Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللبنانيون وآلة التنبيه... صوت الغضب والفرح والفوضى والأزمات

تخلف اضطرابات النوم والإجهاد والصداع وارتفاع الضغط والاكتئاب وأسبابها قلة الوعي وضعف البنى التحتية ورخاوة القانون

موكب من المتظاهرين يتجولون بالسيارات في أحد شوارع العاصمة اللبنانية بيروت (رويترز)

ملخص

لا يمكن تفسير هذه الظاهرة بشكل كامل من دون مراعاة العوامل الاجتماعية الأوسع تأثيراً في سلوك المجتمعات والأفراد، فلماذا يسرف اللبنانيون في استخدام آلة التنبيه أثناء القيادة؟

وسط شوارع بيروت، يقف الشرطي المسؤول في محلة المزرعة منزعجاً من أصوات آلات تنبيه السيارات، ومندهشاً من هذا الولع المفرط بالصخب والضوضاء من قبل قائديها على رغم أنها بالكاد تتحرك بسبب الزحام، يقول الرجل "للأسف الشعب اللبناني حالياً يلزمه مهدئات وأدوية أعصاب، وأنا كشرطي أتجاوز عن بعض المخالفات غير المقصودة، وأبرزها استخدام الزمور الذي يزعجني شخصياً، لكنني أعرف وضع المواطن حالياً، ولا أريد أن أصنع مشكلة من موضوع عابر".

شرطي آخر اقتبس ما قاله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بأن "علينا أن يتحمل بعضنا بعضاً في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها لبنان"، لافتاً إلى أنه يحاول "التساهل مع بعض التجاوزات في ما يتعلق باستخدام الزمور، لأن المشكلة هنا تكمن بالتوعية حول قوانين السير قبل الإقدام على إعطاء الشخص رخصة قيادة".

يلتقط شرطي ثالث طرف الحديث قائلاً "القيادة أخلاق، والقوانين ملزمة، ومثلما ألتزم القوانين في مديريتي، فعلى المواطن أن يمتثل لقوانين السير، وإلا فإن الغرامة هي الحل ليتعظ ويكون عبرة للآخرين".

لغة الضوضاء ولعنتها

ظاهرة الاستخدام المتكرر لآلة تنبيه السيارات في البلدان العربية أثناء القيادة مشكلة اجتماعية معقدة تمتد تداعياتها إلى الأفراد والمجتمعات. وفي لبنان تنتشر الظاهرة بشكل كبير، إذ يستخدم كثيرون آلة التنبيه بشكل مفرط للتعبير عن غضبهم أحياناً، أو لجذب الانتباه خلال الأزمات والتظاهرات، أو للتعبير عن فرحهم في حفلات الزفاف أو بانتصار فريق سياسي أو رياضي معين، ويتم ذلك بصورة غير منضبطة في كثير من الأحيان.

ولا يمكن تفسير هذه الظاهرة بشكل كامل من دون مراعاة العوامل الاجتماعية الأوسع تأثيراً في سلوك المجتمعات والأفراد، إذ ينظر إليها في بعض الثقافات على أنها وسيلة للتواصل بين البشر، بينما في ثقافات أخرى تعتبر سلوكاً مزعجاً خارجاً عن إطار التهذيب والاحترام واللباقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السائق رياض عيتاني من منطقة المصيطبة في بيروت، يقول "لا أستخدم الزمور إلا عند الضرورة، والضرورة عندي دائماً متوفرة، إذ إنني أستخدمه كسؤال للزبائن عن وجهتهم، والاستخدام الآخر حين أريد أن أشتم سائقاً تجاوزني للوصول إلى الراكب".

بدوره، يقول السائق محمد مزهر من سكان محلة المزرعة "نادراً ما أسمع عن غرامة لاستخدام الزمور، فقد تعودت آذاننا على هذا التلوث السمعي، ونستطيع التأكد من ذلك أمام المستشفيات والمدارس حين نرى شارة تحذر من استخدام الزمور، لكننا ما نلبث أن نسمع الزمامير بأعلى وتيرة عند هذه التقاطعات".

وائل قرنوح من سكان "سليم سلام"، وهي منطقة مزدحمة بالسكان والسيارات في العاصمة بيروت، يشير إلى أن "الزمور يصل إلى أذنيَّ على رغم تركيبي عازلاً للصوت، وهذا الأمر يصيبني بالتوتر خصوصاً حينما أصحح مسابقات الطلاب لدي، وقد لجأت إلى طبيب نتيجة الشعور بالقلق مساء. ووصف لي مهدئات استخدمتها على فترات متفاوتة للتخفيف من حدة هذه المستقبلات السمعية".

