ملخص
الظهور المفاجىء لأبناء خليفة حفتر أثار تساؤلات حول ما إذا كان يسعى قائد الجيش المتقاعد إلى منحهم مزيداً من الصلاحيات وتوريثهم مناصب سياسية وعسكرية في ليبيا.
أعادت التطورات السياسية في ليبيا الجنرال العسكري المتقاعد خليفة حفتر إلى واجهة الأحداث، لكن هذه المرة من خلال أبنائه، إذ يعتبر صدام وخالد اللذان يحملان رتبة عقيد في الجيش الليبي أبرز الأبناء ظهوراً على المستويين السياسي والعسكري، إلا أنه أخيراً أضيف إليهما الصديق الذي ظهر في السودان قبل أن تبدأ الاشتباكات هناك.
الظهور المفاجئ لأبناء خليفة حفتر أثار تساؤلات حول ما إذا كان يسعى قائد الجيش المتقاعد إلى منحهم مزيداً من الصلاحيات وتوريثهم مناصب سياسية وعسكرية.
خليفة حفتر البالغ من العمر 79 سنة يواجه محاولات لاستبعاده من سباق رئاسة ليبيا، حيث يركز خصومه على حمله جنسية أميركية والقضايا التي يواجهها بحكم منصبه العسكري، مما جعل مراقبين يتكهنون بإمكان سعيه إلى تهيئة الأوضاع لابنه صدام لخلافته وإكمال المسيرة نحو المنصب الرئاسي، لا سيما أنه يكثف ظهوره مقارنة ببقية أشقائه.
ولدى حفتر ستة أبناء هم خالد وصدام وعقبة والصديق والمنتصر وأسماء، فيما تقول مصادر مقربة من قائد الجيش السابق إن وضعه الصحي وتقدمه في العمر جعلاه يمنح نجله صدام صلاحيات أوسع، من بينها إدارة الملف السياسي بحرية تكاد تكون كاملة.
نشاط سياسي
وقال مراقبون إن محادثات جرت مؤخراً بين ممثلين عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة ووفد من قيادة الجيش ضم صدام حفتر، يبدو أنها سرعت بإقالة رئيس حكومة الاستقرار الوطني الموازية فتحي باشاغا بعدما رفض دمج فريقه الحكومي مع سلطات الدبيبة وكذلك أن يكون نائباً له.
وأكد مصدر برلماني مطلع على فحوى المحادثات هذه المعطيات، لكنه كشف عن أنه من الوارد أن تستأنف من جديد، لا سيما في ظل مساع فرنسية – مصرية لإحراز تقدم على المستويين الأمني والعسكري بما يمهد طريق الاستقرار عبر الانتخابات بشقيها البرلماني والرئاسي.
طموح صدام
الحديث عن دور صدام حفتر الذي يعد أحد أبرز أبناء قائد الجيش السابق الذين لديهم طموح سياسي ليس وليد اللحظة، إذ إنه عاد قبل أشهر أيضاً عندما أقال الدبيبة مدير المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، وهو الرجل القوي الذي تحكم في قطاع النفط طيلة أعوام، وحظي بما يشبه الحصانة الخارجية تحت مظلة الغرب، بينما تداولت دوائر سياسية ليبية أن نجل حفتر قاد محادثات مع رئيس حكومة الوحدة تم الاتفاق خلالها على إقالة صنع الله مقابل فتح الحقول والموانئ النفطية المغلقة.
الحنكة والتوحيد
وقال الباحث السياسي الليبي كامل المرعاش إن "صدام حفتر هو أكثر إخوته حنكة سياسية وقدرة على تسهيل أي حل يرتكز على توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وهو الأكثر انفتاحاً على القوى العسكرية بتنوعها في الغرب الليبي للتوصل إلى تسوية سلمية تفضي إلى توحيد البلاد واسترجاع سيادتها".
وتابع "أعتقد بأنه يحصل على ضوء أخضر مباشر من والده للعب دور سياسي طموح"، مشيراً إلى أن "الترويج لفكرة توريث الأبناء دعاية مغرضة الهدف منها شيطنة الجيش الوطني الليبي وإبعاد حفتر عن المشهد السياسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف المرعاش أن "قائد الجيش السابق من حقه الترشح للانتخابات الرئاسية مثل أي مواطن ليبي، وفق القوانين الانتخابية التي يتفق عليها، وهذا الحق ينسحب على كل أبنائه من دون استثناء"، لافتاً إلى أن "الفيصل في الأمر هو صندوق الاقتراع والناخبون الليبيون".
حلم الرئاسة
ولا يخفي حفتر سعيه إلى تولي رئاسة ليبيا، حيث تقدم بأوراق ترشحه في الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في الـ24 من ديسمبر (كانون الأول) 2021 قبل أن تنهار بسبب عدم التوافق على القوانين الانتخابية.
