Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعليقات حول الأبوة والأمومة ليست مسيئة فحسب بل مرعبة

إن شيئاً لا يمكن أن يغير مشاعري تجاه جدتي أو زوجة والدي. فأنا أعتبرهما والدتين لي سواء قبلتهما مارجوري تايلور غرين على هذا الأساس أم لا

لم تكتفِ تايلور غرين بإهانة الآباء والأمهات المثليين، بل أيضاً ملايين الأميركيين الذين يعتنون يومياً بأطفالٍ ويحبونهم، وهم غير مرتبطين بهم بيولوجياً أو قانونياً (أ ب)

أتمنى أن يتسنى لمارجوري تايلور غرين [سيدة أعمال أميركية ونائبة عن الحزب الجمهوري من ولاية جورجيا] الالتقاء بزوجة والدي - أو كما أسميها "أمي". بالطبع قد يكون أكثر أماناً لمارجوري ألا تقوم بذلك. نعم، زوجة والدي هي امرأةٌ رائعة، لكن أن تقول لها إن أحد أطفالها ليس لها، حتى ولو لم تنجبه، فهذا أمر لا تحمد عقباه معها.

في الأمس القريب، وفي تبادلٍ لكلام لا يليق بأحد أعضاء مجلس النواب، سألت عضو الكونغرس عن ولاية جورجيا رئيسة "الاتحاد الأميركي للمعلمين"  American Federation of Teachers راندي واينغارتن عما إذا كانت أماً. فأجابت الشاهدة (في جلسة الاستماع): "أنا أم بالزواج".

إلا أن مارجوري سارعت إلى التعليق بازدراء واضح على واينغارتن: "من خلال الزواج ... أرى ذلك". ومضت النائبة في كلامها لتشير إلى أن السيدة راندي وينغارتن هي "مجرد ناشطة سياسية وليست مُدرسةً ولا أماً".

ووفقاً لبيانات "المكتب الأميركي للإحصاء" US Census Bureau، فإن ما نسبته 8.7 في المئة من الأطفال في الولايات المتحدة في حد أدنى، يعيشون مع زوج لوالدتهم أو مع زوجة لوالدهم، أو مع أحد الوالدَين بالتبني. وهذه النسبة لا تشمل الأطفال الذين قد يكون لديهم زوج أم أو زوجة أب، لا يعيشون معهم، لكنهم قد لا يزالون يضطلعون بدورٍ نشطٍ في حياتهم. كما أنه لا يشمل نحو مليونين و550 ألف طفل أميركي يعيشون مع أجدادهم أو جداتهم، في ما وصفته مجلة "ذا أتلانتيك"  The Atlantic في وقتٍ سابق بـ "عصر الأجداد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كنتُ أنا أحد هؤلاء الأطفال. فوالدتي البيولوجية كانت على مشارف عيد ميلادها الثامن عشر عندما وُلدت، حيث تركتني ووالدي بعد بضعة أشهر وغادرت المنزل. وبعد فترةٍ وجيزة، تعرض والدي لحادث دراجةٍ نارية مروع. تولى بعدها والداه تربيتي حتى بلغتُ الثانية من عمري، عندها تزوج أبي من امرأة - هذه السيدة التي أسميها أمي. وقد انقسمت مرحلة طفولتي ما بين منزلهما في ولاية أوهايو، وبيت جدي وجدتي في ولاية كنتاكي، إلى حين انتقلتُ في وقتٍ لاحق للعيش في منزل جدي بشكلٍ دائم عندما أصبحت في الـ 15 من عمري. وقد أدخلاني "ماماو" و"باباو"، كما كنتُ أسميهما، إلى المدرسة الثانوية والجامعة.

في الواقع، أعتبر جميع هؤلاء الأشخاص أهلي. فعلاقتي مع كل فردٍ منهم حميمية جداً، بمَن فيهم والدتي البيولوجية التي التقيتُ بها للمرة الأولى عندما كنتُ في سن السادسة عشرة. لكن إذا طُلِب مني اختيار من تكون "أمي"، فإنني أجيب بأنها زوجة أبي وجدتي - وليس المرأة التي ولدتني. أنا أحبها، لكنني أدرك أنها تتفهم العلاقة الخاصة التي تربطني بهاتين الامرأتين اللتين قامتا بتربيتي. كما أنني أعتز بعلاقاتي مع بقية أفراد عائلتي. من أخي غير الشقيق وبطلي - الذي بالنسبة إلي هو ببساطة أخي - إلى جدي وزوجته اللذين رحبا بي في منزلهما بلا تردد.

