Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النظام الضريبي الدولي معطل

لكن الأمم المتحدة تستطيع إصلاحه إذا أفسحت واشنطن لها المجال

عاملون مصريون يمرون بمركز للصرافة في القاهرة في مايو 2024 (عمرو عبدالله دلش/ رويترز)

ملخص

تهدف "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن التعاون الضريبي الدولي" إلى إصلاح النظام الضريبي العالمي وسد الثغرات التي تسمح بالتهرب الضريبي. وعلى رغم أهميته فإن البلدان ذات الدخل المرتفع، بقيادة الولايات المتحدة، تعرقله وتعطي الأولوية لمصالح الشركات على الضرائب العادلة

تستعر معركة في الممرات الهادئة للأمم المتحدة. في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً ينص على إطلاق مفاوضات حول بنية ضريبية عالمية جديدة وأكثر إنصافاً. تستهدف "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن التعاون الضريبي" UN Framework Convention on International Tax Cooperation إصلاح النظام الضريبي الحالي المختل والمليء بثغرات تسمح للشركات والأفراد الأثرياء بتجنب دفع الضرائب.

يعدّ حجم التهرب الضريبي اليوم مذهلاً. يسمح النظام الحالي للشركات والأفراد الأثرياء بـ"إيواء" أرباحهم في ملاذات ضريبية. كل عام، يُحوّل 35 في المئة من الأرباح الخارجية التي تحققها الشركات المتعددة الجنسيات – أي الأرباح التي تنشأ خارج بلد الشركة الأم – إلى أماكن مثل سويسرا وسنغافورة وبرمودا وجزر كايمان، بعيداً من متناول وكالات الضرائب في البلدان التي تنشأ فيها الأرباح بالفعل. وتُقدر خسارة الإيرادات الحكومية الناتجة من ذلك بما بين 240 مليار دولار و600 مليار دولار سنوياً.

لهذا السبب، حتى مع صعود أرباح الشركات خلال الأعوام الأخيرة، لم ترتفع الإيرادات من الضرائب المفروضة على الشركات، وهو أمر مقلق بصورة خاصة نظراً إلى الحاجة الماسة لكثير من الحكومات إلى الأموال لمواجهة التغير المناخي والأزمات الإنسانية وحاجات ملحة أخرى مثل التعليم والصحة العامة والبنية التحتية. يعرقل التهرب الضريبي جهود الحكومات في أنحاء العالم كله الآيلة إلى توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها، مما يسهم في زيادة التفاوت العالمي الذي يبلغ أعلى مستوياته على الإطلاق، ذلك أن أقل من ثلاثة آلاف شخص يمتلكون ما يقارب 15 تريليون دولار – ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي السنوي لألمانيا والهند واليابان والمملكة المتحدة مجتمعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وثمة حاجة واضحة إلى اتفاق دولي لتصحيح هذه الأوضاع. لهذا السبب، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، صوّت 125 بلداً بقيادة المجموعة الأفريقية، أكبر منظومة إقليمية في الأمم المتحدة، لمصلحة القرار القاضي بإصلاح النظام الضريبي العالمي. ويدرك قادة هذه البلدان أن فرض الضرائب على الشركات الكبيرة المربحة وأصحاب المليارات هو الطريقة الأكثر عقلانية لزيادة الإيرادات الحكومية – وأن "الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة" ستطلق عملية تمكنهم من القيام بذلك. الآن، لدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فرصة لإنشاء نظام ضريبي عالمي أكثر عدالة وكفاءة، تستطيع من خلاله الحكومات تمويل المنتجات والخدمات العامة الضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي وتقليل التفاوت.

لكن منذ بدء المفاوضات في فبراير (شباط) الماضي، تبذل بلدان عدة ذات الدخل المرتفع، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ما في وسعها كله لإفشال هذه الجهود. وتفيد هذه البلدان بأنها ترغب في تجنب تكرار الجهود الموازية المبذولة لإصلاح القواعد الضريبية العالمية بقيادة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، النادي الذي يتألف في الغالب من بلدان غنية ويتخذ من باريس مقراً. لكن هذا الجهد الذي يتواصل منذ عقد من الزمن ووضع ما يُسمى الحل القائم على ركيزتين تشوبه عيوب خطيرة. وبدلاً من ضخ مزيد من الموارد في الجهود الفاشلة التي تبذلها المنظمة، ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعم بقوة المفاوضات الواعدة التي تقودها أفريقيا في الأمم المتحدة.

