ملخص
باستثناء التنسيق الأمني المتقطع لا توجد في الوقت الراهن اتصالات حقيقية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وعلى رغم ذلك تتأهب تل أبيب لكافة السيناريوهات في حال ترك الرئيس محمود عباس فراغاً خلفه.
تنشغل إسرائيل في الوقت الراهن بموضوع قديم يتجدد من آن لآخر، ومرتبط بخلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس؛ إذ لوحظ أن هذا الانشغال بدأ من مناقشات الحكومة العامة ثم الكابينت المصغر، وانتقل إلى أجهزة المعلومات بخاصة "شاباك" في إشارة إلى أنه بات ضمن أولويات الحكومة الإسرائيلية وبصورة لافتة على عكس مراحل معينة كان يتردد من فترة لأخرى من دون أن يكون له الأولوية المهمة.
كل هذا يطرح تساؤلات عدة حالية ومحتملة في المدى القصير حول ما هو قادم في سيناريو خلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
تساؤلات مطروحة
واقعياً، ومن متابعة للمصادر العلنية الإسرائيلية، وردود فعلها حول ملف خلافة الرئيس محمود عباس فإن الأمر يرتبط بالساعة التالية، وكيفية السيطرة على الأوضاع داخل الضفة الغربية، واحتمالات امتداد بعض التوترات الأمنية في قطاع غزة، وتحفل الدراسات وأوراق السياسات الإسرائيلية بكم كبير من الموضوعات حول الأسماء المرشحة والسيناريوهات للسيطرة على الأوضاع الأمنية حال حدوث حالة من الفوضى، وغيرها من التقييمات التي تصب دائماً في منظومة التعامل مع السلطة الفلسطينية بعد عباس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فعلياً، لا توجد في الوقت الراهن اتصالات حقيقية مع السلطة الفلسطينية، وشخص الرئيس محمود عباس باستثناء بعض اللقاءات التي يجريها مع بعض الشخصيات الإسرائيلية السابقة، أو تلك لموقفه، وإن كانت لقاءاته وأهمها مع وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس، وأحياناً ممثلين لبعض الأجهزة الأمنية، خصوصاً "شاباك".
اتصالات أمنية
من ثم فإنه في الوقت الراهن تركزت الاتصالات في مستواها الأعلى على الملف الأمني والاستراتيجي، وهو الأمر الذي أوقفه عباس بعد قرار اللجنة المركزية لمنظمة التحرير، وعاد بصورة أو بأخرى بعد تدخل مدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز نفسه، ومستشار الأمن القومي جاك ساليفان، وهو ما يبرز أن الأولوية المهمة لإسرائيل ليس استئناف الاتصالات السياسية، أو العودة لحلبة التفاوض المعطلة منذ سنوات، ولكن التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.
تعرض الرئيس محمود عباس إلى انتقادات عدة لأنه وافق على العودة إلى التنسيق الأمني في دوائر محددة تخوفاً من دفع الحكومة الإسرائيلية مؤسسات السلطة إلى حافة الهاوية، وهو ما كان محل تجاذب كبير في الدائرة الضيقة لرئيس السلطة الفلسطينية، وحسم في نهاية الأمر على اعتبار أن التنسيق يجب أن يتم مما أضعف وضع السلطة، وحصر خياراتها في دائرة محددة، ولم يعد هناك أية لقاءات سياسية بالمعنى العام. وسلمت السلطة بأن الحكومة الراهنة التي يقودها ائتلاف متطرف تسعى إلى حسم الصراع في القدس ومدن الضفة الثائرة في نابلس وجنين والقدس مع استئناف سياسة الاستيطان بصورة كبيرة على رغم الانتقادات الأميركية.
ومن ثم فإن الحكومة الحالية يهمها في المقام الأول حالة الأمن في الضفة، سواء بقي الرئيس محمود عباس أو رحل، فالرسالة المهمة التي خلص إليها جهاز "شاباك" ألا تتحول الضفة إلى جهنم في إطار سيناريو قديم يتجدد في صورة محددة، وهو حدوث حالة فوضى حقيقية تضطر معها إسرائيل إلى التدخل، وإعادة قواتها إلى مدن الضفة، أو على الأقل المدن الاستراتيجية مع إعادة تطبيق القانون الإسرائيلي على بعض المناطق الفلسطينية خارج سياق ما يعرف بمناطق ج، أي عدم الالتزام بنصوص أوسلو التي انتهكت إسرائيل كامل عناصرها في إشارة إلى أنها تتأهب لما هو قادم من تطورات.