انطلاقاً مما أشرت إليه، فإنني اعتبر بالتأكيد أن تعليقات مارجوري تايلور غرين مهينةً للغاية. وبغض النظر عن رهاب المثلية المتضمن في ملاحظاتها - إذ إن راندي واينغارتن هي مثلية - فلم تكتفِ (تايلور غرين) بإهانة الآباء والأمهات المثليين، بل أيضاً ملايين الأميركيين الذين يعتنون يومياً بأطفالٍ ويحبونهم، وهم غير مرتبطين بهم بيولوجياً أو قانونياً، إنما يسهرون على رغم ذلك على تأمين قوتهم وراحتهم ويغمرونهم بالحب.

في مرحلة ما بعد إلغاء القرار التاريخي الصادر عن "المحكمة العليا" الأميركية، "رو ضد وايد" Roe V Wade (الذي شرع الإجهاض في الولايات المتحدة)، قد يعتقد البعض أنه يجب على "الجمهوريين" تشجيع الأبوة أو الأمومة الإيثارية [تشير الأبوة الإيثارية إلى نهج الأبوة والأمومة الذي يركز على نكران الذات والرحمة والاهتمام الحقيقي برفاه الطفل ونموه). ففي نهاية المطاف، يتعين على أشخاصٍ ما أن يعتنوا بأطفال غير مرغوب فيهم إذا ما أُجبرت نساء أميركيات على إنجابهم. إن الاعتقاد بأن كل طفلٍ من هؤلاء ستجري - أو حتى يجب أن تكون - تربيته من جانب نساء لم يكن يرغبن به في المقام الأول، هو ضربٌ من الوهم.

مع ذلك، وعلى رغم كل ما يقوله "الجمهوريون" عن "قدسية الحياة" ومخاوفهم في شأن انخفاض معدلات المواليد (البيض)، فلا يبدو أنهم يعبأون في الواقع بالأمهات (سواء كن بيولوجيات أم لا) أكثر مما يولونه للأطفال أيضاً.

لهذا السبب، وعلى رغم الأدلة المتزايدة على إجبار الأطفال على العمل في ظروفٍ غير آمنة في مختلف أنحاء هذه البلاد، يتسابق "الجمهوريون" على إلغاء القوانين الراهنة المتعلقة بعمالة الأطفال. ويبدو أنهم يدركون بأن أطفالهم لن يكونوا هم الذين سيُضطرون إلى العمل في المصانع أو في المزارع الأميركية أو في مطاعم الوجبات السريعة.

وكما كتب روبرت رايتش في صحيفة "غارديان" الشهر الماضي، فإن "الأطفال الذين يتعرضون للاستغلال هو أمر متعلق ’بهم‘ لا ’بنا‘، فهؤلاء الفقراء بشكلٍ غير متناسب هم من السود ومن أصول لاتينية ومن المهاجرين. لذا فإن العار الأخلاقي المتمثل في إخضاع ’أطفالنا‘ لظروف عملٍ غير إنسانية عندما يجب أن يكون مكانهم في المدرسة، يُجرى تجاهله بصمت وتجنب التعامل معه ...".

كانت تعليقات مارجوري تايلور غرين بحد ذاتها مهينةً بما فيه الكفاية، لكن عند النظر إليها ضمن سياقها إلى جانب السياسات والمواقف "الجمهورية"، فإنها تصبح أكثر إثارةً للخوف والقلق. قالت بشكلٍ أساسي إن الحزب "الجمهوري" يعترف فقط بنوع محدود للغاية لمفهوم الأسرة - وهو تعريف الأم والأب البيولوجيين الثريين ضمن زواج العهد - ويسعى إلى منح هذا التعريف امتيازاً وأفضلية في القانون على حساب أي نوع آخر من الأسرة. وهي على حق. فلطالما عارض "الجمهوريون" الجهود المبذولة لحظر زواج الأطفال خوفاً من أن يزعج ذلك الطوائف الدينية الإنجيلية واليمينية المتطرفة.

