ملخص
عندما يزور رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، البيت الأبيض هذا الأسبوع، سيركز الدبلوماسيون على تعزيز صورته أمام الرئيس الأميركي جو بايدن، لكن اللحظة التي قد تحدد مدى نجاح زيارته قد تأتي بعد ذلك.
عندما يزور رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك البيت الأبيض هذا الأسبوع سيركز الدبلوماسيون على تعزيز صورته أمام الرئيس الأميركي جو بايدن، لكن اللحظة التي قد تحدد مدى نجاح زيارته قد تأتي بعد ذلك.
الزيارة ستشكل راحة مرحباً بها لسوناك بعد أسبوع من المعارك الإعلامية بين الحكومة وتحقيق كوفيد وبوريس جونسون، كما تشكل فرصة لرئيس الوزراء لتعزيز موقفه المتنامي كلاعب دولي وإظهاره للعالم أن توليه مسؤولية صنع القرار في "10 داونينغ ستريت" ومهما كان عمر حكمه قصيراً سيعزز تدريجاً مكانة لندن عالمياً.
الأهم من ذلك أن زيارته إلى الولايات المتحدة تأتي قبل الانتخابات العامة المقررة في العام المقبل، بالتالي فهي تشكل فرصة ذهبية للقيام ببعض الصفقات التي يمكن أن تعزز النمو الاقتصادي، وهو أمر يحتاج إليه المحافظون في بريطانيا بشدة إذا أرادوا أن يكون لديهم الثقة لبدء تخفيض الضرائب الشخصية في الميزانية المتوقعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
استثمارات أميركية
على جدول أعمال محادثات سوناك مع بايدن قضايا التعاون في الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا، مع احتمالات بتوقيع من استثمارات تجارية بالمليارات في بريطانيا.
سيصبح سوناك الخميس المقبل أول رئيس وزراء بريطاني يلقي كلمة أمام اجتماع سنوي للرؤساء التنفيذيين من كبرى الشركات الأميركية منذ 50 عاماً، الذي ينظمه اتحاد الرؤساء التنفيذيين للشركات الأميركية الرائدة "بزنس راوندتيبل"، ويسهم الحاضرون في علاقات بريطانيا التجارية البالغة 279 مليار جنيه استرليني (347.3 مليار دولار) مع الولايات المتحدة، وهي الأكبر في البلد الأوروبي، كما تخلق استثماراتهم آلاف الوظائف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيكون الاجتماع المقبل، الرابع لسوناك مع الرئيس الأميركي في غضون أشهر، وتجسيداً لاتصال أكثر استدامة من أي رئيس وزراء بريطاني آخر في السنوات الأخيرة، وفقاً لما ذكره مجلس الوزراء في "داونينغ ستريت".
كان الرئيس بايدن هنأ سوناك بتوليه رئاسة الوزراء كأول رئيس بريطاني غير أبيض في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكنه أخطأ في اسمه بإعلان "رشيد سانوك" مما أثار تفاعلاً واسعاً على "تويتر".
سيكون سوناك في واشنطن، الأربعاء والخميس، مما يمنحه الوقت لرؤية كثيرين في "الكابيتول هيل" وكذلك البيت الأبيض. وتقول مصادر لصحيفة "التايمز" إن وصول سوناك إلى "10 داونينغ ستريت" أدى إلى تحسن العلاقات مع إدارة بايدن، على اعتبار أن رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون كان قريباً جداً من دونالد ترمب ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة ليز تراس باعتبارهما مرتبطين بشدة بالصراع في أوكرانيا، كما يقال إن الاتصال بين البلدين على المستوى الرسمي "جيد وبناء".
نهج مشترك تجاه الصين
وقال مصدر كبير إنه عندما التقى الزعيمان لأول مرة، في قمة مجموعة العشرين في بالي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شكلت مناقشتهما "توافقاً في شأن نهج تجاه الصين"، ووصفت إعادة كتابة المراجعة البريطانية الشاملة للدفاع والأمن التي أشرف عليها مستشار الشؤون الخارجية في حكومة سوناك جون بيو الصين بأنها "تحد محدد للعصر" لنوع العالم الذي تريده لندن وضاعفت التمويل لفهمه، وسيناقش الطرفان نهجاً مشتركاً تجاه بكين هذا الأسبوع.
