ذهل العالم هذا الأسبوع بعد الاتفاق التاريخي بين بطولتي "بي جي أي" الأميركية و"ليف غولف" السعودية، بعد صراع مرير امتد سنوات. واعتبرت وسائل إعلام غربية التطور الأخير انتصاراً لطموحات السعودية ومساعيها في أن تكون قوة مؤثرة في الرياضات العالمية، بعد منافسة صعبة.
ووصف مراقبون اندماج البطولتين مع الجولة الأوروبية لتوحيد كيان لعبة الغولف بـ"الصادم" نظراً إلى تاريخ الصراع بين المؤسستين اللتين اتفقتا، أخيراً، على دمج الأعمال والحقوق التجارية المتعلقة بالغولف، بما في ذلك "ليف غولف" مع الأعمال التجارية وحقوق "جولة بي جي أي" و"جولة دي بي وورلد" في كيان جديد مملوك جماعياً.
وستسمح الاتفاقية الجديدة للاعبي "ليف غولف" بالتقديم على عضوية "بي جي أي" الأميركية و"دي بي وورلد"، بعد المعركة التي خاضها اللاعبون ضد قرار الجولتين الأميركية والأوروبية منعهم من اللعب بسبب مشاركتهم في البطولة السعودية. وجاءت المصالحة بين أعداء الأمس مفاجئاً حتى للاعبي الجولة الأميركية الذين لم يبلغوا بالاندماج.
"نيويورك تايمز": انتصار سعودي
وصفت "نيويورك تايمز" الشراكة الجديدة بأنها "انتصار كبير" للطموحات السعودية في القطاع الرياضي، مشيرة إلى الدور المتوقع للاتفاق في إحداث ثورة في لعبة الغولف. وقالت الصحيفة، إن المصالحة بين الطرفين تمت بعد مفاوضات غُيب عنها اللاعبون، مضيفة أنها حدثت بوتيرة متسارعة لدرجة أن اسم الكيان الجديد لم يتم اختياره بعد، حيث اكتفت وثائق الاتفاق بتسميته "NewCo" وهو اختصار لكلمتي "الشركة الجديدة".
وأشارت الصحيفة إلى فشل "بي جي أي" الأميركية في إيقاف مد نظيرتها السعودية "ليف غولف"، حتى بعد منع الجولة الأميركية لاعبي الأخيرة من المشاركة، فعلى رغم المعركة المحتدمة ضد كل من يشارك في الجولة السعودية، فإن الأخيرة تمكنت لاحقاً من ضم أكبر نجوم اللعبة ومنهم بروكس كوبكا وفيل ميكلسون وكاميرون سميث.
وجاءت الصفقة بحسب "نيويورك تايمز" في وقت تسعى فيه السعودية إلى تثبيت نفسها في المسرح العالمي كدولة مؤثرة ليس باعتبارها منتجاً رئيساً للنفط، بل كقوة في عالم الرياضة.
ورأت المصالحة الأخيرة التي أذهلت عشاق اللعبة بسبب توقيتها ونطاقها النور بعد سلسلة من الاجتماعات الربيعية في لندن والبندقية وسان فرانسيسكو. وعلى رغم أن الاتفاق لا يعني استحواذ السعودية على رياضة الغولف الاحترافية، فإنه سيعطي كبار مسؤوليها نفوذاً كبيراً، وفق الصحيفة. وقال لاعب الغولف الأميركي الفائز ببطولة "بي جي أي" عام 1993 بول أزينجر، إن "مستقبل الغولف سيكون مختلفاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"بلومبيرغ": قوة عظمى جديدة في الغولف
من جانبها، قالت "بلومبيرغ"، إن الاتفاقية تمهد لصعود "قوة عظمى" في عالم رياضة الغولف، مشيرة إلى دور محافظ الصندوق السيادي السعودي ياسر الرميان في إقناع مسؤولي الجولة الأميركية بأن مصلحة الجميع تكمن في توحيد الجهود لا التنافس، واصفة المسؤول السعودي الذي سيرأس الكيان الجديد بأنه "لاعب غولف شغوف". وأشارت إلى منصبيه كرئيس لمجلس إدارة شركة "أرامكو" السعودية ونادي نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز.