ولهذا السبب تسعى المنصة الرسمية للحزب "الجمهوري" في تكساس، إلى إلغاء نوع الطلاق الذي يسمح للأزواج بالانفصال من دون الاضطرار لإثبات وجود خطأ من قبل أي من الطرفين (No-Fault Divorce)، واستبداله بـ "زواج بموجب تعهد" Covenant Marriage (يقضي بخضوع الزوجين للاستشارة قبل الزواج والموافقة على شروط طلاق أكثر تقييداً)، ما يجعل من الصعب على النساء المعتدى عليهن ترك أزواجهن المسيئين إليهن. (وقد نوقشت هذه المسألة أخيراً عبر إعلان المعلق اليميني المتطرف المعروف بمواقفه المثيرة للجدل ستيفن كراودر عن طلاقه، عندما بدت عليه علامات الأسى من مدى سهولة ممارسة زوجته إرادتها الحرة في تركها له). وبالطبع، هذا هو السبب في أن "الجمهوريين" ما زالوا عازمين على تعزيز تعريفهم المحدود للأسرة بأي ثمن، بما في ذلك محاولة إلغاء قرار "المحكمة العليا" في عام 2015 في قضية "أوبرغيفل ضد هودجيس"  Obergefell V. Hodges، الذي اعترف بحماية الدستور الأميركي لزواج المثليين.

ويشكل كل ما تقدم جزءاً من مبادرةٍ "جمهورية" تقضي بتقويض أي تقدمٍ أُحرز في القرن الماضي، وبإعادتنا إلى الزمن الفيكتوري حين كان أطفال الأسر الفقيرة يعملون عند الأثرياء، وكانت النساء تلازم المنزل من دون القدرة على ترك أزواجهن، إلا في ظروف استثنائية، ونادراً ما يأخذ قاضٍ (والقضاة هم عادةً من الذكور) في الاعتبار ظرفاً استثنائياً في قضايا تكون فيها الولادة القسرية هي القاعدة، في غياب أي دعمٍ من الدولة. في تلك المرحلة من الزمن، كان يمكن تزويج الفتيات القاصرات من رجال بالغين، طالما كان الكتاب المقدس موجوداً. إنه الواقع المرير الديكينزي (الظروف القاسية والقمعية للمجتمعات التي تصورتها أعمال الكاتب تشارلز ديكينز). 

مع ذلك، وبغض النظر عما قد تعتقده مارجوري تايلور غرين، فإن شيئاً لا يمكن أن يغير حقيقة أن جدتي وزوجة والدي ستكونان دائماً في نظري بمثابة والدتين لي.

إلا أن ما يمكن تغييره فهي القوانين التي نعتبرها من الأمور المسلم بها والتي تحمي عائلاتٍ كأسرتي، وهي مختلطة وحديثة وممثلة لبلاد تشبهنا كما نحن، وليس كما يريدنا "الجمهوريون" أن نكون عليه. ولعل هذا هو السبب في أنه من الضروري ألا يُسمح لأشخاص مثل مارجوري تايلور غرين - وهم الأفراد الذين لا يحترمون أمهات هذه الأمة بأي شكلٍ يكن عليه، سواءٌ كن عظيمات أم زوجات آباء، أم حتى إلاهات أساطير - بإعادة إحياء "عصر ذهبي" جديد، يُختزل النساء والأطفال فيه على أنهم ممتلكات، واختصار الروابط الأسرية بعلم الوراثة.

وإن لم يعجبها هذا الكلام، فأود أن أسمعها تقول ذلك أمام زوجة والدي. كأن تخبرها بأنني لست طفلتها وبأنها ليست أمي. إنها بلا شك ستعيدكِ إلى القرن التاسع عشر - وبصراحة، إن هذا هو الزمن الذي يبدو أن مارجوري تايلور غرين وأمثالها من "الجمهوريين" يريدون أن يكونوا فيه على أي حال.

© The Independent

المزيد من منوعات