ملخص
بعد زيارة عباس إلى الصين يرى مسؤولون فلسطينيون أن تعاظم دور بكين في العالم يمكن أن "يقلب المعادلة" لصالحهم
لم يخف المسؤولون الفلسطينيون خلال زيارة الرئيس محمود عباس إلى بكين طموحهم بالاستفادة من الموقف الصيني ليشكل ضمانة للحق الفلسطيني، في مقابل "التأييد الأميركي الكامل لإسرائيل"، وذلك ضمن محاولتهم كسر هيمنة واشنطن على الملف الفلسطيني - الإسرائيلي.
وفي حين يرى المسؤولون الفلسطينيون أن تعاظم دور الصين في العالم يمكن أن "يقلب المعادلة" لصالحهم، فإن متخصصين وأكاديميين استبعدوا ذلك، مشيرين إلى أن بكين تسعى إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي في ظل مقاربة للتعامل مع العالم تنطلق من المصالح الاقتصادية، وبخاصة إسرائيل.
وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أشار إلى أن "بكين تريد أن يكون لها حضور في المنطقة، ونحن نرحب بذلك، لأن موقفها متقدم لصالح الحق الفلسطيني"، مضيفاً أن ذلك يشكل "ضمانة مقابل الإنحياز الأميركي الكامل لإسرائيل". وأعرب عن ارتياح فلسطين لتأكيد "الصين رؤيتها لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والتي تعكس اهتمامها المتزايد في تحريك العملية السياسية المتجمدة".
واختتم الرئيس عباس، اليوم الجمعة، زيارته إلى بكين بالاتفاق على "إقامة شراكة استراتيجية" مع الصين التي أبدت استعدادها "للمساعدة في استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية".
ومع أن الصين تدعم حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، فإن المتخصصين يشككون في قدرتها على ذلك، حيث طرحت منذ سنوات مبادرة عامة لحل الصراع دون أي تقدم، حتى إن بكين لم تتمكن منذ سبع سنوات من الحصول على موافقة إسرائيلية لإقامة محطة شمسية لتوليد الطاقة الكهربائية في شرق الخليل.
وتعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، حيث بلغ التبادل التجاري بين البلدين في عام 2022 نحو 24.45 مليار دولار بزيادة 11 في المئة على العام السابق، ومن المتوقع أن يبرم البلدان اتفاقية للتجارة الحرة بينهما بعد سلسلة من جولات المفاوضات بدأت في عام 2016.
يأتي ذلك بينما اعترفت الصين بمنظمة التحرير الفلسطينية ووفرت السلاح والتدريب لها منذ ستينيات القرن الماضي، وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، في حين تأخر اعترافها بإسرائيل حتى عام 1992، ومع ذلك فإن علاقاتها التجارية معها تعود إلى 1979، حين زودت تل أبيب بكين بالتكنولوجيا العسكرية.
وعلى رغم أن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني أشار إلى أن الصين "لديها كل المقومات لكي تلعب دوراً في العملية السياسية بدعم روسي وأممي"، فإنه شدد على أن ذلك يحتاج إلى وقت حتى تنضج الظروف، لافتاً إلى أن بكين "تمتلك علاقات تاريخية قوية مع الفلسطينيين، وكذلك علاقات اقتصادية وسياسية جيدة مع إسرائيل تمكنها من لعب دور قوي في المنطقة في ظل سعيها لقيادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب".
متخصص العلوم السياسية في جامعة بيرزيت أحمد جميل قال إن "جزءاً كبيراً من زيارة الرئيس الفلسطيني إلى الصين بروتوكولية وروتينية لا جديد فيها، أو محدود"، متابعاً "إن أعطت باستقبالها عباس رسالة بحيويتها في الشرق الأوسط، إلا أن هذا لا يعني أمراً حقيقياً".
وأشار جميل إلى أن بكين تعتمد "مقاربة اقتصادية في تعاملها مع الشرق الأوسط، وإسرائيل لاعب مهم في ذلك"، موضحاً أنها "لا تتدخل في المنطقة إلا إذا طلب منها ذلك، ووافق الأطراف على التدخل"، مضيفاً أن تل أبيب "لا تسمح لأحد بالوجود في العملية السياسية مع الفلسطينيين، فحتى واشنطن تكاد لا تخرج عن نطاق ما يسمح به الإسرائيليون".