وعرجت الوكالة على نقاط قوة وضعف كل من البطولتين، التي يبدو أنها كانت دافعاً للاندماج، فبطولة "ليف" من جانب أنفقت أموالاً طائلة لجذب كبار لاعبي الغولف، واستخدمت تكتيكات ترويجية مميزة لجذب المشجعين، ولكنها واجهت صعوبة في إبرام صفقات البث التلفزيوني والرعايات، في حين كانت وما زالت الجولة الأميركية رغم شهرتها وتاريخها العريق أمام تحد لجذب جيل جديد من مشاهدي اللعبة مع تقدم جمهورها التقليدي في العمر. ويخلق الاتفاق الجديد فرصة لتوحيد الموارد والإمكانات لتعظيم أرباح الجميع.
وذكرت "بلومبيرغ" أن السعودية تنظر بشكل متزايد إلى الرياضة كوسيلة للتخلص من سمعتها كدولة نفطية لا تجمعها نقاط مشتركة كثيرة مع الاقتصادات المتقدمة الأخرى، لافتة إلى استثمار صندوقها السيادي ملياري دولار إضافيين في جولة "ليف" في مايو (أيار) الماضي، إضافة إلى استثمار أولي بنحو مليار دولار، في الوقت الذي تنفق فيه البلاد على رياضات التنس والكريكت وسباق السيارات، وتسعى إلى جذب نجوم كرة القدم العالميين.
"فايننشال تايمز": سلام غير متوقع
وكتبت "فايننشال تايمز" أن السعودية تستعد لضخ مليارات الدولارات في كيان للغولف في العالم، بعد الاندماج الأخير، واصفة الصفقة بأنها "حل صادم" للنزاع الذي قسم اللعبة وأدى إلى منع اللاعبين الذين انضموا إلى البطولة المدعومة من السعودية من المشاركة في جولة "بي جي أي" و"دي بي وورلد"، وهو ما دفع الحكومة الأميركية إلى فتح تحقيق فيدرالي في شبهة ارتكاب "بي جي أي" ممارسة احتكارية.
وقالت الصحيفة البريطانية، إن الاختراق السعودي الأخير في رياضة الغولف يتزامن مع مساعي البلاد لجذب نجوم كرة القدم، وإحداث نقلة في الدوري السعودي، مشيرة إلى برنامج تخصيص الأندية الذي أعلن عنه، الأسبوع الماضي، وينص على نقل ملكية أربع فرق سعودية لكرة القدم إلى صندوق الاستثمارات العامة الذي يمتلك أيضاً نادي نيوكاسل الإنجليزي.
"فوكس نيوز": ليف باقية
من جانبها، نقلت "فوكس نيوز" عن الرئيس التنفيذي لبطولة "ليف غولف" غريغ نورمان قوله، إن البطولة ستبقى كما هي، وسط تكهنات حول مستقبله وما إذا كانت الصفقة الأخيرة نهاية لمسيرته كرئيس تنفيذي للجولة، خصوصاً أن الإعلان الرسمي أغفل ذكر اسمه. وأضاف "ليف مؤسسة قائمة بذاتها، وستظل كذلك. لن يتغير نموذج أعمالنا. لقد غيرنا التاريخ، ولن نذهب إلى أي مكان".
وذكر موقع "Sports Illustrated" أنه "من غير المتوقع أن يكون نورمان جزءاً من المشروع في المستقبل"، خصوصاً أن الرميان أقر بأنه أبلغ نورمان هاتفياً في شأن تشكيل الكيان الجديد مباشرة قبل الإعلان الرسمي عنه، مثل آخرين في اللعبة، ممن لم يكن لديه أدنى فكرة عن الخطط الجديدة.
"فوربس": الموقف من ترمب؟
وكتبت "فوربس"، "لتعرف مدى وسرعة انتشار تأثير صندوق الاستثمارات العامة، فلا يحتاج المرء إلا أن يأخذ نظرة على عالم الرياضة، حيث أعادت الأموال السعودية بالفعل تشكيل كرة القدم عالمياً، فياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي ورئيس مجلس إدارة شركة النفط العملاقة السعودية ’أرامكو’، هو أيضاً رئيس مجلس إدارة نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز، و’فورمولا1’ إضافة إلى الغولف".