في حين يشكل الإرث الاقتصادي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من نواح عديدة إشكالية، ومن المرجح أن يظل تحدياً أمام النمو وسلاسل التوريد، فقد مكن لندن من أن تكون أكثر ذكاءً في توجيه مواقف سياسية خارجية جريئة خارج إطار عباءة الاتحاد الأوروبي، والتي فرضت بعض القيود، وكان هذا ملحوظاً بشكل خاص في الطريقة التي قادت بها بريطانيا الطريق لتسليح أوكرانيا، مما أدى إلى جر دول اليورو لتحذو حذوها.
وانضمت بريطانيا إلى الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، ووقعت في مايو (أيار) الماضي شراكة استراتيجية عالمية "اتفاق هيروشيما" مع اليابان، وشمل ذلك اتفاقات جديدة في شأن الدفاع والتجارة والاستثمار والعلوم والتكنولوجيا والعمل المشترك في معالجة القضايا العالمية مثل تغير المناخ.
تصادم أقل
يذهب مساعدو سوناك في "10 داونينغ ستريت" إلى أنه استخدم نهجاً أقل تصادماً من أسلافه لتأمين صفقات مع دول أخرى لإعادة المهاجرين غير الشرعيين، كما تم توقيع آخر مع مولدوفا الأسبوع الماضي. وقال مصدر مقرب للصحيفة "نهج ريشي عملي ومقنع وأنيق". مضيفاً "إنه يسعى إلى شراكات عميقة وعالية الجودة كما ثبت مع ما حققه حتى الآن".
ويقول المساعدون إن هذا النهج أتى بثماره، فخلال الجزء الأكبر من العام الماضي ضغطت الولايات المتحدة على بريطانيا والاتحاد الأوروبي لحل الخلافات حول بروتوكول إيرلندا الشمالية.
وقال أحد المطلعين الحكوميين "لاحظت الولايات المتحدة إطار عمل سوناك كما لاحظت أيضاً ما فعلته بريطانيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بالتالي من الإنصاف القول إن واشنطن فوجئت إلى حد ما بالمضمون المترتب على اتفاق هيروشيما، إذ أثبت أن لندن لها دور قيادي في جميع أنحاء العالم".
وقال دبلوماسي مطلع "الحكومة الأميركية سعيدة للغاية بإطار عمل الحكومة البريطانية وجزء من ذلك يتعلق بإيرلندا الشمالية، لكن البعض منه يتعلق بلندن وبروكسل، فهو يعيد فتح الفرص أمام أهم حلفائهم وشركائهم لاستعادة قدر من المجاملة والتعاون، وهو أمر أساسي للمصالح الأميركية بأوروبا، في وقت يشكل فيه الخلاف بين لندن وبروكسل تحدياً لمصالح واشنطن".
وقبل أيام قال رئيس الوزراء "الولايات المتحدة هي أقرب حليف لنا، ونحن شركاء لبعضنا بعضاً عندما يتعلق الأمر بكل شيء، بدءاً من الحفاظ على سلامة أفرادنا وحتى تنمية اقتصاداتنا". وأضاف "لهذا السبب من المهم جداً لرئيس وزراء بريطاني أن يقيم علاقة وثيقة وصريحة مع رئيس الولايات المتحدة، في كل مشكلة عالمية، سترانا نعمل جنباً إلى جنب".
سوناك يحب الاقتباس
يقول المساعدون إن سوناك "منخرط فكرياً في أميركا ويمكنهم رؤية ذلك". وكان قد التحق رئيس الوزراء بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا حيث التقى زوجته ولا يزال يحتفظ بمنزل في سانتا مونيكا، سوناك نفسه يحب الاقتباس من جون كينيدي، الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة، وفي مارس (آذار) ذهب إلى سان دييغو للقاء بايدن وأنتوني ألبانيز رئيس الوزراء الأسترالي، لوضع اللمسات الأخيرة على صفقة دفاع (أوكوس) وهي اتفاقية أمنية ثلاثية بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، وفي تصريحاته حول حاملة طائرات، تم الكشف عن الصفقة، وتحدث سوناك عن أن الاتفاقية لها (غرض أعلى - الحفاظ على الحرية والسلام والأمن)، وهي الكلمات التي استخدمها جون كينيدي في سان دييغو قبل 60 عاماً.
وقال مدير أعمال في لندن حضر عشاءً خاصاً مع سوناك قبل بضعة أشهر "لقد عاد إلى الحياة حقاً عندما بدأ يتحدث عن جامعته في كاليفورنيا، وتحدث عن الأساتذة والمكتبة، من الواضح أنه مرتاح هناك، إنه في منطقة الراحة الخاصة به فعيناه كانتا تلمعان".
