ملخص
تحديات كبيرة أصبحت تواجه صناعة النشر بشكل عام مثل ارتفاع أسعار خامات الطباعة كالورق والأحبار وتتفاقم هذه الأزمات في حال كتاب الطفل على اعتبار أنه لا بد أن تكون طباعته فاخرة وكامل صفحاته ملونة حتى يكون جاذباً للصغار مما أصبح يمثل أزمة كبيرة أمام دور النشر.
يحتفل العالم في الثاني من أبريل (نيسان) من كل عام، باليوم العالمي لكتاب الطفل، وهو احتفال اعتمد منذ عام 1967 لتسليط الضوء على أهمية كتب الأطفال وإقامة فعاليات مختلفة ومتنوعة معنية بهذا الشأن. تم اختيار هذا اليوم باعتباره يوافق تاريخ ميلاد الكاتب الدنماركي هانس أندرسن المولود عام 1805، الذي يعد أحد أشهر كتاب الأطفال في العالم واشتهر بكتابة القصص الخيالية ومن أشهرها "عقلة الإصبع"، "حورية البحر الصغيرة"، "البط القبيح"، "بائعة الكبريت"، وتعد جائزة هانس أندرسون لأدب الطفل حالياً واحدة من أرفع الجوائز في العالم في هذا المجال.
القراءة كانت دائماً مصاحبة للأطفال في أزمان سابقة، وكان كتاب الطفل صديقاً دائماً له حتى وقت قريب ولكن تحديات كثيرة حالياً أصبحت تواجه كتب الأطفال من بينها سيطرة التكنولوجيا وعدم وعي الأسر بأهمية القراءة وتأثيرها وانعكاساتها على الطفل في كامل مراحل حياته، إضافة إلى تحديات كبيرة أصبحت تواجه صناعة النشر بشكل عام مثل ارتفاع أسعار خامات الطباعة كالورق والأحبار. وتتفاقم هذه الأزمات في حال كتاب الطفل، على اعتبار أنه لا بد أن يكون بطباعة فاخرة وكل صفحاته ملونة ليكون جاذباً للصغار، مما أصبح يمثل أزمة كبيرة بالنسبة إلى دور النشر.
مسيرة طويلة خاضتها الكاتبة فاطمة المعدول في كل ما يتعلق بفنون الطفل المختلفة. وعن واقع كتب الأطفال حالياً تقول إن "الكتابة للطفل لها ثلاثة أضلاع: الكاتب والرسام والناشر، وأحد أهم التحديات حالياً هو ارتفاع سعر الكتب وضعف القوة الشرائية. الأزمة الكبرى بالنسبة إلى الكتاب بشكل عام ومن بينها كتب الأطفال، هي عدم وجود سوق. في وقت سابق كان هناك اهتمام أكبر بكتب الطفل وكانت الدولة تتبنى مشروعات معنية بهذا الشأن، من بينها مشروع القراءة للجميع ومسابقة كتاب الطفل الذي تبنته زوجة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، سوزان مبارك، في مصر سابقاً، وكان له أثر كبير على كتب الأطفال وأدى إلى حال من الرواج والنشاط. لا بد أن يكون هناك احتفاء بالكتاب طوال العام بفعاليات مختلفة وليس الاقتصار فقط على معرض الكتاب الذي أصبح احتفالية ثقافية في المقام الأول". وتضيف، "رغم أن كل شيء اختلف من حولنا، وكل جيل اختلف عن سابقه، والمعرفة أصبحت متاحة ومجالاتها واسعة، ولكن في النهاية يبقى الطفل هو الطفل، وتبقى القصص والحكايات الخيالية قائمة وصالحة لكل الأجيال. كتاب الطفل باق وحتى التطبيقات التي انتشرت أخيراً كبديل للكتاب الورقي هي حلول بدأت تظهر للتعامل مع التحديات المختلفة، ولكن الأساس هو المحتوى الجيد أياً كانت الوسيلة".
