Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

40 في المئة من الأردنيين يستدينون مع بداية كل شهر

كيف تحولت هذه الأزمة إلى أسلوب حياة في ظل الغلاء؟

مواطنون أردنيون أمام أحد البنوك بالعاصمة عمان (اندبندنت عربية - صلاح ملكاوي)

ملخص

تغيرت عادات وأنماط الاستدانة في الأردن والقروض الفردية زادت على 16 مليار دولار، وإجمال الديون على الأسر يشكل نحو ثلثي دخلهم السنوي وعدد المقترضين في البلاد يبلغ نحو مليون شخص 78 في المئة منهم ذكور.

يواجه كثر من الأردنيين مع بداية كل شهر أزمة مالية حتمية، إذ تتزايد حاجاتهم إلى حد يفوق قدراتهم على تغطية النفقات الأساسية، مما يدفعهم إلى الاستدانة من مصادر متعددة. ووفقاً لبعض التقديرات يلجأ 40 في المئة من الأردنيين للاستدانة مع بداية كل شهر، سواء عبر القروض البنكية، أو المرابحات الإسلامية، أو حتى الاقتراض من الأصدقاء والأقارب. ويقول "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات" في استطلاع له إن عبء الديون هذا يأتي بموازاة ما يشهده الأردن من ثبات الأجور، وانخفاض القوة الشرائية، وارتفاع الأسعار.

أرقام مقلقة

شهدت البلاد في السنوات الأخيرة موجات من الغلاء غير المسبوق، بدءاً بالمواد الغذائية الأساسية إلى أسعار الوقود والكهرباء وحتى الإيجارات. كما أن معدلات التضخم ارتفعت بنسبة تجاوزت خمسة في المئة عام 2024 وفقاً للبنك المركزي الأردني الذي يؤكد أيضاً أن إجمال القروض الاستهلاكية الممنوحة للأفراد بلغ نحو 16 مليار دولار حتى نهاية 2023. كما أن نسبة القروض المتعثرة في الأردن وصلت إلى ثمانية في المئة في بعض البنوك. في حين تقول الأرقام الرسمية إن نسبة الفقر تجاوزت 24 في المئة والبطالة زادت على 22 في المئة، مما فاقم أعباء الحياة اليومية على المواطنين.

أمام هذه الأرقام المقلقة يرصد مراقبون تحولا جذرياً في أنماط تعامل الأردنيين مع المال، فبينما كان الاقتراض ينظر إليه سابقاً كحل موقت للأزمات المالية المفاجئة، أصبح اليوم وسيلة دائمة لتغطية الحاجات الأساسية. ويلجأ الأردنيون، وفق هذه الحال الجديدة، إلى ثلاثة خيارات كالقروض الشخصية من البنوك التجارية، ونظام المرابحات من البنوك الإسلامية، فضلاً عن الاقتراض غير الرسمي من الأهل والأصدقاء، أو حتى عبر الدكاكين ونظام "الدفتر" الذي ما زال قائماً حتى يومنا هذا.

فخ أم ثقافة؟

يقدر عدد المقترضين في الأردن بنحو مليون شخص 78 في المئة منهم ذكور، والباقي إناث. وشهدت أنماط الاقتراض والاستدانة بين الأردنيين تحولات ملحوظة على مدار العقود الماضية، متأثرة بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المملكة. ويعزو خبراء اقتصاديون تزايد اعتماد الأردنيين على القروض والاستدانة إلى الارتفاع المستمر في كلف المعيشة، إذ يسعى المواطنون إلى تغطية نفقاتهم الأساسية، مثل إيجارات المنازل ورسوم التعليم والفواتير المتراكمة في ظل محدودية الدخل وضعف القدرة الشرائية. كما أن البنوك والمؤسسات المالية من خلال تقديم تسهيلات ميسرة وإجراءات مرنة للحصول على القروض الشخصية أسهمت في تعزيز ثقافة الاقتراض، إذ باتت هذه القروض متاحة بسهولة، مما دفع كثيرين إلى الاستدانة من دون تقدير دقيق للعواقب المالية طويلة الأمد.

ويرى مراقبون أن معظم الأردنيين في ظل جمود الأجور وتدني متوسط الدخل الشهري الذي لا يتجاوز 500 دولار أصبحوا مرتهنين للقروض البنكية والمؤسسية، مع التزامات سداد تمتد سنوات طويلة، مما حول الدين من حل موقت للأزمات إلى نمط معيشي دائم يفرض تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة.

تأمين السيولة

وأكد محمد الذي اضطر إلى اللجوء للقروض والديون لتغطية كلف زواجه أنه بات مجبراً على الاستدانة مجدداً لسداد فوائد القرض الأول المتراكمة، فكل راتبه يذهب للبنك ويجد نفسه بعد أيام قليلة من بداية كل شهر بلا أية سيولة. والحال ذاتها مع أم أيمن، ربة المنزل، التي تلجأ إلى الاستدانة من أجل تغطية كلف دراسة أبنائها، وتحاول سداد مبلغ 5000 دينار أردني (نحو 7000 دولار) كل شهر، لكنها تعجز عن ذلك مع تفاقم الفوائد وقلة الدخل.