ظهور التهرب الضريبي

النظام الضريبي الدولي الحالي أنشأته عصبة الأمم قبل قرن من الزمن لا لزيادة النمو إلى حده الأقصى ولا لتقليل الفوارق في الدخل إلى حدها الأدنى، بل لضمان ألا تدفع الشركات الأغنى ضرائب مفرطة أو تُفرَض عليها ضرائب على الدخل نفسه في كيانين سياديين مختلفين. لم تكُن عصبة الأمم تتوقع أن تستخدم الشركات النظام لتتجنب بالكامل دفع الضرائب على بعض دخلها. وحين انطلقت العولمة قبل ثلاثة عقود من الزمن، افتتحت عصراً ذهبياً للتهرب الضريبي. وساعد قطاع ضخم من الخبراء – محاسبون ومحامون ومستشارون – هذه الممارسة على التطور من فن إلى علم. وظهرت مجموعة من الملاذات الضريبية في أنحاء العالم كله لتوفير مأوى آمن للأرباح التي كانت لتخضع لضرائب في أمكنة أخرى.

منذ الستينيات، على رغم النمو الهائل في أرباح الشركات قبل احتساب الضرائب، كانت الإيرادات الحكومية المترتبة على الضرائب المفروضة على الشركات العالمية في تراجع، لقد سرعت العولمة وصعود الاقتصاد الرقمي هذا الاتجاه. وشركات التكنولوجيا الكبرى التي تتفوق في استغلال بيانات المستخدمين تتفوق أيضاً في التهرب الضريبي. وسمحت الترتيبات الضريبية التاريخية التي توصلت إليها شركة "أبل" مع الحكومة الإيرلندية، لا سيما الاتفاقات الضريبية المبرمة عامي 1991 و2007، للشركة أن تعزو أرباحها المحققة في الاتحاد الأوروبي كلها إلى مقرها الرئيس الأوروبي في مدينة كورك الإيرلندية. وما لبثت الشركة أن استفادت من ثغرات في قوانين الضرائب الإيرلندية والأميركية لتعزو أرباحها الأوروبية إلى مكاتب لم تكُن إلا حبراً على ورق، بالتالي لم تكُن تخضع للضرائب في أي بلد. وبفضل هذا الترتيب، خفضت "أبل" عبئها الضريبي بحلول عام 2014 إلى مجرد 0.005 في المئة وفق تحقيق أجرته المفوضية الأوروبية.

أصبحت هذه التكتيكات المشبوهة القاعدة لدى الشركات المتعددة الجنسيات. قبل سنتين، مثلاً، حقق 37 موظفاً لدى "شل" في جزر البهاماس مبيعات بقيمة 28 مليار دولار وأرباحاً معفاة من الضرائب بقيمة 1.55 مليار دولار وفق تقرير الشركة عن مساهمتها الضريبية لعام 2022.

من الصعب أن يفهم المرء دوافع معارضة الولايات المتحدة لـ"اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية"

ومع انتشار الملاذات الضريبية، يزداد الغضب العام من الشركات الأكثر ثراءً التي تتجنب دفع ضرائبها. وفهم قادة "مجموعة الـ20" هذا الأمر عام 2013 عندما كانوا في حاجة ماسة إلى الأموال بعد الأزمة المالية العالمية وطلبوا من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقديم حل لوقف التهرب الضريبي من قبل الشركات المتعددة الجنسيات أو في الأقل تقليله. وعام 2016، وُسعت المحادثات تحت مظلة ما يُسمى "الإطار الشامل" Inclusive Framework الذي استقطب أكثر من 100 بلد غير عضو في المنظمة إلى المفاوضات الضريبية. ودعا الإطار الشامل الخاص بالمنظمة إلى "حل قائم على ركيزتين" وعام 2021، وافق 138 بلداً وكياناً سيادياً بصورة مبدئية على تنفيذه، على رغم أن التفاصيل لم تكُن حددت نهائياً.