سمات مؤلف كتب الأطفال
قد يعتقد البعض أن الكتابة للطفل ليست بالعمل الصعب ولكن الحقيقة أنها تتجاوز في صعوبتها الكتابة للكبار بمراحل، إذ تواجه الكاتب هنا تحديات مختلفة لتقديم مضمون يتناسب مع عقل الطفل وقدراته على الاستيعاب، وفي الوقت نفسه فإن كل مرحلة عمرية لها أسلوب وطريقة معينة تناسبها في تقديم المحتوى أو المادة التي يرغب الكاتب في توصيلها إليهم، فما يناسب الصغار سيختلف عن مرحلة الطفولة المتوسطة أو المتأخرة، وفي الوقت نفسه فإن اختلاف الأجيال وتغير المجتمع وظهور قضايا جديدة على الساحة يفترض أن يدفع بكتب الأطفال ودور النشر لوضعها ضمن أولوياتهم وتقديمها للصغار بشكل سهل وسلس.
تقول الكاتبة رانيا حسين أمين، "من أهم سمات كاتب الأطفال هي أن يكون على اتصال دائم بهم في العمر الذي يستهدف الكتابة له ليتعرف عليهم وعلى لغتهم ومفرداتهم، كما يجب أن يكون الكاتب قريباً من طفولته الخاصة ليستحضر منها كيف كان يفكر وكيف كان يشعر في مواقف معينة حتى يستطيع أن يكتب من منظور الطفل، فالأطفال يحتاجون لأن يكون الكاتب صديقاً لهم وليس شخصاً يلقي عليهم المواعظ".
وتشير الكاتبة إلى أن "مضمون كتب الأطفال يتطور، ولكن الأزمة الكبرى هي أن الإقبال على القراءة بشكل عام في تراجع للكبار والصغار على السواء، وهناك توجه كبير نحو التكنولوجيا التي أدى استخدامها المكثف إلى تقليل القدرة على التركيز. وأصبح هذا تحدياً جديداً أمام كتاب الأطفال، فبات على الكاتب أن يجعل الأحداث سريعة وجاذبة حتى لا يفقد الطفل اهتمامه وتركيزه ويظل متابعاً لها".
الأسرة وتشجيع الطفل على القراءة
الدافع الأول والعامل الأساس الذي سيدفع الطفل إلى الاهتمام بالقراءة والحرص على اقتناء الكتاب هي الأسرة، يستوي في هذا كافة الأطفال في كل أنحاء العالم فالأسرة التي تحرص على القراءة لأطفالها وتصطحب الطفل لشراء كتاب سيكبر أطفالها والكتاب جزء من عالمهم، فوعي الأسرة هو اللبنة الأولى التي سيعول عليها في هذا الشأن، وقد أثبتت دراسات أن القراءة للطفل منذ بداية حياته وحتى قبل أن يستطيع استيعاب المضمون تزيد من حصيلته اللغوية وتوطد من التواصل بينه وبين العائلة.
وفي الوقت ذاته فإن المبادرات المختلفة للقراءة والكلام للأطفال في المدارس وغيرها، إضافة إلى أن الدور الذي يجب أن تقوم به المكتبات العامة من المفترض أن يساعد في تشجيع الطفل على القراءة وإنشاء رابط بينه وبين الكتاب، فكلها عوامل لا بد أن تجتمع لتبقي كتب الأطفال في أولوية اهتمامهم.
وقالت الكاتبة نيرمين مجدي، إن "الأطفال تحت 14 سنة في العالم كله وفي كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية، يعتمدون بمعظمهم على الكبار في اختيار الكتاب، فمن البداية، تلعب الأسرة دوراً كبيراً فالقراءة المشتركة من أهم الأمور التي يجب الحرص عليها. في الوقت الحالي نجد كثيراً من الأهالي مهتمين جداً باللغات الأجنبية، ومن ثم تكون أولوياتها شراء الكتب الأجنبية على حساب الكتب العربية. ومع عدم الاهتمام باللغة العربية وبخاصة في المدارس الأجنبية، قد يلقى بعض الأطفال صعوبة في القراءة، وهذا من التحديات التي أصبحت تواجه الكتاب العربي الموجه للطفل أخيراً". وتضيف مجدي أن "الطفل الصغير، أقل من سبع سنوات، اهتماماته بسيطة ولم تتغير وهي مرتبطة بالألعاب والعائلة والحيوانات. ومن هنا لا بد أن تكون الكتب مرتبطة بهذه الأشياء، وكاتب الأطفال عليه أن يختار لغة سهلة وكلمات بسيطة مع إضافة بعض الكلمات الجديدة حتى يتعلمها الطفل، وعلى مدار التاريخ كانت القصص والحكايات حاضرة في كل الثقافات وهي من اهتمامات الأطفال دائماً ولكن فعل القراءة هو تعود وتشجيع من الأسرة. حالياً التكنولوجيا أضعفت علاقة الطفل بالكتاب لأن هناك أسراً وجدت أنها أسهل ولكن لا بد من تحقيق التوازن".
