ملخص
الدور الفرنسي في النهاية محدود لأن أوراق اللعبة ليست في يد باريس حتى بالتكليف الأميركي والعربي.
فرنسا كانت دائماً حاضرة في لبنان سياسياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً، ليس فقط منذ إعلان الجنرال غورو قيام لبنان الكبير خريف عام 1920 ثم الانتداب والاستقلال، بل أيضاً قبل ذلك بقرون.
الملك فرانسوا الأول تولى حماية "الأقليات المسيحية" باتفاق مع السلطان العثماني، ونابوليون الثالث تدخل في جبل لبنان عسكرياً عام 1860 عشية اتفاق الدول الكبرى في تلك الأيام على قيام "متصرفية جبل لبنان"، إذ رعت فرنسا الموارنة وروسيا الأرثوذكس والنمسا الكاثوليك وبريطانيا الدروز، أما المسلمون فإنهم على دين السلطان بلا حاجة إلى رعاية.
الرئيس فرانسوا ميتران أرسل مع أميركا قوات فرنسية ضمن قوات متعددة الجنسيات بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فتلقت أميركا وفرنسا أقوى ضربة إرهابية على أيدي خلايا تابعة لإيران.
وفرنسا هي الدولة الوحيدة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التي تشارك بقوات في الـ "يونيفيل" بالجنوب اللبناني، والجنرال ديغول عاش في بيروت بين عامي 1929 و1931 وكان ضابطاً صغيراً ألقى محاضرة للشباب بجامعة القديس يوسف.
لبنان كان دائماً نقطة ارتكاز النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط، النفوذ الاقتصادي والسياسي والثقافي، حيث نشر اللغة الفرنسية وتفضيل الشباب اللبناني التعلم في الجامعات الفرنسية، وحين أسست واشنطن جامعة أميركية في بيروت أسست باريس جامعة فرنسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عندما ينسى الجميع لبنان فإنه يبقى محل اهتمام دولتين، الفاتيكان وفرنسا، والبقية بحسب المواسم والمصالح، فأميركا تراوح بين الاهتمام الكبير والصغير، وموسكو حريصة على دور لبنان ودورها المحدود فيه، وسوريا لعبت فيه أكثر من اللزوم، وإسرائيل راهنت على مشروع سقط.
مصر كانت دائماً تقدر حساسية موقعه وموقفه، أما إيران بعد ثورة الخميني فإنها صارت صاحبة الاستثمار الأكبر فيه عسكرياً وأمنياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً.
وما حدث أخيراً هو انحياز فرنسا في السباق على رئاسة الجمهورية إلى خيار "الثنائي الشيعي" بمواجهة القوى الأساس المسيحية والقوة الأساس الدرزية، إضافة إلى قوى سنيّة، وكان ذلك خروجاً على المألوف أسهمت فيه عوامل عدة بينها التأثير على "خلية الإليزيه" المؤلفة من السفيرين باتريك دوريل وإيمانويل بون.
وحتى الرئيس إيمانويل ماكرون الذي زار بيروت مرتين بعد الانفجار الرهيب في مرفأ العاصمة، وحاول ترتيب صيغة إصلاحية تنكر لها أمراء الطوائف الذين وافقوا عليها في حضوره، بدا كأنه نسي تقريعه للتركيبة السياسية الفاسدة واختار الخروج عبرها من الأزمة، لكن الخيار الفرنسي واجه ممانعة لبنانية قوية.
وما كان غريباً أن يزور البطريرك الماروني بشارة الراعي باريس للنقاش في العلاقات الفرنسية - اللبنانية مع ماكرون، ومن هنا مسارعة ماكرون إلى اختيار وزير الدفاع والخارجية سابقاً السياسي المخضرم جان إيف لودريان ليكون موفده الخاص إلى لبنان في مهمة عنوانها بناء تصور واقتراح حلول في إطار توافقي.
لودريان يعرف لبنان جيداً، وهو أدرك عمق الأزمة حين حذر من "خطر الزوال"، ووصف الوضع اللبناني بأنه يشبه وضع "تيتانيك" الغارقة لكن من دون موسيقى، غير أنه لا يحمل عصا سحرية ولا فائدة من محاولة إعادة اختراع العجلة، فالدنيا تغيرت.
فرنسا "اللبنانية" لم تعد تحصر علاقاتها مع لبنان في الموارنة بمقدار ما عملت على تنويع العلاقات، لا سيما عندما انحازت إلى خيار الرئيس رفيق الحريري وما يمثله، ولبنان "الفرنسي" صار أقرب إلى واقع لبنان "الأميركي" ولم يكد يخرج من ثوب لبنان "السوري" ليعود لبنان "اللبناني"، حتى وجد نفسه في ثياب لبنان "الإيراني".
ومن هنا كان انحياز باريس إلى خيار لبنان "الإيراني"، فهي أيضاً تريد توسيع الفرصة الممكنة لعلاقات اقتصادية وشراكة مع طهران، لكن خيار الحريري الذي انحازت إليه فرنسا كان خياراً وطنياً لبنانياً في إطار الدولة الوطنية، أما "حزب الله" فإن خياره إقليمي في إطار ولاية الفقيه.
وعندما تعلن وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا أنه ليس لدى بلادها مرشح رئاسي فإنها تعيد الاعتبار لموقف تجاوزته خلية القصر الرئاسي، والدور الفرنسي في النهاية محدود لأن أوراق اللعبة ليست في يد باريس حتى بالتكليف الأميركي والعربي.