جدل القانون والواقع

يوضح القاضي شربل الحلو لـ"اندبندنت عربية" أنه "بموجب قانون السير اللبناني رقم 243 بتاريخ 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، في شأن ما يعرف شعبياً بالزمور، ويسميه قانون السير جهاز التنبيه، فقد نصت المادتان 93 و39 على وجوب تزويد المركبات به، ونظمتا استعماله".

بالنسبة إلى العقوبات في حال استخدمت آلة التنبيه بصور مخالفة، يشير الحلو إلى أنه "عند الحالات المسموح فيها بالزمور يحدد القانون كيفية استعماله نهاراً، وذلك بإشارات متقطعة وقصيرة ومعتدلة. أما في الليل فلا يستعمل إلا في الحالات القصوى، وكذلك داخل المناطق المأهولة بالسكان، حيث يحظره القانون في ما عدا الحالات الطارئة".

هذا عن التنظيم القانوني لآلة التنبيه، أما واقع الحال فيشير إلى أنه في المواكب والأعراس تطلق أبواق السيارات بلا قيود أو رقابة أو لياقة.

توضح الباحثة في علم الاجتماع ليلى شمس الدين لـ"اندبندنت عربية"، أن "الإفراط في استخدام الزمور يمكن أن يكون ضاراً بصحة الفرد والمجتمع بشكل عام. فبجانب التأثير في اضطرابات النوم، قد تؤدي الضوضاء المتكررة والمزعجة إلى تقليل التركيز وزيادة مستويات الإجهاد والتوتر، وهو ما يمكن أن يسبب خطر الإصابة بأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والصداع والتعب المفرط والقلق والاكتئاب، كما أن الضوضاء المزعجة يمكن أن تؤثر في البيئة المحيطة بالفرد، بالتالي الحياة اليومية للمجتمع المحلي، لذلك يجب أن يتم استخدام الزمور بحذر وعلى نحو ملائم في الحالات التي يكون فيها ذلك ضرورياً".

ترى شمس الدين أن "هناك عوامل نفسية عدة وراء الظاهرة، مثل حالات الغضب التي تنتاب السائق مما يؤدي إلى فقدانه السيطرة على استخدام الزمور، الأمر الذي ينعكس سلباً على الأشخاص الذين يتلقون هذا الفعل، وقد يتفاقم الغضب ويؤدي إلى سلوكيات قيادة عدوانية وغير آمنة مثل تجاوز السرعة، كما أن هناك تداعيات أخرى لهذا الاستخدام، إذ يسهم في تشتيت الانتباه عندما يكون متكرراً أو قوياً، مما يزيد من أخطار وقوع الحوادث".

أما عن التفسيرات الاجتماعية لهذه المشكلة المرتبطة بثقافة المجتمع، فتشير شمس الدين إلى أن "الناس في أغلب الدول العربية غير معتادين على اتباع القوانين ومراعاة مشاعر الآخرين، ويرون في الزمور شكلاً من أشكال التواصل، إما للتنبيه إلى وجودهم، أو التحذير من خطر، أو التعبير عن الغضب والإحباط، أو حتى إرسال رسالة شكر، وفي مناسبات الزفاف أو التعبير عن النصر والفوز. أما في بعض المجتمعات فيمكن أن ينظر إليه على أنه تصرف غير أخلاقي ومزعج، بالتالي يتم حظره أو تقييده بموجب القوانين".

ما العمل؟

من جهة أخرى، فإن عدم التزام القوانين يؤدي إلى انتشار الفوضى وعدم القدرة على ضبط الأمور. وتلفت شمس الدين إلى أن "سهولة الحصول على رخص قيادة على سبيل المثال واحدة من الأمور التي تعزز عدم التزام القوانين، وتزيد من خلالها جميع تجاوزات قائدي السيارات".

يشير بعض علماء الاجتماع إلى أن هناك دوراً للبنى التحتية والتخطيط الحضاري في تفاقم هذه السلوكيات الضارة، فالطرقات الضيقة والتقاطعات السيئة التصميم تزيد من احتمالية وقوع الحوادث، وتجعل بعض السائقين يلجأون إلى آلة التنبيه بكثرة للحماية منها. وفي المقابل يمكن للبنى التحتية الجيدة أن تحسن من سلوك القيادة لتكون أكثر أماناً ومراعاة لظروف الناس.

وفي حين ترى شمس الدين أن "استخدام الزمور له عواقب وخيمة على المجتمعات"، فإنها تؤكد "أهمية معالجة المشكلة من خلال التثقيف وحملات التوعية الصارمة والدقيقة".

المزيد من العالم العربي