ملخص
بريكست يحتاج إلى المزيد من الوقت لتطبيقه تماماً والوقت ما زال سانحاً للعودة عنه.
شق بريكست صفوف بريطانيا كما لم يفعل حدث آخر من قبل. لم يقسم البلاد حول المسألة المطروحة في ورقة الاستفتاء فحسب، بل أنشأ فريقين جديدين في الهوية، هما مؤيدو البقاء ومؤيدو الخروج. كانت قصة من قصص الفائزين السيئين والخاسرين السيئين، تركت بريطانيا أكثر انقساماً بعد سبع سنوات من التصويت مما كانت عليه خلال الحملات نفسها من أجل الاستفتاء عام 2016.
ثمة تحول كبير في الرأي العام نحو الندم، لكن المزاج الأكثر هيمنة هو مزاج الإرهاق. لم يغير معظم الناخبين الذين أيدوا الخروج رأيهم، على رغم أن الخمس فعلوا. أولئك الذين كانوا أصغر سناً من أن يصوتوا عام 2016 يعتقدون بأن الخطوة كانت فكرة سيئة وذلك بفارق أربعة أشخاص إلى واحد. لكن العاطفة الساحقة تتعلق بعدم الرغبة في سماع مزيد عن بريكست من أي شخص.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في أحدث مؤشر للمسائل لدى "إبسوس"، يعتقد واحد في المئة من الناس بأن بريكست أهم مسألة تواجه بريطانيا، بينما يصنفها سبعة في المئة كأولوية. وعلى رغم عدم اقتناعهم بترتب أي منافع على بريكست، يعتبر أربعة في المئة فقط من البالغين أقل من 35 سنة ذلك أولوية مقارنة بتسعة في المئة من البالغين أكثر من 55 سنة. ويقول بعض منهم إن كل الأشياء التي يهتم بها الناس أكثر من ذلك - الاقتصاد والتضخم وهيئة الخدمات الصحية الوطنية وتغير المناخ والهجرة - ترتبط ببريكست، لكن هذا ليس الشعور الشائع في أنحاء البلاد كلها في الوقت الحالي.
ما الذي يجب أن يفعله كير ستارمر في شأن بريكست؟ يعد "إنجاح بريكست" الآن واحداً من أولويات الحكومة التي يأمل في قيادتها.
هذا ليس دوراً كان زعيم حزب العمال ليتخيل أن يحاول أداءه عندما دخل البرلمان للمرة الأولى عام 2015، حين لم يتوقع لا تمرد مؤيدي [سلفه جيريمي] كوربين في حزبه الخاص، ولا فشل الجهود الرامية إلى إبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي في إقناع الأغلبية، مما غير السياق السياسي. كذلك لم يكن يتوقع أن يؤدي هذا الدور في السنوات التي تلت عام 2016، عندما كان من بين أولئك الذين حاولوا إبقاء احتمال إجراء استفتاء آخر قبل بريكست مطروحاً.
إذا وصل حزب العمال إلى السلطة، فستكون هذه هي المرة الأولى التي يتعامل فيها "الخاسرون" في الاستفتاء مع بريكست من موقع سلطة. تتلخص غريزة ستارمر الآن في سد الفجوة، ذلك أن الجغرافيا الانتخابية لهزيمة الحزب عام 2019 تعني أنه يعطي أولوية قوية إلى أقلية في صفوف الذين صوتوا للخروج تعتزم الآن التصويت لحزب العمال – على رغم أنه سينتخب في المقام الأول من أشخاص يجدون الفكرة خيالية، ويبدو لهم "إنجاح بريكست" في المقام الأول وكأنه ممارسة من ممارسات الحد من الأضرار.
يقترن تركيز ستارمر على قبول بريكست بمعرفة أن إنجاح بريكست يجب أن يتضمن تعاوناً أكثر عملية مع أصدقائنا في أوروبا.
لكن كل خطوة يمكن تجريبها ستواجه باتهامات بالخيانة من معارضين سياسيين، وفي "الدايلي إكسبرس" و"الدايلي مايل"، على رغم وجود إرادة عامة هائلة لاستكشاف تدريجي للتعاون الوثيق على أساس كل حالة على حدة.