غير أن قصة أم أسامة أكثر مرارة، وهي التي تقطن في منطقة شعبية، وتقول إن كل ديونها مقيدة في "دفتر البقالة" الذي بات يمثل ملاذاً لكثيرين من الفقراء الذين يعيشون من خلال الاستدانة لتوفير المواد الغذائية وحاجاتهم اليومية فحسب، وغالباً ما ينتهي هذا الأمر بمشكلات اجتماعية وخلافات عائلية، إذ لا توجد أية ضمانات قانونية للسداد.

"دفتر البقالة" دفع مجموعة من المتطوعين الأردنيين يقدر عددهم بـ500 شاب وشابة لإطلاق مبادرة فريدة من نوعها للتخفيف عن هؤلاء الفقراء من خلال فريق يجوب القرى والمحافظات الأردنية، ويقوم بتسديد دفاتر الديون في البقالات والمخابز والصيدليات تحت اسم مبادرة "صفحتك بيضا".

أعباء نفسية واجتماعية

ومن شأن اللجوء للديون والاقتراض أن تراكم الأعباء النفسية والاجتماعية للمواطنين بسبب تزايد المطالبات وعدم القدرة على سدادها وتراجع القدرة على الادخار أو توفير أية أموال للمستقبل في ظل الانهماك في تسديد الديون المتراكمة. فبين دوامة القروض الشخصية والديون يجد الأردنيون أنفسهم عالقين في حلقة مفرغة لتغطية أساسيات حياتهم في مشهد يرى مراقبون أنه سيستمر سنوات طويلة ما لم يتم تعزيز ثقافة الادخار، ووضع سياسات مالية أكثر دعماً لذوي الدخل المحدود، وإطلاق برامج توعية مالية تساعد الأفراد على التخطيط المالي بصورة أفضل. ويرى آخرون أن ظاهرة الاستدانة قد تزيد التوتر الاجتماعي وتفاقم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، وقد تؤدي إلى احتجاجات واضطرابات اجتماعية.

متعددة الأبعاد

ولفت المتخصص في الشأن الاقتصادي في "الجامعة الأردنية" رعد التل إلى أن ظاهرة الديون لدى الأردنيين متعددة الأبعاد ينبغي فهمها بكل تعقيداتها للوصول إلى حلول مناسبة، "ولا يمكن تفسيرها فقط بشيوع أنماط الاستهلاك غير الصحية للأفراد"، وأشار إلى دراسة صادرة عن "منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية" (أرض) تقدر متوسط نسب الدين للأسرة الواحدة بـ43 في المئة من دخل الأسرة المعيشية.

وتقول تقديرات أخرى إن معظم المتخلفين عن سداد ديونهم في الأردن حرروا شيكات من دون رصيد حسب الدراسة، لكن كل ذلك لم يمنع زيادة نسبة عدد المقترضين أكثر من الضعف خلال الأعوام الأخيرة.

ديون من دون ادخار

وتظهر أرقام رسمية للبنك المركزي أن نسبة الادخار لدى الأردنيين انخفضت في آخر عامين إلى 4.35 في المئة، في مقابل زيادة متطلبات الإنفاق بخاصة على الحاجات الأساسية.

وتؤكد "جمعية البنوك الأردنية" بدورها أن مديونية الأفراد لدى البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية شكلت ما نسبته 67 في المئة من إجمال الدخل السنوي للأسر الأردنية، أي إن إجمال الديون على الأسر يشكل نحو ثلثي دخلهم السنوي، وتنقسم إلى قروض سكنية وقروض شخصية وقروض سيارات وقروض بطاقات ائتمان وقروض استهلاكية.

وتقول "الجمعية" إن عبء مديونية الأفراد يقاس بقيمة الأقساط والفوائد السنوية التي يدفعها المقترض إلى الدخل، وقد شكلت نسبة عبء الدين في الأردن نحو 40 في المئة في المتوسط من إجمال الدخل السنوي للمقترض.

ويشير خبير التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي إلى أن نحو 96 ألف متقاعد أردني يعانون هم وأسرهم الفقر المدقع بسبب تقاضيهم رواتب تقاعدية متواضعة لا تزيد على 250 دولاراً. ويضيف الصبيحي أن خط الفقر المطلق في الأردن هو نحو 1100 دولار في الشهر.

وتشير إحصاءات إلى اقتراض الأردنيين نحو مليار ونصف مليار دولار من البنوك لشراء سيارات فقط.

ويعتبر المتخصص الاقتصادي محمد البشير أن الاقتراض الدائم من سمات المجتمع الاستهلاكي، مضيفاً أنها معضلة تترتب عليها تبعات على الاقتصاد الوطني من حيث توجيه الاستهلاك بعيداً من السلع الأساسية التي تهم المجتمع، نحو السلع ذات الطابع الرفاهي ما يصنف مستوى الاستهلاك للأسر الأردنية بصورة لا تتوافق مع مستوى دخلها.

المزيد من العالم العربي