في الحل المقترح من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، توزع الركيزة الأولى الحقوق الضريبية على البلدان لكن فقط في ما يتعلق بالشركات المتعددة الجنسيات الـ100 الكبرى والأكثر ربحية وفقط في ما يخص جزءاً من الأرباح الكلية – وهو مخطط لا يمتلك أي منطق اقتصادي، ذلك أن هذا النطاق الضيق يعني أن الركيزة الأولى ستولد ما بين 9.8 مليار دولار و22.6 مليار دولار سنوياً – وهذا مبلغ ضئيل.

في المقابل، تهدف الركيزة الثانية إلى إنهاء ممارسة السباق نحو القاع [عبارة يُعنى بها تقليل القوانين المفروضة على الشركات أو تخفيض معدلات الضرائب لجذب الأنشطة الاقتصادية] التي تقدم فيها البلدان معاملة تفضيلية إلى الشركات المتعددة الجنسيات في مقابل الاستثمار. وتفرض الركيزة الثانية حداً أدنى عالمياً فاعلاً للضريبة يساوي 15 في المئة وهو منخفض نسبياً مقارنة بمعدلات الضرائب المفروضة في معظم البلدان. كان من المتوقع أن تولد هذه الركيزة 190 مليار دولار إضافية سنوياً. لكن لا يوجد سبب واضح للسماح للشركات المتعددة الجنسيات بأن تدفع ضرائب أقل مقارنة بالشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية التي تخضع لضرائب بمعدلات أعلى بكثير في عدد من البلدان. وينطوي الحد الأدنى المقترح للضريبة على ثغرات أو "استثناءات" رئيسة تسمح باستبعاد جزء كبير من أرباح الشركة المتعددة الجنسيات من قاعدة الضريبة الأدنى، مما يخفض فاعلية الضريبة الأدنى إلى أقل من 15 في المئة. (بالمقارنة، تدعو اللجنة المستقلة لإصلاح الضريبة الدولية المفروضة على الشركات Independent Commission for the Reform of International Corporate Taxation التي أترأسُها أنا مع الخبيرة الاقتصادية جاياتي غوش إلى حد أدنى للضريبة تبلغ نسبته 25 في المئة ويخلو من الثغرات ويمكن أن يولد أكثر من 500 مليار دولار).

على رغم أن كلا الركيزتين تقللان من الحوافز المالية للشركات المتعددة الجنسيات لتحويل الأرباح إلى ملاذات ضريبية، هما لا تقضيان على هذه الحوافز. حتى في النظام الجديد، سيتواصل ازدهار الملاذات الضريبية والمنافسة الضريبية وتحويل الأرباح، إذ ستظل الشركات المتعددة الجنسيات تمتلك حرية كبيرة في تخصيص الأرباح لكيانات سيادية ذات ضرائب منخفضة.

طريق مسدودة

ثمة مشكلات أساسية أخرى في الإطار الخاص بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. مثلاً، يجب على البلدان الموافقة على عملية إلزامية لتسوية النزاعات، إذ تحل الخلافات لجنة لتسوية النزاعات تتألف من مسؤولين ضريبيين وخبراء من المفترض أنهم مستقلون بدلاً من المحاكم التقليدية. يزيد هذا الشرط من سلطة الشركات الكبرى على حساب السيادة الوطنية، إذ يمكّن الشركات من تجاوز الأنظمة القضائية الوطنية. ولم تنجح عمليات كهذه لتسوية النزاعات جيداً في الماضي، لا سيما في النزاعات التي كانت بلدان نامية طرفاً فيها.

الأهم من ذلك، أن البلدان النامية، على رغم حضورها المفاوضات حول الإطار، لم تكُن مشاركة حقاً. ورفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كثيراً من المقترحات التي قدمتها البلدان النامية بما في ذلك دعوة المنتدى الأفريقي لإدارة الضرائب African Tax Administration Forum إلى وضع حد أدنى فاعل للضريبة بنسبة لا تقل عن 20 في المئة. ونظراً إلى أن معظم البلدان الأفريقية وأميركا اللاتينية تملك معدلات للضرائب المفروضة على الشركات تتجاوز الحد الأدنى البالغة نسبته 15 في المئة والمقترح في الركيزة الثانية، أعرب المنتدى الأفريقي لإدارة الضرائب عن مخاوفه من أن تضغط مبادرة المنظمة على تلك البلدان لخفض معدلاتها الضريبية.