لا يزال علينا أن نرى إلى أي مدى يخفف هذا التدرج التالي لبريكست من خيبة أمل المؤيدين المحتملين لمعاودة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. قد تكون الرغبة والقدرة من جانب الاتحاد الأوروبي على صعيد إجراء مفاوضات تفصيلية مع بريطانيا محدودتين، على رغم أن نجاح إطار وندسور الذي توصل إليه ريشي سوناك يظهر بعض الرغبة في الرد بالمثل على أجندة بناءة - ولا سيما بالنظر إلى المصالح المشتركة الأوسع نطاقاً، من الأمن في قارة متقلبة إلى تحديات تغير المناخ.
لنكن واضحين: سيمارس ضغط لإعادة وضع السوق الموحدة في الأجندة بحلول النصف الثاني من العقد. ويريد كل من سوناك وستارمر استبعاد تلك الخطوة، وهو موقف سيحافظان عليه بالتأكيد خلال الانتخابات العامة المقبلة.
لكن ماذا بعد ذلك؟ من السهل أن نرى كيف يمكن للفوز بالسباق المقبل على قيادة حزب العمال - ربما في وقت مبكر من ثلاثينيات القرن الـ21 – أن يكون من نصيب مرشح يطلق حملة لإعادة طرح مسألة معاودة الانضمام إلى السوق الموحدة. إنه موقف جذاب لمعظم أعضاء الحزب وناخبيه، طالما أن الحزب يعتقد بأنه قادر على التعامل مع مسألة حرية الحركة في شكل أفضل مما فعله في المرة السابقة، عندما ساهم فقدان الثقة في كيفية التعامل مع حجم الهجرة ووتيرتها إثر توسع الاتحاد الأوروبي بعد عام 2004، سواء في ظل حزب العمال الجديد أو في ظل ديفيد كاميرون، في الضغط من دون شك من أجل إجراء الاستفتاء على بريكست، وشكل عاملاً مهماً في التصويت بنسبة 52 في المئة لصالح الخروج.
يبدو من المنطقي أن يسعى الديمقراطيون الليبراليون إلى التغلب على حزب العمال في مسألة السوق الموحدة، ذلك أن الناخبين المستهدفين في المناطق الموالية تقليدياً للمحافظين، وهم في الأغلب محافظون كانوا مؤيدين سابقين للبقاء، أكثر ليونة إلى حد ما من الناخبين المستهدفين في المناطق الموالين تقليدياً للعمال، على رغم أن الحزب الديمقراطي الليبرالي تراجع إلى حد ما في إثارة المسألة، بعدما فشل موقفه المناهض لبريكست في اكتساب زخم عام 2017 أو عام 2019.
لا يزال مؤيدو معاودة الانضمام يحتاجون إلى قطع مسافة أطول. لجهة المبدأ، تظهر استطلاعات الرأي الآن أغلبية مؤيدة لمعاودة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن هذا الدعم قد يكون ضحلاً إلى حد ما. قد يفكر الناخبون في المملكة المتحدة في العودة وفق الشروط القديمة، لكن هذه الشروط لن تكون متاحة مرة أخرى أبداً. لن تكون حكومات الاتحاد الأوروبي مقتنعة بحجة مستقطبة وضيقة يمكن أن تسعى حكومة لاحقة إلى إسقاطها.
استغرق الأمر أربعة عقود من الحركة المشككة في أوروبا، من دون أثر إلى حد كبير، لقلب قرار الرأي العام عام 1975 بالبقاء في الاتحاد الأوروبي. من الممكن أن يتمكن الناشطون من أجل معاودة الانضمام من إقناع حزب كبير - هو على الأرجح حزب العمال - بتقديم تعهد بإجراء استفتاء لإعادة النظر في مسألة العضوية عام 2033 أو 2037 أو 2041، مثلاً، أو ما بعد ذلك. غير أن التطورات في بنية الاتحاد الأوروبي والقارة الأوسع في السنوات الفاصلة يمكن أن تضع هذه المسألة في سياق مختلف بحلول ذلك الوقت.
لن تختفي تحديات المعاناة مع ما يحدث بعد بريكست لسنوات، بل لعقود مقبلة. لكن ثمة أسباباً وجيهة تجعل كثيراً من الناس يترددون في العودة لخنادق الاستفتاء القديمة مرة أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن ساندر كاتوالا هو مدير "المستقبل البريطاني" [مؤسسة بحثية] ومؤلف كتاب "كيف تكون وطنياً" ("هاربر نورث").
© The Independent