ملخص
يرى مراقبون أن استمرار حرب الخرطوم تعني مزيداً من الخسائر والضياع، فهي لن تقتصر على العاصمة فقط بل ستتمدد وتتوسع لتشمل أنحاء البلاد نظراً لتوافر العوامل المؤدية لانتشارها.
تعالت أصوات السودانيين عبر كل المنابر ووسائل الإعلام المختلفة تناشد بإيقاف الحرب الدائرة في بلادهم التي دخلت شهرها الثالث من دون وجود أفق واضح يحقق حلمهم.
السودانيون يتابعون بقلق بالغ تواصل عمليات القصف الجوي واستخدام المدفعية الثقيلة، وكل أنواع الأسلحة في الاشتباكات المتواصلة بين الجيش وقوات الدعم السريع التي تؤدي كل يوم وساعة إلى دمار جديد في البنى التحتية للعاصمة الخرطوم، المسرح الرئيس لهذه الحرب.
الحرب أسقطت ما يقارب 900 قتيل وتسببت في نزوح قرابة مليوني شخص داخل البلاد وخارجها، مما جعل كثيرين يتخوفون من استمرار الحرب واتساع رقعتها، بالتالي يصعب توقفها والسيطرة عليها، فكيف ينظر المراقبون والسياسيون لهذه الحرب؟ وما المخاوف والمهددات التي تطاول الدولة السودانية في حال استمرارها؟
تدخل خارجي
الأمين السياسي في حزب المؤتمر السوداني وعضو المكتب التنفيذي بقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) شريف محمد عثمان يرى أنه في حال استمرار الخيار العسكري للحرب فإن البلاد ستحيق بها مهددات عدة، من أهمها تحول الأمر إلى حرب إثنية وجهوية، وهذا وارد نظراً لهشاشة الدولة وحال الاحتقان الطويلة.
وقال عثمان لـ "اندبندنت عربية" أن الأمر قد يتحول أيضاً إلى حرب انفصالية، بخاصة أن الجهات الإثنية والمناطقية ترغب في الانفصال، وكذلك من المهددات حدوث تدخل خارجي في الحرب مما يجعل من الصعب سيطرة السودانيين على قرار السلم، فضلاً عن انتشار الجماعات الإرهابية مثل "داعش" وشباب الجهاد الإسلامي و"بوكو حرام" وغيرها من الجماعات، مما يهدد استقرار السودان، وتحول الحرب إلى مصلحة أطراف أخرى.
وأضاف، "بالتأكيد نحن كقوى سياسية ندعم خيار الحل السلمي للأزمة القائمة الآن، خصوصاً بعد نهاية هدنة الـ 24 ساعة التي من نتائجها الإيجابية أنها أثبتت أن الطرفين المتحاربين لديهما إرادة كافية تجعلهما يلتزمان بوقف إطلاق النار وضبط عناصرهما المقاتلة، وبالتالي فإننا ندعم جهود التفاوض الجارية في مدينة جدة لتوقيع هدنة أطول حتى تتحقق الغايات المطلوبة، مثل المسار الإنساني ومن ثم الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم".
وأشار إلى أنه من واجبات القوى المدنية والديمقراطية في هذه المرحلة العمل على منع الحرب من الانحدار لمستويات الحرب الإثنية والحرب الأهلية من خلال بث الوعي وإبعاد المجموعات والكيانات الهشة من الانضمام لها، إضافة إلى العمل مع كل قوى الإقليم والمجتمع الدولي ودول الجوار لدعم خيار الحل السلمي، ومنع تدخلات القوى الخارجية التي تريد تفكيك وانهيار الدولة السودانية.
وشدد عثمان على ضرورة إيجاد السبل لكيفية الانخراط في عملية سياسية تعالج قضايا التحول المدني الديمقراطي بالسودان، بجانب وضع رؤية لما بعد الحرب تكون أكثر عمقاً لمعالجة جذور الأزمة، بحيث تخاطب كل القضايا التي كانت سبباً في الحروب الطويلة التي شهدتها البلاد لتكون هذه الحرب الأخيرة في تاريخها.