تقييمات إسرائيلية
ما تدركه إسرائيل الأمنية أن مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس في حاجة إلى ثلاثة خلفاء، الأول لمنظمة التحرير، والثاني للسلطة الفلسطينية، والثالث لقيادة حركة "فتح" ما يشير إلى أن المناصب الثلاثة كانت في يد عباس، وتحتاج إلى مراجعات كاملة في ظل وضع متردٍ داخل منظمة التحرير، وتجمد مسارات تحركات قياداتها التاريخية، وتحول الأمر إلى اللجنة المركزية لإدارة الأوضاع في الداخل والخارج، والذي سيطر على قراره بعض القيادات التي لا تحمل تاريخاً كبيراً في الساحة الفلسطينية، أو في الحركة، وهو ما قد يصب في مصلحة خيار عدم الاستقرار، أو تقدم بعض الشخصيات غير المؤهلة، والتي لا تحظى بتقدير داخل مؤسسات منظمة التحرير باعتبارها كبرى منظمات التحرير الفلسطينية قاطبة، وفي ظل ما يجري في غزة والضفة معاً.
كما سيحيي دور بعض الشخصيات في فتح الإصلاح وغيرها من الشخصيات التي تريد أن تطرح نفسها في مسألة الخلافة الفلسطينية، ومنها محمد دحلان بتاريخه داخل الحركة ودوره في قطاع غزة، والرجل ما زال في قائمة المرشحين، وإن كانت أسهمه قلت لاعتبارات عدة. والمؤكد أن ما يدور داخل الحركة يحتاج إلى مراجعات وتقييمات مختلفة في التوقيت الراهن، بخاصة أن الرئيس محمود عباس لم يوص بتولي أحد بصورة كبيرة الأمر الذي قد يدفع بأن الساعة التالية لرحيله قد تكون مجهولة إسرائيلياً، وتمضي في طرح سيناريوهات محددة تتعلق بالسيطرة على الأوضاع، وإتمام انتقال هادئ للسلطة الفلسطينية، واستمرارها على الأرض، ولكن نماذج التحول الفلسطيني ستكون صعبة لعدة اعتبارات.
الأول، أن حركة "حماس" التي لم تعلن رغبتها في تولي موقع الرئاسة، هي أيضاً التي طالبت بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تزامناً، وهو ما رفضه الرئيس محمود عباس ومضى الأمر إلى الوضع الراهن، وبقيت كل الشرعيات منقوصة سواء في الضفة أو قطاع غزة. ووفق النظام السياسي الفلسطيني، فإن تولي رئيس المجلس التشريعي الأمر لو وقع قضاء الله وقدره وهو أمر مستبعد تماماً لأنه سيكون رئيس المجلس التشريعي أحمد بحر، وهو منتمٍ لـ"حماس"، ولن تقبل به كل الأطراف ليس فلسطينياً وإنما إقليمياً ودولياً.
الثاني، أن القوة هي التي ستحكم في حال عدم حدوث توافقات سواء في القطاع، أو الضفة، فالأرجح أن يبقى الوضع في غزة، كما هو في ظل شراكة مستمرة ومهمة لحركتي "حماس" و"الجهاد".
أما في الضفة فالأمر سيكون مختلفاً، حيث السلاح الكثيف في تنظيمات المقاومة الصاعدة، والتي تلاحقها أجهزة الأمن للسلطة، والتي ترى أن من حق الشعب الفلسطيني أن يجدد قياداته، ومن ثم فإن حركة "فتح" ستواجه لحظات عسيرة، بخاصة أن خريطة المقاومة الفلسطينية تغيرت تماماً.
ومن المؤكد أن إسرائيل ستجدد حضورها في هذا المناخ المعقد، وستعمل على المواجهة، واستثمار ما يجري لحساباتها الأمنية والسياسية. وقد تدخل على الخط ما يشير إلى أن الصدام وارد، وفي النماذج الراهنة في الحالة الليبية والسودانية إضافة إلى الانقسام بين الضفة والقطاع ما قد يشجع على المضي قدماً في صراع داخلي حول قيادة السلطة الفلسطينية، أو تولي الزعامة الفلسطينية، حيث لا يوجد من قادة فتح التاريخيين ما قد يتقدم للتولي في هذا التوقيت.
الثالث، أن الحديث عن قيادة جماعية قد يكون هو الأنسب نظرياً، والمطروح بقوة في بعض الدوائر لمرحلة انتقالية، ولحين إجراء التعديلات الرئيسة في هيكل النظام الفلسطيني، وهو أمر سيحتاج لبعض الوقت الأمر الذي يعني أن الحديث عن قيادة موقتة من أعضاء اللجنة المركزية أمر مطروح، ولكن الإشكالية الحقيقية في احتمالات المشهد وانفتاحه على غرار تأجيل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى أجل غير مسمى، ولا توجد فرص حالية في ظل الرئيس محمود عباس لإجراء هذه الانتخابات.
