ملخص
في معرضه الذي يستضيفه غاليري "مصر" في القاهرة تحت عنوان "أديم" يربط الفنان المصري جمال الخشن بين الأرض ووجوه البشر.
في معرضه الذي يستضيفه غاليري "مصر" في القاهرة تحت عنوان "أديم" يربط الفنان المصري جمال الخشن بين الأرض ووجوه البشر. هو يستعير من الأرض سُمرتها ويضفي دفئها على الأجساد والوجوه التي يرسمها. من هنا يمكننا تقبل هذه المقاربة التي يشير إليها عنوان المعرض، فأديم الأرض وجهها، وتربتها المتلونة بلون بشرتنا هي التي تلهم الفنان هذه الصور والدرجات اللونية. ولكن، بعيداً من التداعيات التي يحيلنا إليها العنوان، فالأعمال هنا تسعى لاستكشاف العلاقة بين الناس ومحيطهم اللوني، وهو محور هذه المعالجات التصويرية التي يقدمها جمال الخشن ونقطة الارتكاز الرئيسة بها. في هذه الأعمال يُوظَف الجسد بطبيعته الانسيابية لاستحداث علاقات بصرية عبر تقاطع الجسد مع محيطه اللوني؛ وهو محيط لوني تشكله أطر وعلامات وخطوط حادة وهندسية الطابع. تتخلق هذه العلاقات الجمالية المتنوعة على سطح العمل، عبر هذا التداخل بين الحدة المتمثلة في الخطوط والمساحات الهندسية من ناحية، والطبيعة اللينة للجسد والملابس من ناحية أخرى.
يضم المعرض مجموعة من الأعمال المرسومة بخامة الأكريليك. تتنوع مساحات اللوحات المعروضة، كما يختلف توزيع العناصر من لوحة لأخرى وفقاً لكثافة هذا الحضور البشري. غير أن الجسد يبقى هو المحور الرئيس لهذه العلاقات. أما المعالجات اللونية في الأعمال فهي تتسم بالنعومة والتأني في اختيار الدرجات اللونية. الألوان هنا حيادية وأقل كثافة ودفئاً في أغلب الأحيان من العنصر الرئيس في المقدمة، كما لا تنطوي على أدنى مساحة للارتجال. نحن أمام تخطيط متقن ومحسوب بعناية، تخطيط يوظف كل عنصر من عناصر اللوحة في البناء ويغطي كافة جوانب المساحة المرسومة، من كتلة الأشكال والعناصر وكثافتها، إلى الخطوط والفواصل المؤطرة لها.
البناء البصري هنا هو بناء غرافيكي يعتمد على الخط في المقام الأول، ويكتسب ملامحه عبر التقاطعات الهندسية بين المساحات الأفقية والعمودية. يتسق هذا الميل الغرافيكي المسيطر على طبيعة الأعمال مع دراسة الفنان وانشغاله الأكاديمي كأستاذ في قسم الغرافيك في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة. المساحات اللونية هنا محددة وواضحة المعالم، وهي مساحات خالية من العمق أو الفراغات أو غيرها من العناصر الأخرى التي يمكن لها أن تخدش هذا الاستواء البصري.
ومع هذا يمكننا أن نتبين بعض الزخارف النباتية المحاصرة بدورها داخل مساحات محددة بغرض إحداث التوازن أو استكمالاً للحبكة الخطية الغرافيكية. يتكرر الأمر نفسه عبر توظيف هذه الخطوط البيضاء المضيئة التي تظهر في بعض اللوحات، وهي خطوط وهمية، يتم توظيفها كي تبدو كعناصر وأدوات في أيدي اللاعبين الرئيسيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يظهر الجسد هنا مستوياً على هذه المساحة اللونية الناصعة بحضوره القوي، شاغلاً معظم أجزاء اللوحة، وهو جسد قاتم وحيادي التعبير، لا نكاد نتبين ملامحه. بقليل من التأمل ندرك أننا أمام جسد واحد يتكرر ويعيد تمثيل نفسه من جديد على مساحات الرسم متخذاً أشكالاً مختلفة من الحركة في كل مرة. هذه الحيادية التي يتسم بها الجسد في أعمال جمال الخشن تتوافق مع ميله الظاهر إلى تجريد عناصره، فالبطل هنا هو اللون، والحركة وقودها التلاحم بين الأسود والأبيض على خلفية ملونة. لا يستغرق الفنان هنا بشكل كامل في تجريد عناصره كما هو واضح، بل يعالجها في أسلوب أميل إلى التجريد مراوحاً بين الكثافة والخفة في تمثيل العناصر والألوان.
تخرج الفنان جمال الخشن في قسم الغرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 2010 وله العديد من المشاركات الدولية والمحلية. من أبرز مشاركاته الدولية تمثيل الجناح المصري في بينالي البندقية الدولي في دورته السادسة والخمسين، وهو يقيم ويعمل في القاهرة كمحاضر في عدد من الجامعات المصرية.