ونوه الأمين السياسي في حزب المؤتمر السوداني إلى أنه يقع على عاتق المجتمع المدني بذل مزيد من الجهد في الجانب الإنساني والطوعي لتخفيف المعاناة عن كاهل الشعب السوداني، خصوصاً سكان الخرطوم، سواء الموجودين فيها أو من نزح إلى الولايات المختلفة.
مصالح وأهداف
من جانبه أشار المتخصص في العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم محمد خليفة صديق إلى أن "مخاوف استمرار حرب الخرطوم تتمثل في أنها ستقضي على ما تبقى من بنية تحتية هي في الأصل ضعيفة إلى جانب تدمير ممتلكات المواطنين والمرافق العامة والتأثير في الأنشطة الاقتصادية مثل الزراعة والتجارة والتعدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال صديق في تصريح خاص إن "عدم التوصل لاتفاق أو تفاهم يهدد باستمرار الحرب وتوسعها، لذلك يجب أن تكون هناك رؤية وطنية لإنهاء هذه الحرب والقيام بترتيب دقيق لمرحلة ما بعد الحرب والتعامل مع المبادرات المطروحة دولياً وإقليمياً، بحسب بعدها وقربها من المصالح الوطنية العليا، مع ضرورة ألا تكون بديلاً عن الرؤية الوطنية لحل النزاع، لأن هذه المبادرات جاءت لمساعدة السودانيين وليس لأجل أن تكون هي البديل، فمهما كانت المبادرات أخوية فهي لن تخلو من المصالح والأهداف الخفية لمن أطلقها وحشد لها".
اختبار صعب
بدوره قال الكاتب السوداني شمس الدين ضو البيت إن "هذه الحرب وضعت المواطن أمام اختبار صعب، فهو في الأساس كان يعاني ظروفاً معيشية غاية في التردي والسوء، وفاجأته هذه الحرب من دون أن يكون مستعداً لتبعاتها وكلفتها الباهظة، فأصبح يكابد البقاء بين نيرانها داخل العاصمة والنزوح والتشرد داخل البلاد وخارجها".
وأوضح أن "استمرار الحرب سيكلف السودان كثيراً من الخسائر والضياع، فهي لن تقتصر على العاصمة فقط بل ستتمدد وتتوسع لتشمل أنحاء البلاد نظراً لتوافر كل العوامل المؤدية لانتشارها من هشاشة أمنية وتظلم مجتمعي وتنموي وفقر، فالآن انتقلت الحرب إلى مدن الجنينة وزالنجي وكتم بدارفور والأبيض عاصمة كردفان، وهناك قلق ومخاوف عدة غير مرئية من تداعيات هذه الحرب العبثية".
ويعتقد ضو البيت أن الحرب كشفت حقائق كثيرة ومنها أن بعض المسائل التي كانت جزءاً من الحرب الإعلامية، مثل إمكان حسم المعركة خلال ساعات أو أيام أو أسابيع قليلة كانت مبنية على تقديرات خاطئة.
وأشار إلى أن ما أثير بأن قيادة قوات الدعم السريع فقدت السيطرة على تلك القوات التي أصبحت خطوطها متباعدة من دون وجود كونترول عليها غير صحيح، وهو ما ثبت خلال هدنة الـ 24 ساعة.
وقال إن "ما روج له الدعم السريع بأنه خاض هذه الحرب دفاعاً عن الديمقراطية والتحول المدني حديث عار من الصحة، فقد مارست جنوده انتهاكات صريحة وبالغة ضد المواطنين بالاستيلاء على منازلهم وممتلكاتهم، مما خلق رد فعل غاضباً وسط قطاعات واسعة من السودانيين".
وأضاف، "المطلوب الآن أن يكون لمنبر جدة دور أكبر، وأن تتجه القوى المدنية السودانية نحو الوحدة كما حدث في الـ 30 من يونيو (حزيران) 2019 التي مثلت قمة المناداة بسودان جديد، فالحرب على رغم إشكالاتها وما سببته من معاناة للمدنيين فلا بد من بناء دستوري جديد مختلف عما كان قائماً عام 1956، على أن يبنى على المواطنة المتساوية والتنمية المتوازنة، والنظر للمجموعات التي تحارب باسم الدعم السريع كضحايا تم تجاهل تنمية مناطقهم وقطاعاتهم عبر تاريخ السودان، مع نبذ الجهويات والأيديولوجيات التي تم التمكين لها".