علاوة على ذلك، شاب عملية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في مختلف مراحلها نقص في الشفافية. في بعض الحالات، تدخّل مسؤولون في صندوق النقد الدولي وطلبوا من بعض البلدان قبول اقتراح المنظمة والتخلي عن السعي وراء بدائل حتى قبل أن تعرف هذه البلدان تفاصيل رئيسة لهذا الاقتراح مثل مقدار الإيرادات الضريبية التي يمكن أن تتوقع هذه البلدان الحصول عليها أو خسارتها.

ويشير تحليل أجراه مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي إلى أن "أقل البلدان نمواً لا تحصل على إيرادات أو تحصل على إيرادات محدودة جداً". وفي مقابل هذا المبلغ الضئيل، يُطلَب من هذه البلدان التخلي عن مجموعة من الضرائب الأخرى مثل تلك المفروضة على الخدمات الرقمية والتي قد تحقق في الأجل البعيد إيرادات حكومية كبيرة في مقابل كلف إدارية منخفضة – وهذا تماماً ذلك النوع من الضرائب الذي تحتاج إليه البلدان النامية. وقد يكون إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أسوأ من النظام الراهن: مبادرة بدأت بنيّة زيادة الإيرادات من الضرائب المفروضة على الشركات المتعددة الجنسيات، لا سيما لمصلحة البلدان النامية، قد تفعل العكس تماماً.

ربما يتمثل العيب الأكثر فداحة في الخطة في أن دخول الركيزة الأولى حيز التنفيذ يتطلب مصادقة بلدان تستضيف المقار الرئيسة للشركات المتعددة الجنسيات الكبرى والأكثر ربحية، مثل الولايات المتحدة، على الإطار. لكن على رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها إدارة بايدن في التفاوض على إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من شبه المؤكد أن الكونغرس لن يصادق عليه لأن المصادقة تتطلب غالبية الثلثين في مجلس الشيوخ. ويعبر منتقدون يساريون عن قلقهم من ألا يضمن الإطار وصول العالم النامي إلى حصة عادلة من الإيرادات الضريبية. ويعارض الاتفاق معارضون يمينيون لأنهم يرون أنه يسمح لـ"قوى عالمية" بفرض أجندتها على الولايات المتحدة على حساب السيادة الأميركية.

بداية جديدة

كانت المحاولة الأولى للعالم لإصلاح النظام الضريبي العالمي فاشلة. لكن المسار الحالي في الأمم المتحدة من الممكن أن ينجح في إحياء التعددية.

تدرك البلدان التي تدعم "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية" نقاط القوة والضعف في نهج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ذلك أن نسخة الأمم المتحدة تسعى إلى البناء على عمل المنظمة في فرض الضرائب على الشركات المتعددة الجنسيات، لكنها توسع النطاق ليشمل، مثلاً، فرض الضرائب على الأفراد الأثرياء جداً. علاوة على ذلك، تسعى إلى ضمان أن تدفع الشركات المتعددة الجنسيات أكثر وأن تُوزع الحقوق الضريبية بصورة أكثر إنصافاً. وعلى عكس نموذج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من المرجح أن تتناول "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية" الضرائب البيئية الضرورية للغاية، لا سيما تلك المتعلقة بالتغير المناخي وإزالة الغابات. ففي عالم يتطلب التعاون في مكافحة التغير المناخي، تُعَدّ معارضة الولايات المتحدة للمبادرة الأممية غير مجدية.

لا أحد يحب التنازل عن السلطة، لذلك من المفهوم أن تفضل البلدان الغنية إجراء المفاوضات حول الضرائب العالمية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فالمنظمة حيز تسيطر عليه. لكنها يجب أن تدرك أن من مصلحتها المشاركة البناءة في هذه الطاولة التفاوضية الجديدة. وإلا فهي ستفقد كلاً من المكانة الأخلاقية والمكانة الاقتصادية. فمن خلال السماح لمواقفها بأن تكون مدفوعة على نحو كبير بمصالح الشركات، تكشف البلدان الغنية عن ضعف في ديمقراطياتها.

إن نظاماً ضريبياً عالمياً أفضل سيكون في مصلحة البلدان كلها، بما في ذلك الولايات المتحدة. فالحكومات، غير القادرة على جمع إيرادات ضريبية كافية من الشركات المتعددة الجنسيات، تفشل في الوفاء بالوعود التي تقدمها، مما يقوض التماسك الاجتماعي والثقة. ويمهد السخط العام بدوره الطريق أمام الشعبوية التي تمثل تهديداً أساسياً للديمقراطيات حول العالم.

