحدود اللبنانية - الفلسطينية عند بلدة مارون الراس الجنوبية، وإلى حديقة "إيران" بالتحديد، في زيارته الأخيرة إلى لبنان، وأن يلتقط صوراً تظهر في خلفيتها مناطق واسعة من أراضي الجليل، فقد سبق أن قام عبداللهيان بزيارات متكررة خلال السنتين الماضيتين، ولم يحصل أن أدرج على جدول زياراته مثل هذا الأمر أو الزيارة.
زيارة الوزير الإيراني إلى الحدود الفلسطينية تفتح التعاطي مع أهدافها على رسائل متعددة، بخاصة تلك التي يمكن إدراجها في دائرة الخطوات المرتبطة مباشرة بالصراع بين طهران وتل أبيب، والذي شهد في الأشهر الأخيرة تطوراً مختلفاً عما كان عليه في السابق، أي الهدوء الذي فرضته مخرجات حرب عام 2006 بين إسرائيل ولبنان ومع "حزب الله" الحليف الأساس للنظام الإيراني في المنطقة والذراع الرئيسة في المشروع الإقليمي لطهران.
بداية يجب القول إن تل أبيب استطاعت جر طهران إلى الملعب أو المربع الذي تريده، وأجبرتها على اللجوء إلى خطوات انفعالية واستعراضية، من خلال الكشف عن معادلة جديدة تقوم على استعداد كلا الطرفين لاستخدام الورقة الجيوسياسية، أي الشمال الإيراني مع أذربيجان ومنطقة القوقاز الجنوبي مقابل الشمال الإسرائيلي الممتد من رأس الناقورة إلى مثلث الحدود بين سوريا والأردن وفلسطين، وعدم وجود محاذير لدى أي منهما لتحويلها إلى كرة نار تقع في حضن كل واحد منهما، في إطار الصراع القائم بينهما، وإمكانية إشعال المنطقة من دون أي اعتبار للآثار المترتبة عليها.
لا شك أن زيارة عبداللهيان إلى الجنوب اللبناني، واختيار المكان وما له من رمزية سلبية لمسها وعاشها الإسرائيلي في حرب 2006 مع "حزب الله"، تأتي في سياق الرد الإيراني على زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قبل أيام إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، والجولة التي قام بها بالقرب من الحدود الإيرانية الشمالية، وتفقده القاعدة الجوية التي وضعتها باكو في تصرف سلاح الجو الإسرائيلي، والتي تنحصر وظيفتها في استخدامها كقاعدة دعم جوي للقيام بعمليات عسكرية في العمق الإيراني لضرب المنشآت النووية والحيوية في إيران من دون أن تكون بحاجة إلى التزود بالوقود، وتمكنها من سرعة الانقضاض والانسحاب وتجنب وقوع خسائر أو تقليلها إلى الحد الأدنى، نظراً إلى ما تملكه إيران من منظومات دفاع جوي متقدمة.
عبداللهيان، وفي رد إيراني واضح على التطور غير المسبوق في العلاقة بين تل أبيب وباكو، وما تشكله من تحد ومصدر قلق استراتيجي يهدد الأمن القومي الإيراني ومصالح طهران الجيوسياسية والجيواقتصادية باتجاه منطقة القوقاز وأوروبا، وعلى حدودها الشمالية، وجه رسالة مباشرة للقيادة الإسرائيلية أن الخروج عن قواعد الاشتباك القائم بينهما، والتي تشكل الساحة السورية مسرحاً لها، هو أمر لن تسمح به طهران ولا حلفاؤها في الإقليم، وأن اللعب أو التدخل ومد اليد إلى مصالحها الاستراتيجية في القوقاز سيعيد إلى الواجهة المشهد الذي عاشته تل أبيب في 6-4-2023، جراء إطلاق صلية صواريخ قامت بها حركة "حماس" من الجنوب اللبناني رداً على التهديدات الإسرائيلية بإمكانية القيام بعمل عسكري لضرب العمق الإيراني والمنشآت النووية لتعطيل برنامج إيران النووي ومنعها من امتلاك سلاح نووي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتكشف هذه الرسالة عن أن التوتر والقلق الإيراني من التحرك الإسرائيلي والوجود الأمني والعسكري على حدودها الشمالية بلغ مستويات متقدمة، قد تجد نفسها على استعداد لإطاحة كل المعادلات القائمة، حتى ولو كانت على حساب استقلال وسيادة دول المنطقة وأن تدفع باتجاه الجهات المحاذية لإسرائيل في حال تم جرها أو أجبرت على فتح حرب مع جارتها أذربيجان دفاعاً عن مصالحها الاستراتيجية والقومية، وأن على القيادة الإسرائيلية العودة إلى قواعد الاشتباك والبقاء ضمن الأطر المتفق عليها للصراع، حتى لا تصل الأمور والتداعيات إلى إشعال حرب شاملة قد تأخذ المنطقة إلى فوضى خارجة عن السيطرة، وهذا ما لا يريده ولا يرغب به النظام الإيراني، بخاصة أنه يراهن على الاستثمار في التطورات الإيجابية وانعكاسات الاتفاق الثلاثي الذي وقعه مع السعودية برعاية صينية، وما قد يساعد فيه من رسم معادلات جديدة في الإقليم، وهي معادلات يتخوف الإسرائيلي أن تكون على حساب مصالحه وتفوقه وقدرته على التحكم، وهي مخاوف تكمن وراء التحرك الذي بدأه باتجاه دول القوقاز وآسيا الوسطى، ومحاولة جر إيران للدخول في دائرة القلق والخوف على أمنها القومي المباشر.
ولعل الرسالة الأبرز في زيارة عبداللهيان إلى الجنوب اللبناني تكمن في محاولة تذكير قيادة تل أبيب بأن البحث عن ساحات جديدة للضغط على إيران وتهديدها لن يبقى من دون رد، وأن على هذه القيادات ألا تنسى أو لا تغيب عنها المعادلة الجديدة التي أرستها مطلع شهر أبريل (نيسان) 2023، والمتمثلة بمعادلة "وحدة الساحات" والتي تبلورت على مستويين، الأول على مستوى الفصائل الفلسطينية واستعدادها لتكريس وحدة قرارها في فتح معركة موحدة ضد إسرائيل، والثاني على مستوى الحلفاء أو الأذرع والقوى المتحالفة معها على صعيد الإقليم من اليمن مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا ولبنان وفلسطين، والتي برهنت أنها قادرة على العمل وحدة واحدة تحت القيادة الإيرانية وفي إطار الرؤية الاستراتيجية لقيادة النظام في طهران، وأيضاً بما يخدم مستقبل دور هذه القوى على الساحات الداخلية في أوطانها وعلى مستوى المعادلات الإقليمية، بالتالي فإن اللعب الإسرائيلي في الشمال الإيراني سيكون الرد عليه من هذه الساحات والتي قد تنقل المنطقة إلى حالة لا أحد يرغب بها.