ويقود صدام حفتر الكتيبة 106 التي حققت نجاحات مهمة للجيش الليبي من بينها استعادة السيطرة في يوليو (تموز) 2017 على مدينة بنغازي ثالث أكبر المدن الليبية ومركز إقليم برقة (شرق البلاد) بعد معارك عنيفة على مدى ثلاثة أعوام.
وتتكتم الدوائر السياسية الليبية بشكل كبير عن دور أبناء المشير حفتر، إذ إن كثيرين رفضوا الإفصاح عن مواقفهم تجاه تحركاتهم، لكن خصومهم في المنطقة الغربية التي لطالما شكلت هاجساً لدى الجيش الليبي في ظل سيطرة الميليشيات عليها، تتهم حفتر بالفعل بمحاولة توريث أبنائه سيراً على خطى الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
"اندبندنت عربية" اتصلت أكثر من مرة بمكتب "الجيش الوطني الليبي" الذي يقوده حفتر للرد، لكنه رفض التعليق والتعاون.
ضوء أخضر
في المقابل، يرى مراقبون ليبيون مقربون من القيادة العامة للجيش أن ما يقوم به صدام هو بضوء أخضر من والده، لكنه يقتصر على محادثات أمنية مع السلطات غرب البلاد في ظل عدم التمكن من توحيد المؤسستين الأمنية والعسكرية.
وقال الباحث السياسي محمد قشوط إن "صدام حفتر كان له دور في المفاوضات غير المعلنة طيلة الفترة الماضية مع قادة المليشيات، وتركزت بمعظمها على الشأن الأمني بعيداً من السياسة، إلا أنه في الآونة الأخيرة طرحت فكرة إمكان إجراء تعديل وزاري داخل حكومة الدبيبة تتحصل بموجبه قيادة الجيش على عدد من الحقائب لكن الأمر رفض من رئيس حكومة الوحدة الوطنية".
وأردف أن "لا أحد من الأطراف المحلية والدولية سيوافق على هذا، خصوصاً مع إمكان إجراء الانتخابات نهاية العام والحديث عن سلطة تنفيذية جديدة موقتة".
وأوضح أن "فرضية التوريث لأبناء حفتر تظل بعيدة، وليست لها أرضية لابتعادهم قليلاً عن الشأن السياسي في ما عدا إطار العمل تحت تعليمات والدهم فقط"، لافتاً إلى أن "كل ما يثار حول التوريث يظل ضمن الحرب الإعلامية والتشويه الذي تشنه الأطراف المعادية لمشروع الجيش".
معوقات قبلية
وعلى رغم الشعبية التي يحظى بها حفتر في الشرق الليبي، إلا أن نجاحه في تثبيت أبنائه لخلافته غير واضح، خصوصاً أن صورته مهتزة في الغرب الليبي الذي تسيطر عليه الميليشيات والأحزاب الإسلامية.
حتى شرق ليبيا وجنوبها فإن الطريق فيها ليست ممهدة أمام أبناء حفتر، فظهور سيف الإسلام القذافي (نجل الرئيس الراحل) عام 2021 أثار ارتباكاً في التعامل مع هذا المستجد، إذ لا يزال الرجل يحظى بشعبية كبيرة على رغم سقوط والده قبل 12 عاماً، فلا تزال مدن مثل سبها (جنوب) وبني وليد (غرب) ومناطق في شرق ليبيا تحتفظ بتأييدها له.
وبدوره أكد الباحث السياسي والدستوري محمد محفوظ أن "حفتر يسعى إلى توريث أبنائه، لكن ما يحدث هو وجود خلاف بين بلقاسم وصدام وخالد، إذ يلعب الأول دوراً سياسياً بارزاً وله حلفاء خارج ليبيا أيضاً، وكذلك صدام له المواصفات نفسها، لذلك فإن الصراع بين الأبناء على التوريث يشكل عائقاً كبيراً".
ولفت إلى "مدى مقبولية الحاضنة السياسية والاجتماعية الموجودة في شرق ليبيا لفكرة التوريث لأن بعض القبائل ترفضهم بداعي تسببهم في كثير من المشكلات سابقاً"، مستدركاً "من المؤكد أن إدارة الملف السياسي في الآونة الأخيرة لا يكاد يخرج بين ابني حفتر بلقاسم وصدام، الأول هو السبب الرئيس في تشكيل حكومة فتحي باشاغا إذ إن له فريقاً برلمانياً موالياً له، فيما كان صدام يعقد لقاءات وحوارات سياسية مع الدبيبة للتوصل إلى تفاهمات وصفقات".