ملخص
ما دور اللباس العسكري في تصاعد الفوضى بالسودان وتبادل الاتهامات بين الجيش والدعم السريع؟
مع دخول الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الأسبوع الثاني من شهرها الثالث وحصدها أكثر من 2000 قتيل وجريح فضلاً عن نزوح 2.5 مليون داخل البلاد وخارجها، لا تزال المعارك مستمرة في الخرطوم، وبالتوازي مع النيران المتبادلة على أرض الواقع، يتبادل الطرفان الاتهامات في العالم الافتراضي حول انتهاكات وتجاوزات تحدث كل مرة بحق المدنيين لتتمدد المواجهات من رصاص الاشتباكات إلى ساحات جديدة غير مطروقة.
وفي ظل غياب وسائل الإعلام المستقلة انحصرت مصادر المعلومات على وقائع التطورات الميدانية على الصفحات الرسمية لطرفي الصراع والبيانات التي تصدر بين الفينة والأخرى من دون القدرة على التحقق منها نتيجة لصعوبة الوصول إلى مناطق النزاع بسبب الحصار القصري وخشية التعرض لإطلاق النار.
فكيف ينظر المحللون إلى هذا التطور ومدى خطورته على مجرى الأحداث والمواطنين جراء البيانات المرتبطة بفوضى ارتداء الزي العسكري والاتهامات بين الطرفين؟
اتهام بالسلب والنهب
في غضون ذلك اتهم الجيش السوداني في بيان قوات الدعم السريع بارتداء البزة العسكرية للقوات المسلحة وارتكاب أعمال سرقة ونهب في أحياء عدة بمنطقة أم درمان في محاولة لإلصاق هذه الجرائم بقواته، على حد قوله.
وأضاف البيان "تنبه القوات المسلحة مواطنينا الكرام بأن الميليشيا المتمردة أصبحت ترتدي زي القوات المسلحة وتجوب المناطق المحيطة بحي البستان والنخيل وأمبدة، والمنطقة من صينية المنصورة وتقاطع القلابات وشارع ليبيا بالخلاء وصولاً إلى سوق ليبيا".
وأشار إلى أن "هذه القوات تمارس سرقة ونهب المحال التجارية وممتلكات المواطنين في محاولة يائسة لإلصاق الجرائم الدنيئة بالقوات المسلحة، وعلى المواطنين في هذه المناطق اتخاذ الحيطة والحذر".
الدعم السريع تنفي
في المقابل، نفت "الدعم السريع" وجود أي قوات تابعة لها في مناطق كرري وأبو روف بمنطقة أم درمان، وقالت في بيان إن "الانقلابيين وفلول النظام البائد المتطرفة نقلوا عناصر تابعين لهم يرتدون أزياء قوات الدعم ونشروهم في تلك المناطق بغرض إثارة الفوضى والقيام بعمليات تخريب ممنهجة لإلصاق التهمة بقوات الدعم السريع".
ونوه البيان إلى أن "هذه التصرفات الخبيثة تأتي ضمن مخطط النظام البائد لإشاعة الفوضى والاضطرابات الأمنية بهدف جر البلاد إلى حرب أهلية شاملة"، مضيفاً "نحذر من هذه التصرفات المفضوحة وندعو شعبنا إلى ضرورة الوحدة والتكاتف والتصدي لمحاولات الفلول الذين يسعون إلى استخدام الوسائل الفاسدة كافة من أجل استعادة نظامهم المستبد".
خارج السيطرة
ورأى الباحث السياسي ماهر أبو الجوخ أن "مسألة استخدام الأزياء العسكرية بشكل عام في السودان أصبحت خلال العقود الثلاثة الأخيرة خارج سيطرة المؤسسات العسكرية بسبب منهجية نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وتوجهاته الأيديولوجية التي أسست لعسكرة المدنيين في قوالب عدة مثل الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية، وكذلك القوات الجنوب سودانية الموقعة على اتفاقات سلام وقوات المراحيل وحرس الحدود ثم أخيراً الدعم السريع، وشمل ذلك حتى تغيير ملابس طلاب المدارس الثانوية لتصبح مطابقة للأزياء العسكرية وجميع هذه المعطيات سمحت بانتشارها إلى جانب السلاح وسط المدنيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين أبو الجوخ أن "فوضى ارتداء الأزياء العسكرية نفسها لم تقتصر على الميليشيات التابعة لـنظام الإخوان المسلمين في السودان الذين كانوا يمتلكون أزياء جهات نظامية عدة وشمل هذا التوجه حتى مؤسسات نظامية في الدولة أبرزها جهاز الأمن والاستخبارات الذي كان يمتلك أزياء عسكرية لجميع القوات النظامية وسيارات ولوحات خاصة بها يتم استخدامها في أي عمليات لإخفاء طبيعة عناصره، خصوصاً المرتبطة بقمع التحركات الجماهيرية لعل أبرزها حوادث قمع تظاهرات سبتمبر (أيلول) 2013 التي قتل فيها عشرات المحتجين من قبل أفراد يرتدون أزياء الشرطة التي أنكرت حينها وجود مسلحين تابعين لها".
