ملخص
تطالب الهياكل القضائية السلطة في تونس بالكف عن التدخل في أعمالها وإعادة القضاة المعزولين إلى وظائفهم، بينما تنفي السلطة أي تدخل في سير المرفق القضائي.
يواجه القضاء في تونس تحديات كبيرة بسبب ثقل المسؤولية التي يحملها إياه رئيس الجمهورية، قيس سعيد، من أجل التسريع في "محاسبة كل من أجرم في حق الشعب التونسي".
وكان الرئيس التونسي قد شدد الثلاثاء على "ضرورة محاسبة كل من أجرم في حق الشعب ونهب مقدراته وما زال يعمل على بث الفتنة وتأجيج الأوضاع الاجتماعية"، مؤكداً إيمانه العميق باستقلالية القضاء والقضاة.
وقال خلال لقاء مع وزيرة العدل ليلى جفال "كما نريد ألا يظلم أحد، لا نريد أيضاً أن يبقى من ظلموا الشعب ونكلوا به وما زالوا في غيهم في افتعال الأزمة تلو الأزمة خارج المساءلة في إطار محاكمات عادلة يعامل فيها الجميع على قدم المساواة".
وشهد المرفق القضائي كثيراً من الإجراءات منذ 25 يوليو (تموز) 2021، اعتبرتها الهياكل القضائية تدخلاً في عملها مما أفقدها استقلاليتها عن السلطة التنفيذية.
وشملت تلك الإجراءات تغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وتعيين مجلس جديد موقت، بعد أن كان منتخباً، وتجريده من صلاحياته، إضافة إلى اعتبار القضاء "وظيفة" في الدستور الجديد لعام 2022 وإصدار الرئيس التونسي المرسوم الذي أعفى بمقتضاه عشرات القضاة.
وتتهم الهياكل القضائية السلطة التنفيذية بممارسة الضغط عليها من خلال التدخل في النيابة العمومية، وهو ما جعل المرفق القضائي يعمل تحت الضغط. فهل تتدخل السلطة التونسية في القضاء؟ وهل فقد استقلاليته؟
تدخل السلطة
يؤكد القانون الدولي والمبادئ الأساسية للأمم المتحدة أن "السلطة القضائية يجب أن تكون محايدة، وأن تتعامل مع جميع القضايا بشكل غير متحيز، وأن تكون مستقلة سياسياً وأن تعمل من دون خوف، أو إغراءات أو ضغوط من أي جهة كانت".
واقع الحال في تونس مختلف، وفق ما يؤكده رئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان، مراد المسعودي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، موضحاً أن "السلطة التنفيذية باتت تتدخل في سير القضاء، عبر التحكم في المسار المهني للقضاة، ومن خلال التدخلات المباشرة، وفي الخطابات المتشنجة والموجهة والتي تتهم القضاء وتحمله مسؤولية كل ما تعيشه البلاد من أزمات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير المسعودي إلى أن تغيير صبغة السلطة القضائية من "سلطة" إلى "وظيفة" في دستور 2022، "جرد القضاء من هيبته ومن مكانته، كما أن تغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء الذي كان منتخباً، فأصبح معيناً من رئيس الجمهورية، أفقد المؤسسة القضائية استقلاليتها، وباتت تحت تهديد مباشر من السلطة التنفيذية التي أصبحت تتدخل في سير القضاء من خلال الإعفاءات، والتحكم في المسار المهني للقضاة".
وفي السياق، يضيف رئيس جمعية القضاة الشبان أن مصطلح "الوظيفة" لا يستقيم من الناحية القانونية في القضاء، مشدداً على أن السلطة القضائية لا يمكن أن تكون إلا سلطة محايدة، لأنها تفصل في النزاعات بين السلطات والأفراد، مستغرباً منع القضاة من حقهم في الإضراب في الدستور الجديد.
وأشار إلى "الوضعية الاجتماعية الهشة لعدد من القضاة الذين تمت إقالتهم بمرسوم رئاسي، ورفضت وزارة العدل إعادتهم إلى وظائفهم، على رغم صدور أحكام إدارية باتة لصالح 49 قاضياً"، لافتاً إلى "تكدس الملفات القضائية بسبب النقص في عدد القضاة، إذ لا يمكن تحقيق العدالة في آجال معقولة بـ2600 قاض يعملون في ظروف صعبة".
تبعية كاملة
ومن جهتها، جددت الجمعية التونسية للقضاة، في بيان لها، إثر انعقاد المجلس الوطني للجمعية، في 27 مايو (أيار)، رفضها كل "الإجراءات التي استهدفت السلطة القضائية ونزعت منها صبغة السلطة المستقلة، وجعلتها مجرد وظيفة في تبعية كاملة للسلطة التنفيذية بما يشل من قدرتها على حماية الحقوق والحريات، والاضطلاع بدورها في تأمين محاكمة عادلة".
ويذكر أن الحركة القضائية لعام 2022 - 2023 لم تصدر حتى الآن، مما حرم القضاة من حقوقهم في النقلة والترقية المهنية، وهو ما اعتبرته الجمعية "سابقة خطرة".
ودعت جمعية القضاة إلى "إعادة بناء مقومات السلطة القضائية، ومؤسساتها المستقلة، ووضع الآليات الكفيلة بحماية القضاة من الضغوطات والتهديدات المتزايدة معبرة عن مساندتها القضاة المعفيين".
ويشار إلى أن تونس طلبت تأجيل زيارة المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية باستقلال القضاة والمحامين مارغريت ساترثويت، التي أقرت بـ"وجود عديد التهديدات التي تواجه استقلالية القضاء في تونس"، لافتة إلى أن "الفاعلين في السلطة يعملون على تقويض القضاء، والسيطرة عليه، من خلال التعيينات بحسب الولاء، والسيطرة على المجلس الأعلى للقضاة".
استقلال القضاء
وبينما يرثي المتابعون للشأن القضائي حال القضاء في تونس، يؤكد قيس سعيد، في كل مناسبة، احترامه استقلالية القضاء. وقد جدد خلال لقائه رئيس المجلس الأعلى الموقت للقضاء المنصف الكشو بقصر قرطاج "حرصه على استقلال القضاء، وعلى الدور الموكول للقضاة في إرساء العدل الذي من دونه لن يستقيم أي شيء، فضلاً على أن القضاء هو الحامي للحقوق والحريات".
كما حث سعيد على "التسريع في سد الشغورات وإعداد مشروع الحركة القضائية بناء على ما ورد في الدستور من أحكام إلى جانب النصوص الأخرى المتعلقة بأهم وظيفة داخل الدولة وهي القضاء".
وينفي الناشط السياسي، سرحان الناصري، في تصريح خاص "أن يكون القضاء في تونس غير مستقل بل يواجه الضغوط للتسريع في المحاسبة باعتبارها مطلباً شعبياً"، لافتاً إلى أن "القضاء تم توظيفه في العشرية الماضية كما تم تخريب المنظومة القضائية أما اليوم فقد بدأ القضاء يتخلص من سيطرة الأحزاب السياسية التي وظفته لمصالحها الضيقة".