رقابة عالمية للذكاء الاصطناعي
ويريد سوناك استخدام هذا الاهتمام بالتكنولوجيا لأخذ زمام المبادرة في استغلال فرص الذكاء الاصطناعي واحتواء الأخطار. وكانت صحيفة "التايمز" قد ذكرت السبت الماضي أن رئيس الوزراء ناقش إنشاء هيئة رقابة عالمية للذكاء الاصطناعي مقرها لندن، على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، والتي تراقب التهديدات النووية، وهذا أيضاً سيكون على الطاولة هذا الأسبوع.
ويقول مساعدون إن سوناك حرص على قراءة خطاب ألقاه في أبريل (نيسان) الماضي مستشار الأمن القومي لبايدن جيك سوليفان، حول "تجديد القيادة الاقتصادية لأميركا"، وفي ذلك رسم كيف يمكن للسياسة الخارجية بناء التعاون الاقتصادي والمرونة في الغرب وبناء تحالفات مع الدول الأقل ثراءً.
واقتبس فيها العبارة الشهيرة للرئيس كينيدي "ارتفاع المد يرفع كل القوارب". وأوضح سوليفان "كان يقول إننا جميعاً معاً في هذا. وانظر إلى ما قاله بعد ذلك إذا كان جزء من البلاد لا يزال واقفاً، فعاجلاً أم آجلاً يسقط المد المتساقط كل القوارب"، وهذا صحيح بالنسبة إلى بلدنا، هذا صحيح لعالمنا. بمرور الوقت، سنرتفع - أو ننخفض - معاً، وهذا ينطبق على قوة ديمقراطياتنا وكذلك على قوة اقتصاداتنا".
أمين عام "الناتو"
ومن المرجح أيضاً أن يرفع سوناك هذا الأسبوع ترشيح وزير الدفاع بن والاس لمنصب الأمين العام المقبل لـ"الناتو". لم يتول أي بريطاني هذا الدور منذ أن تولاه اللورد ماكنيل روبرتسون من حزب العمال بعد الحرب في كوسوفو قبل عقدين من الزمن.
وكان والاس لعب دوراً مركزياً في المساعدة على حشد تحالف دولي لدعم أوكرانيا، في كل من أوروبا والولايات المتحدة، مما يجعله مناسباً بشكل طبيعي للوظيفة. وكان سوناك قد أمضى بعض الوقت على هوامش اجتماع مجموعة السبع الأخير في هيروشيما للضغط من أجل والاس، مما يدل على أن تعيينه أصبح الآن هدفاً رسمياً للحكومة.
ويكمن القلق في لندن في أن الفرنسيين والألمان سيتحدون لمحاولة منع بريطاني من الحصول على المنصب وهناك حديث عن دعمهم أول سكرتيرة عامة من أجل إفساد والاس، في حين يعتقد أن المرشح الأوفر حظاً هو رئيس وزراء الدنمارك ميت فريدريكسن الذي سيقابل بايدن الإثنين المقبل.
لكن الدنمارك دولة لا تنفق حتى اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، ولديها قوات مسلحة تضم أقل من 20 ألف فرد. وقال مصدر حكومي رفيع "لست متأكداً ما هي الرسالة التي يمكن أن ترسل إلى الدول في شأن الاثنين في المئة".
ويحارب والاس من أجل زيادة الإنفاق الدفاعي البريطاني إلى 2.25 في المئة، وكان يضغط على "داونينغ ستريت" لتحقيق ثلاثة في المئة بحلول عام 2030، كما أن المسؤولين الأميركيين لديهم وجهة نظر "إيجابية للغاية" تجاه والاس.
وأكد مصدر في "10 داونينغ ستريت" أن ملعب البيسبول الذي سيستضيف سوناك "يجري الحديث عنه" لكنه حذر من أنه لم يتم الانتهاء منه بعد، في إشارة إلى سقوط بايدن الأخير في حفل التخرج. وقال أحد كبار حزب المحافظين الساخر "بصراحة، إذا تمكن ريشي من الجلوس في المكتب البيضاوي والحصول على بعض الصور الجميلة واستطاع بايدن البقاء في وضع مستقيم، فسيكون ذلك فوزاً لكليهما"، علاوة على احتمال ارتكاب بايدن خطأ آخر في نطق اسم سوناك مجدداً مثل أن يسميه سيرفين بدلاً من سوناك!