وتابعت أن "الفعاليات المتعلقة بالتكلم والقراءة للأطفال مهمة جداً وتشهد تواصلاً بين الكاتب والأطفال، لكنها في النهاية تكون لوقت محدود، ولا بد أن يكون هناك اهتمام أكبر بها في المدارس وجميع تجمعات الأطفال. وفي الوقت نفسه فإن المكتبات العامة يمكن أن تكون حلاً مثالياً في ظل ارتفاع أسعار الكتب ولكن معظمها يكون غير محدث ولا يحوي الإصدارات الجديدة فهي تحتاج لدعم واهتمام بصورة أكبر".
الكتابة للناشئة
في عالم كتب الأطفال نجد اهتماماً كبيراً وإصدارات متعددة موجهة للصغار في المرحل العمرية المبكرة، ويقابله اهتمام أقل بالكتب الموجهة للأطفال في بدايات مرحلة المراهقة أو من يطلق عليهم صفة "الناشئة" رغم الأهمية الكبرى لدفع الأولاد في هذه السن إلى القراءة وإصدار أعمال تتناسب مع سنهم وتطرح موضوعات تثري عقلهم وتضيف إليه، فمن هم في هذه الفئة ليسوا الصغار الذين ستبهرهم الأشكال والرسوم الملونة وليسوا بالكبار الذين ستناسبهم الكتب الموجهة للراشدين ولكنهم يقعون في منطقة وسطية تحسب على الكتابة للطفل، ولكنها لا تحظى بالاهتمام الكافي وقليل من يتجه إليها رغم أهميتها.
من بين من اهتموا بهذه الفئة العمرية، الكاتب المتخصص في التراث الثقافي عادل موسى الذي قال عن تجربته في الكتابة للأطفال إن "الأجيال السابقة كانت ذاكرتها الفنية والثقافية كبيرة وكانت تحصل عليها من مصادر متنوعة، حالياً اختلف الوضع، فليست لدى الأطفال والناشئة هذه الذاكرة رغم توافر مصادر للمعرفة أضعاف ما كان متوافراً لمن سبقوهم، فالأطفال والناشئة حالياً لا يعرفون كثيراً عن التراث والتاريخ وعندما يشاهدون التقليد يثير إعجابهم لأنهم لا يعرفون الحكايات الأصلية". وأضاف، "من خلال تواصلي المباشر مع الأطفال أتعرف على اهتماماتهم سواء من خلال الأطفال المحيطين أو من خلال ورش العمل، وكثير منهم لديه اهتمام كبير بموضوعات قد لا تراها دور النشر جاذبة لهم مثل الحكايات الشعبية والتراث. لا بد أن نطرح موضوعات وقضايا تناسب مجتمعنا ولكن أحياناً تكون الأزمة أن بعض دور النشر تكون أولوياتها الربح فتتجه إلى المحتوى المضمون وتبتعد عن المجازفة خوفاً من الخسارة، فقصص الأطفال لا بد أن يكون فيها خير وشر وصراع وأحداث، أما القصص المنمقة بشكل زائد ومفرطة المثالية التي انتشرت في وقت من الأوقات تكون غير مقنعة للطفل ولا تناسب عقله وقد تدفعه إلى عدم حب القراءة".
وبالنسبة إلى واقع كتب الأطفال حالياً، يوضح أن "كتب الأطفال في العالم العربي تشهد تطوراً كبيراً على كل المستويات فهناك كتاب متميزون ورسامون على مستوى عال وفي الوقت نفسه هناك زيادة كبيرة في عدد دور النشر. الكتاب الورقي باق وكل وسائل التكنولوجيا الحديثة ومن بينها تطبيقات القراءة هي وسائل مساعدة والمحتوي الجيد لكتاب الطفل هو الأساس الذي سيتم نشره بأي وسيلة".