ملخص
التخطيط لعودة اللاجئين طوعياً يندرج ضمن سلم الأولويات بتوفير ظروف العودة الآمنة، فهل هذا حدث؟
ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فقطعوا البراري والبحار طلباً للأمان المفقود في بلد قطعت الحرب المسعورة أوصاله، وأحالته إلى دويلات ومناطق ساخنة وغير مستقرة منذ ما يزيد على عقد من الزمن.
منذ موجة النزوح السوري عام 2015 إلى اليوم ما زال السوريون يلقون بأرواحهم بين أمواج البحر المتلاطمة على سواحل اليونان وتركيا كواجهة للسعي نحو أوروبا، أو يعبرون الغابات المليئة بمخاطر تتعلق بعصابات الخطف والتصفية على رغم نداءات العالم بإعادة اللاجئين.
بعد أن طوت دمشق صفحة عزلتها مع الدول العربية والحديث لا يتوقف عن ترحيل آمن لكل اللاجئين في دول الجوار، الأردن ولبنان وتركيا.
ومع دخول الأزمة السورية عامها الـ13 ما زالت خطوط التماس الباردة شمالاً تحافظ على مواقعها، إذ بدا التخلص من تنظيم "داعش" أحد أبرز أسباب فتور العمليات، وحفاظ القوى المتصارعة على أماكنها ومواقعها، لكن الأمر الأكثر سوءاً هو الأعداد الكبيرة من النازحين الذين هاجروا من مناطق متوترة، أو مدن تحظى بالاستقرار لكنها بحاجة ماسة إلى إعمار وإلا ستبقى مدناً للأشباح.
سخاء الدول المضيفة
واقع الأمر أن سوريا ما زالت تشهد أضخم أزمة نزوح في العالم منذ عام2011 بحسب تقرير للأمم المتحدة، إذ وصل عدد السوريين اللاجئين إلى أكثر من 15 مليوناً، تليها أوكرانيا بـ 8ملايين.
في المقابل وضعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حلولاً دائمة للاجئين من سوريا تهدف إلى دعم البلد المضيف وقدرة مجتمعه على الصمود، إذ يقطن 3,3 مليون سوري في تركيا، وفي لبنان ما يناهز 805 آلاف نازح، والأردن أكثر من 606 آلاف نازح.
لعل تمكين اللاجئين بالاعتماد على الذات بما في ذلك الوصول إلى الخدمات وفرص العمل القانونية وسبل العيش أبرز المساعي التي تعمل لأجلها المفوضية، ومع ذلك فإنها تعمل خلال هذا الوقت في ظروف استثنائية صعبة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية والأزمة المالية ومحدودية الدول الداعمة، ولهذا يأتي التخطيط لعودة اللاجئين إلى سوريا على أساس طوعي ضمن سلم الأولويات، على أن تتوافر ظروف العودة الآمنة والكريمة والمستدامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا الشق يشكك الناشط الحقوقي رضوان العلي في تحقيق كل ذلك، لا سيما العودة القريبة للاجئين، بل على العكس حذر من تحول دول النزوح إلى محطات لنزوح جديد، مضيفاً "في حال لم يحدث أي انتقال سياسي والعثور على حل يحسم القضية السورية على أساس القرار الدولي لمجلس الأمن 2254 الذي يحض على وقف إطلاق النار والانتقال السياسي فإن نزف الهجرة لن يتوقف".
يرجح العلي في حديثه لـ"اندبندنت عربية" هذا الأمر لعدم وجود عودة آمنة وكريمة إلى اليوم، متسائلاً "لماذا لا تقدم أموال مضاعفة للمهاجرين تشجعهم على العودة وإعادة إعمار دورهم أو أراضيهم بما يمكن أن يحقق لهم مستوى كريماً من الحياة؟".
يتخوف الناشط الحقوقي من عودة قسرية يمكن أن تحدث بصورة مختلفة، منها توقف الدعم المالي أو الغذائي، أو التضييق على اللاجئين لإحداث هجرة طوعية في بلاد النزوح، التي تمر بالتالي بأزمات مالية، علاوة على ما تشهده من تخفيف حجم المساعدات الإنسانية التي ترسلها الدول المانحة، إذ لم يبق الملف السوري على سلم أولوياتها بعد اندلاع الحرب الأوكرانية وما يصاحبها من تداعيات إنسانية.
كان المتحدث باسم مفوضية اللاجئين بوريس تيشيركوف ناشد قبل أكثر من عام من العاصمة جنيف دول العالم إلى ضرورة عدم إغفال الحاجات المتزايدة للنازحين واللاجئين السوريين داخل البلاد وخارجها، إذ لا تزال سوريا تشهد أضخم أزمة نزوح في العالم، وفي المقابل تحتاج الدول المجاورة والقريبة إلى دعم دولي مستمر، بخاصة أنها تستضيف بسخاء أكثر من 5,6 مليون لاجئ سوري، وهذه البلدان تتعرض لضغوط مالية متزايدة.
وما أشبه اليوم بالبارحة، لكن نداء متحدث المفوضية تيشيركوف الذي يعود لعام مضى ما زال يتردد من دون حلول حاسمة تلوح في الأفق، وزاد الأمر قساوة تعرض سوريا لزلزال مدمر أتى على الشمال والشمال الغربي من البلاد، وأسفر عن وقوع ضحايا وتشريد مئات الآلاف من العائلات، ومنها عائلات نازحة أصلاً ولكن بمناطق داخل البلاد لتقاسي النزوح مرتين، الأولى هرباً من الحرب والثانية من هول الكارثة.
مستقبل سوريا
إزاء ذلك تتأهب بروكسل لمؤتمر المانحين التقليدي، الذي يعقد كل عام لمناقشة أزمة اللاجئين السوريين، ولعل النسخة السابعة حول دعم سوريا والمنطقة حددت في الـ14 والـ15 من يونيو (حزيران) الجاري، وتشير المعلومات الأولية إلى أن اليوم الذي يسبق المؤتمر خصص للحوار مع المجتمع المدني من سوريا وخارجها وإشراك صانعي القرار والشركاء التنفيذيين.
لقد أرهق النزوح السوري الكثيف الدول المجاورة، ولم يعد خافياً انخفاض حجم التمويل الأوروبي، ولهذا من المرتقب زيادة مساعي المانحين لتجديد الدعم السياسي والمالي من جانب المجتمع الدولي لتلك الدول، وهي الأردن ولبنان وتركيا، إضافة إلى مصر والعراق.
وفي وقت سابق، تعهد مؤتمر المانحين بتقديم 7 مليارات دولار لشعبي سوريا وتركيا بعد كارثة الزلزال على إثر اجتماع أكثر من 60 وفداً في الـ20 من مارس (آذار) الماضي، في حين أعلنت المفوضية الأوروبية في مؤتمر بروكسل دعماً لعام 2023، بـ56 مليار يورو (59.88 مليار دولار) للسوريين اللاجئين في داخل البلاد والمجتمعات المضيفة.
مع كل ذلك يرغب النازحون في هذه البلاد بإيجاد حل واضح المعالم لقضيتهم ينهي رحلة الشتات التي طالت، ليعودوا آمنين إلى الديار بعد إجراءات سياسية فاعلة على الأرض، فملايين السوريين في حال عودتهم من المتوقع أن تكون لديهم القدرة على إنعاش أراضيهم من جديد.