وركزت "فوربس" على تأثير الصفقة على دونالد ترمب الذي يعد من كبار المستثمرين في اللعبة، وقالت، إن الاندماج المفاجئ بين فصيلي الغولف المتحاربين لن يولد أي مكاسب كبيرة لترمب بشكل مباشر، إلا أنه وبناء على الهيكل المستقبلي للمشروع المشترك الجديد، فيمكن أن يفوت الرئيس الأميركي السابق مبلغ مليون دولار أو أكثر من الرسوم التي تدفعها "ليف" لإقامة جولة واحدة في ملاعبه، نظراً إلى أن "بي جي أي" تضع المنشآت التي يملكها ترمب في قائمة سوداء منذ أحداث اقتحام الكابيتول، ومن المنتظر أن تقرر الجولة ما إذا كانت ستعيد النظر في قرارها. وتعتبر البطولات رفيعة المستوى أداة تسويقية لا تقدر بثمن لملاعب الغولف والمنتجعات، ولذلك من الممكن أن تستفيد ملاعب ترمب من الزخم التسويقي في حال جذب الكيان الموحد جماهير التلفزيون الكبيرة التي لا يغطيها بث "ليف" على شبكة "CW".
ولعب ترمب أكثر من 300 جولة خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض، وفي العقد الماضي أنفق نحو 500 مليون دولار لشراء وتجديد ملاعبه لاستضافة الأحداث الكبرى. ويشاع بأنه أثناء رئاسته، ضغط على السفير الأميركي لدى المملكة المتحدة الملياردير وودي جونسون للدفع نحو إقامة بطولة بريطانيا المفتوحة في ملعب يمتلكه في اسكتلندا.
"على بايدن أن يحذو حذو PGA"
وكتب مجلس التحرير في "وول ستريت جورنال" أن الرئيس الأميركي جو بايدن بوسعه السعي إلى عرقلة الصفقة، لكن من الصعب معرفة من المتضرر من ذلك. وقالت "من الحكمة أن يحذو الرئيس حذو PGA ويصلح الأمور مع السعوديين". ووصفت الصحيفة الاتفاق بأنه "انتقام" سعودي، مشيرة إلى أنه قد يصنف بأنه الأكبر في تاريخ اللعبة، إذ ستستفيد منه جميع الأطراف المعنية، ولن يضطر اللاعبون بعد اليوم إلى الاختيار بين اللعب في إحدى الجولتين.
اتفاق تاريخي
ومن المقرر أن يضخ الصندوق السياسي استثماراً رأسمالياً في الكيان الجديد لتسهيل نموه ونجاحه. وسينفذ الكيان الجديد "تي بي دي" خطة لتنمية هذه الأعمال التجارية المشتركة، وزيادة مشاركة المعجبين وتسريع مبادرات النمو الجارية.
وسيتبع الاندماج نهاية متفق عليها بشكل متبادل لجميع الدعاوى القضائية المعلقة بين الأطراف المشاركة. علاوة على ذلك، ستعمل المنظمات الثلاث بشكل تعاوني وبحسن نية لإنشاء عملية عادلة وموضوعية لأي لاعب يرغب في إعادة التقدم بطلب للحصول على عضوية في "جولة بي جي أي" أو جولة موانئ دبي العالمية بعد الانتهاء من موسم 2023 ولتحديد معايير وشروط عادلة لإعادة القبول، بما يتفق مع سياسات كل جولة.
وسيعمل الكيان الجديد على ضمان جدول زمني متماسك للأحداث التي ستكون مثيرة للجماهير والرعاة وجميع أصحاب المصلحة. وسيكون صندوق الاستثمارات العامة في البداية المستثمر الحصري في الكيان الجديد، إلى جانب جولة "بي جي أي" و"ليف غولف" وجولة موانئ دبي العالمية.
وسيكون لصندوق الاستثمارات العامة السعودي الحق الحصري في مواصلة الاستثمار في الكيان الجديد، بما في ذلك حق الرفض الأول لأي رأس مال قد يتم استثماره في الكيان الجديد، بما في ذلك "جولة بي جي أي" و"ليف غولف" وجولة "موانئ دبي العالمية" كما ستعين "جولة بي جي أي" غالبية مجلس الإدارة وتمتلك غالبية حقوق التصويت في الكيان المدمج.