ملخص
يواجه التونسيون منذ سنوات أزمة نقص أو فقدان الأدوية سواء في الصيدليات الخاصة أو المستشفيات العامة، لا سيما تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة والخطيرة، ما يضطر الأطباء إلى تغيير البروتوكولات الطبية أحياناً من أجل علاج مرضاهم وفق المتاح بين أيديهم.
فترة زمنية صعبة لم يستطع نبيل بوكحيلي محوها من ذاكرته، بل يستعيد تفاصيلها بين حين وآخر بعد أن قبض المرض الخبيث (السرطان) على جسد ابنه ولم يتركه إلا جثة هامدة... رحلة صعبة كان الأب المتقاعد من المؤسسة العسكرية في تونس كالقابض على جمرتين إحداهما آلام الابن والثانية عدم توافر الأدوية المطلوبة.
عاش بوكحيلي أياماً صعبة انتهت برحيل ابنه لكنه وصفها بكلمات قاسية "لا أحد يمكن أن يضع نفسه في مكان إنسان عاش معاناة العلاج بالكيماوي عموماً، وفي تونس خصوصاً، نظراً لصعوبة إيجاد الدواء الذي يختفي أحياناً، علاوة على ثمنه الباهظ الذي لا يقدر عليه محدودو الدخل".
حول الأب نبيل إحدى غرف بيته إلى مكان لتجميع الأدوية التي يتحصل عليها من التبرعات داخل البلاد أو خارجها ثم يوزعها على مستحقيها، وأسس صحبة مجموعة من الأطباء والصيادلة صفحة خاصة على "فيسبوك" لتسهيل تجميع الأدوية التي يتبرع بها مواطنون من تونس أو من خارجها، لكنها ليست الصفحة الوحيدة، إذ توجد عشرات الصفحات تعمل على نفس الهدف.
معاناة يومية
منال شابة ثلاثينية تقطن بالعاصمة تونس تقول إنها نجحت في توفير بعض الأدوية بعد تواصلها مع مواطنين بمحافظة سوسة الواقعة على الساحل الشرقي للبلاد عبر صفحة خاصة لتوفير الدواء المفقود على "فيسبوك"، وهي ملك لمجموعة من المواطنين، مضيفة "أصبح البحث عن دواء معاناة يومية لأصحاب الأمراض المزمنة الشيء الذي جعلني ألجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبرت منال عن امتنانها لهذه المبادرة الإنسانية إلى أبعد الحدود، داعية التونسيين إلى التكاتف في مثل هذه الأوقات الاستثنائية التي تعيشها البلاد، مطالبة الدولة كذلك بتحمل مسؤولياتها أمام مواطنيها، بخاصة أصحاب الاحتياجات الخاصة.
أما الناشط في المجتمع المدني منذر الذوادي فقد رصد أزمة الدواء في تونس بقوله "منذ انتشار جائحة كورونا أسسنا صفحة خاصة على موقع التواصل (فيسبوك) من أجل تقديم المساعدات، خصوصاً لمن يحتاج جهازاً للتنفس في ظل عدم توافره بالمستشفيات العمومية".
وواصل منذر "منذ ذلك الوقت أصبحت الصفحة فضاءً لتقديم المساعدات مثل توفير الأدوية المفقودة أو مساعدة أشخاص غير قادرين على تحمل تكاليف بعض الأدوية الغالية أو التبرع بالمعدات الطبية ككراسٍ لذوي الهمم أو الأسرة الخاصة بالمرضى والتي عادة يتبرع بها أشخاص فقدوا ذويهم".
ويواجه التونسيون منذ سنوات أزمة نقص الأدوية أو فقدان البعض منها، سواء في الصيدليات الخاصة أو المستشفيات العامة، لا سيما تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة والخطيرة، ما يضطر الأطباء إلى تغيير البروتوكولات الطبية أحياناً من أجل علاج مرضاهم، وفق ما يتوافر من أدوية في رفوف صيدلياتهم.
مبادرات خيرة
الجمعية التونسية للصيادلة قالت في تقرير صادر عنها إن هناك حوالى 700 دواء ظلت مفقودة حتى أواخر العام الماضي، وتشمل بعض أدوية الأمراض المزمنة وأخرى للخطيرة.
وتوقع رئيس نقابة الصيادلة في تونس نوفل عميرة، أن يكون عام 2023 الأصعب من حيث التزود بالدواء في ظل الأزمة المالية التي تعيشها البلاد، محذرة من عدم القدرة على الوفاء بالكمية المطلوبة سنوياً من الخارج بسبب عدم توافر السيولة المالية.
وطالب عميرة في حديث إلى "اندبندنت عربية"، السلطات التونسية بإعداد مخطط وطني لمجابهة نقص الأدوية وإنقاذ الصيدلية المركزية باعتبارها المزود الحصري للسوق المحلية بالأدوية، موضحاً أن صناعة الدواء المحلية تواجه بدورها صعوبات ارتفاع كلفة الإنتاج والمواد الأولية لصناعتها.
ووفق تقارير إعلامية محلية واستناداً لتصريحات العاملين في القطاع الطبي فإن الصيدلية المركزية التونسية تعاني عجزاً مالياً كبيراً بسبب الديون المتراكمة من المستشفيات والصندوق الوطني للتأمين الصحي، ما جعلها غير قادرة على استيراد الأدوية من الخارج.
وفي إطار الحلول الخاصة والمبادرات الخيرية لتوفير بعض الأدوية المفقودة، قال عميرة إن "الصيادلة بدورهم يساعدون المرضى على البحث عن بدائل للأدوية التي يصفها الأطباء بحسب ما يتوافر في السوق".