سيناريو متوقع
سيستمر المشهد الراهن، ومن ثم فإن الخيارات الفوضوية، واستخدام القوة قد يكون وارد في ظل وجود السلاح الكثيف في الضفة، واحتمالات الذهاب إلى مواجهات للحسم وارد بل إن هناك تخوفاً من أن تنقسم الضفة إلى مدن متقطعة تسيطر عليها فصائل لتديرها، كما أن المكون العشائري قد يلعب دوراً مهماً في تصعيد وتعزيز دور بعض المتنافسين على إدارة السلطة التي ستبقى في إطارها؛ إذ إن إسرائيل لا تريد حلها، أو تقويض أركانها لأن البديل يعني تحمل تل أبيب أمنياً واقتصادياً إدارة الأوضاع، وهو أمر مكلف للغاية، ولا تريد العمل به في ظل حكومة رافضة تماماً التعامل مع السلطة الفلسطينية، واعتبارها منسقاً فقط على المستوى الأمني مع تكريس استراتيجية الأمر الواقع في مواجهة ما يجري، والعمل وفق مقاربة من جانب واحد باعتبار أن إسرائيل أمنياً قادرة على فرض خياراتها على الأرض.
سيبقي السؤال المطروح، ماذا عن الأسماء المطروحة؟ فحسين الشيخ هو الأقرب والمطروح ولكن الرجل يدور في دائرة محددة، ولا يملك إرثاً تاريخياً كبيراً في الداخل الفلسطيني بصرف النظر عن انتماءاته، وينظر له على أنه وجه مقبول من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي يلتقي بقياداتها، ويحظى بقبول عربي قد يتغير في أي تطور، ولا ينافسه سوى ماجد الشيخ، الذي يعد بصرف النظر عن موقعه كمدير للاستخبارات الفلسطينية، أنه كاتم الأسرار، ورجل موثوق به إلا أن بعض القيادات في منظمة التحرير، وبعض الفصائل الأخرى لا تراه مناسباً لخلافة الرئيس محمود عباس، فالرجل أمني في المقام الأول كما أن علاقاته بإسرائيل تضع عليه علامات استفهام، وإن كان مقبولاً إلى درجة كبيرة لدى الدول العربية المعنية، والولايات المتحدة باعتباره رجل استخبارات مناسباً من منظورهم.
ويبقي محمود العالول ضمن قائمة المرشحين نظرياً لكنه يفتقد الظهير الشعبي، وانتماؤه الفصائلي لا يمنحه فرصة القيادة. وهنا يظل الحديث ممتداً لرجل بثقل مروان البرغوثي لكنه لن يخرج من سجنه لقيادة السلطة الفلسطينية في أي صفقة مع الجانب الإسرائيلي، ولكنه يبقي مرجحاً لبعض الشخصيات، ووازناً لأسماء يتردد طرحها مثل محمد دحلان وأشتيه وغيرهم، وأغلب هذه الأسماء مطروحة منذ فترات طويلة، لكن الأرجح، وفي لحظات الاختيار - إن مضت الأمور بصورة هادئة - لن يكون لها دور حقيقي على رغم أن إسرائيل ترى على سبيل المثال في محمد دحلان وجهاً مقبولاً لكن تغير الولاءات والانتماءات في قطاع غزة على رغم دوره في القطاع قد تتغير كما أن قيادات في "فتح" تبدي ملاحظات عدة على دوره.
الخلاصات الأخيرة
ما بين عشرات السيناريوهات المطروحة إسرائيلياً للتعامل مع مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس تبقى بعض التأكيدات المهمة، أولها أن عباس تعمد حتى اللحظة بعدم نقل الولاية أو التوصية باسم مبكراً على عكس ما كان في فترة الراحل ياسر عرفات لإدراك الرجل بأن صراعات كبرى قد تندلع داخل "فتح" ومنظمة التحرير، إن تم التوصية باسم محدد في الوقت الراهن.
وثانيها، أن صراع نقل السلطة قد يؤدي في حال عدم الاتفاق - وهو أمر وارد جداً في ظل التطورات الراهنة في المشهد الفلسطيني – إلى صدام عسكري، ومواجهات دامية بالفعل على رغم رهانات البعض على رشادة الشعب الفلسطيني وحكمة قياداته؛ إذ إن تجربة انقسام القطاع والضفة كل هذه السنوات يؤكد أن المواجهات في الضفة قد تكون أحد السيناريوهات التي تتأهب إسرائيل للتعامل معها بالفعل من دون أن تتدخل إلا إذا استهدفت إسرائيل من مناطق التماس، لكن لن تقدم حكومتها على سيناريو استباقي من نوعية التدخل العسكري وفرض الاستقرار، أو حتى إعادة احتلال بعض المدن الفلسطينية، أو استثمار دعوة اليمين المتطرف داخل وخارج الحكومة بإعادة السيطرة على الضفة الغربية، أو ضمها رسمياً وتفعيل القانون الإسرائيلي على مناطقها.