واعتبر الأكاديمي أن الصين معنية بأن توضح بأنها "يمكن أن تسد الفراغ الذي يتركه الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط وما يسببه من فجوة تحاول الاستفادة منها"، مؤكداً أن بكين تقدم نفسها كجزء من "مشهد عملية السلام التي أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأنها لا تريد الاستثمار فيها، وبأن أقصى ما تفعله هو تخفيف آثار ما قامت به إدارة ترمب ضد الفلسطينيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول الرعاية الصينية للمصالحة السعودية - الإيرانية، أوضح جميل أنه "ما كان لها أن تتم لولا رغبة الطرفين بذلك، وهو غير متوفر في القضية الفلسطينية بسبب رفض إسرائيل"، لافتاً إلى أن مبادرة السلام الصينية التي يتكرر إعلانها كل بضع سنوات "لا يوجد فيها شيء عملي، بل هي أقرب إلى المواقف العامة، التي تتعلق بحل الدولتين".
ونوه السياسي الفلسطيني بأن الصين "مستثمر كبير في إسرائيل وتتضاعف استثماراتها فيها بسرعة، وهي تحتاج إلى شركات التكنولوجيا الإسرائيلية، لتعوض بعض النقص الذي يسببه الحظر الأميركي على بيع بعض أنواع التكنولوجيا".
وفي السياق يرى مدير البحوث في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية خليل شاهين أن القيادة الفلسطينية "تحاول أن تناور لكي تستفيد من التحولات الإقليمية والدولية، وتحد من إقامة علاقات بين دولة عربية وإسرائيل على حساب حل القضية الفلسطينية".
وأشار شاهين إلى وجود شعور بين الفلسطينيين في أن "الصين تدعم حقوق الشعب الفلسطيني وتخلق توازناً يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية"، متابعاً أن "اندفاعة بكين لبناء علاقات اقتصادية متينة مع إسرائيل يتطلب وجود بينئة أمنية مستقرة في الشرق الأوسط".
وأكد الباحث السياسي أن هناك إرثاً صينياً في دعم الفلسطينيين منذ عقود طويلة، إلا أن "بكين تؤكد دائماً أن دعمها الفلسطينيين لا يتأثر بعلاقاتها المتصاعدة مع إسرائيل".
ويرى المحلل السياسي محمد قواص أن لجوء الدول العربية، ومنها فلسطين، إلى بكين "يأتي كرد فعل على علاقاتها مع واشنطن وبهدف تحسين الشروط والمناورة"، مؤكداً أن الصين تريد دخول الشرق الأوسط، لكنها حذرة جداً لأنها تعرف أنها منطقة نفوذ أميركي، وفي الوقت ذاته تعتبر فلسطين "أحد المداخل الجديدة للمنطقة".
وتابع قواص أن واشنطن وتل أبيب غير قلقتين مما وصفه بـ"الفلكلور الصيني" بالنظر إلى حجم العلاقات الكبيرة بين الصين وإسرائيل، مضيفاً أن "فلسطين ليس لديها خيار سوى الذهاب إلى موسكو وبكين للإيحاء بأن لديها بدائل أخرى"، إلا أنه استدرك بأن العاصمتين لن تقدما أي شيء للفلسطينيين، لأنها في آخر الأولويات.
في المقابل، لفت نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون شدد على أن بكين "لا تشكل بديلاً عن واشنطن لأنها لا تحظى بالثقة، وليس لها إرث في رعاية عملية السلام كالولايات المتحدة التي رعت اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر والأردن والفلسطينيين والإمارات والبحرين والمغرب".
وتابع أيالون أن أميركا "باقية في الشرق الأوسط بحضورها العسكري الدائم"، على رغم إقراره بوجود محاولات صينية لمد نفوذها، مضيفاً أن بكين لا تحظى بوجود عسكري في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن تل أبيب "ترفض أي وساطة غير الولايات المتحدة الأميركية، وأن بلاده ستختار واشنطن عند تخييرها بين الأخيرة وبكين".
واستبعد أيالون الذي كان سفيراً لإسرائيل لدى واشنطن استفادة الفلسطينيين من بكين، مشيراً إلى أنهم فقط "يناورون في ظل أن الدعم المالي للسلطة الفلسطينية يأتي من الاتحاد الأوروبي وأميركا والدول العربية، وليس من الصين".