في معارضة "الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة"، تعرضت الولايات المتحدة أيضاً لاتهامات بالنفاق. حتى عندما تدعو إدارة بايدن إلى فرض ضرائب مرتفعة في الولايات المتحدة، لا سيما على الشركات القوية والأثرياء جداً، تواصل دعم إطار يتسم بضرائب دولية منخفضة جداً وثغرات واسعة النطاق تتيح التهرب الضريبي. فبموجب قواعد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لا يزال بإمكان الشركات المتعددة الجنسيات تحويل الإنتاج والأرباح إلى كيانات سيادية ذات ضرائب منخفضة، وإن كانت هذه القدرة أقل من ذي قبل.

إن نظاماً ضريبياً عالمياً أفضل سيكون في مصلحة البلدان كلها، بما في ذلك الولايات المتحدة

يجب أن يكون فشل خطة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سبباً كافياً لدعم الجهد الوليد في الأمم المتحدة. لكن لدى واشنطن دافعاً آخر لدعمها: تحركت الصين لدعم "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية"، ويمكن أن يؤدي دخول بكين إلى دفع البلدان النامية بعيداً من الولايات المتحدة. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يمثل التنافس الجيوسياسي مع الصين حافزاً قوياً بصورة خاصة لدعم إصلاح شامل لقواعد الضرائب العالمية. والبلدان النامية التي تعاني نقصاً في الأموال تتجه على نحو متزايد إلى الصين للحصول على التمويل. إذا كانت واشنطن تأمل في الحفاظ على أثرها في تشكيل الشؤون العالمية، هي بحاجة إلى حلفاء، وبحاجة إلى التعاون مع هؤلاء الحلفاء لتعزيز نظام اقتصادي أكثر إنصافاً ودعمه. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الولايات المتحدة أن تدعم بناء إطار ضريبي شامل حقاً في الأمم المتحدة.

نظام الصوت الواحد للبلد الواحد في الأمم المتحدة يعني أن العملية ستستمر ومن المحتمل أن تقدم اتفاقية إطارية في الأعوام المقبلة مع دعم الولايات المتحدة أو من دونه، ذلك أن الاتفاقات الإطارية تدخل حيز التنفيذ، حتى لو لم تتفق البلدان كلها عليها. لقد أدت الولايات المتحدة دوراً حاسماً في صياغة كثير من المعاهدات الدولية التي لم تصادق عليها في نهاية المطاف، مثل "اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار" و"اتفاقية التنوع البيولوجي". و"اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية" ستضع معايير جديدة وأعرافاً جديدة. ومع مرور الوقت، ستلتزم الولايات المتحدة هذه الأعراف لأنها ساعدت في تشكيلها.

بعد ثلاثة عقود من نهاية الحرب الباردة، يشهد النظام العالمي تغيرات هيكلية هائلة. في قلب هذا التحول، يكمن التحدي الذي تطرحه الصين أمام هيمنة الولايات المتحدة. يجب أن ترى واشنطن في التفاوض حول اتفاقية إطارية في شأن التعاون الضريبي الدولي فرصة للمساعدة في تشكيل قواعد ضريبية عالمية منصفة تتمتع بدعم من معظم البلدان إن لم يكُن كلها. أما إهمال المشاركة البناءة في المفاوضات – أو الأسوأ، محاولة إفشالها – فيؤدي إلى دفع البلدان النامية إلى أحضان الخصم الرئيس للولايات المتحدة. وهذه مخاطرة لا تستحق السير بها.

لهذه الأسباب كلها، من الصعب أن يفهم المرء معارضة الولايات المتحدة لـ"اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية" – إلا إذا كان يرى موقف الولايات المتحدة مدفوعاً بمصالح الشركات أكثر من المصالح الوطنية.

 

*جوزيف إي ستيغليتز أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا وكبير الاقتصاديين في معهد روزفلت. هو مؤلف كتاب "الطريق إلى الحرية: علم الاقتصاد والمجتمع الجيد"The Road to Freedom: Economics and the Good Society.

مترجم عن "فورين أفيرز"، 3 يوليو (تموز) 2024

المزيد من آراء