تجاوزات حقيقية
وأوضح الباحث السياسي أن "اتهامات الجيش والدعم السريع لبعضهما بعضاً في ما يتصل باستخدام أزياء طرف للضرر به تأتي ضمن سياق التنصل من تجاوزات يتم ارتكابها باسم قوات الدعم السريع لاستخدامها وتوظيفها في التعبئة الشعبية ضدها وهو أسلوب غير مستبعد للعوامل والتجارب التاريخية المذكورة سابقاً، لكنه يتحرك على أرضية واقعية لحدوث تجاوزات منسوبة لأفراد الدعم السريع تجاه أملاك ومنازل المواطنين من دون أن تجد الردع والاعتراض من قبل قيادة تلك القوات، مما يوضح أن هناك توجيهات ذات طابع عسكري بالدخول إلى المنازل بغرض استخدامها كسواتر حماية من الطيران".
وتابع أبو الجوخ أن "تنفيذ هذه الخطة انتهى إلى معطيات أخرى مختلفة تتمثل في عمليات سلب ونهب واستيلاء على ممتلكات السكان وطردهم من منازلهم وهذه حقيقة يجب التعاطي معها، أما الجزء الثاني، فإن محاولة توريط الطرف الآخر بتجاوزات إضافية تكون صادمة أيضاً أمر غير مستبعد في ظل أوضاع الحرب ومتغيراتها، ولذلك يمكننا القول إنه لولا وجود نار تجاوزات مسبقة لما ظهر دخان هذه الاتهامات".
خطورة وتحديات
ونبه الباحث السياسي إلى أن "الأخطر أمنياً في الوقت الحالي ليس في الأزياء العسكرية ولكن في إتاحة الحرب وظروفها فرصة للحصول على أسلحة نارية وتسربها بأيدي مجموعات إجرامية، فخلال المعارك الحربية شهدنا وقوع اشتباكات وسط الأحياء السكنية ومشاهد الجنود القتلى وأسلحتهم بجوارهم، ونتيجة للكر والفر يظهر أشخاص يستولون على تلك الأسلحة وذخائرها ويستخدمونها في عمليات سلب ونهب جعلتهم فعلياً الطرف الثالث المسلح في العاصمة الخرطوم".
ولفت أبو الجوخ إلى أن "أكبر التحديات بعد وضع الحرب أوزارها سيكون إعادة جمع هذا السلاح من أيدي المواطنين بصورة طوعية بداية، ثم يترتب عليه تشديد العقوبة بعد انقضاء فترة التسليم، وفي ما يتعلق بالأزياء العسكرية فيجب التشديد على منع تداولها أو استخدامها من قبل غير النظاميين وأن يشمل ذلك النظاميين من جهات أخرى غير منتسبة لتلك القوة النظامية، وعدم السماح مطلقاً بوجود أي قوات عسكرية خارج المؤسسات الرسمية سواء كان ذلك بقانون أو بشكل استثنائي، فهناك جيش وشرطة وجهاز أمن وجهاز استخبارات واحد يمارس دوره بحسب اختصاصه لا رديف أو مثيل له".
مسؤولية مشتركة
من جهته، قال المحلل السياسي محجوب عثمان إن "الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يقران بوجود انتهاكات ترتكب في حق المواطن، ولكن لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية تلك التجاوزات، لذا فإن كل طرف يرمي اللوم على الآخر، وبالطبع فإن انتهاكات الدعم السريع واضحة للعيان، إذ بدأت باحتلال المنشآت الخدمية وانتهت بطرد المواطنين من منازلهم واستيطانها بعد أن جردوا السكان من ممتلكاتهم الخاصة مثل السيارات والأموال، ولم تسلم منهم حتى الهواتف الذكية".
وأضاف أنه "ليس من المعقول أن يقوم بهذه الانتهاكات آخرون يرتدون زي الدعم السريع، وفي المقابل فإن تجاوزات الجيش محدودة نوعاً ما وتتمثل في القصف العشوائي بالطيران لمنازل المواطنين، لكن هناك عصابات تقوم بنهب السكان وترويعهم في مناطق سيطرة القوات المسلحة".
ونوه عثمان إلى أن "المواطن أصبح ضحية تداعيات هذه الحرب، وبالتالي فقد كثيرون مدخراتهم وأثاث منازلهم، وعلى رغم تفاقم هذه الانتهاكات يتنصل الجيش والدعم السريع من مسؤوليتهما الجنائية والأخلاقية التي تقع على المواطنين وحدهم".