ملخص
كشفت هيئة مراقبة التجسس البرلمانية في المملكة المتحدة عن أن استخبارات الدولة الصينية تستهدف المملكة المتحدة بشدة وعدوانية، وهو ما يشكل "تحدياً" لوكالات الاستخبارات البريطانية
حذر تقرير صادر عن مجموعة مؤثرة من أعضاء البرلمان البريطاني من أن الحكومات المتعاقبة فشلت في إدراك حجم التهديد الذي تشكله الصين، مشيراً إلى أن الاستخبارات الصينية تستهدف "بشكل مكثف وقوي" المملكة المتحدة ومصالحها.
ووجه تقرير حديث وواسع النطاق الصادر عن لجنة الاستخبارات والأمن (ISC) في مجلس العموم انتقاداً لاذعاً لتعامل الحكومة "غير الملائم إطلاقاً" لمواجهة التهديد الذي تطرحه الصين، متهماً الحكومة بعدم امتلاكها "لأية استراتيجية" في مواجهة الأمر.
أثار هذا الموضوع بشكل فوري جدلاً مع رئيس الوزراء ريشي سوناك - الذي أصر على أن حكومته ليست "متهاونة" تجاه ما تقوم به الصين. لكن نواب اللجنة وصفوا رده بأنه "ضعيف" واتهموه بمحاولة "تقويض عمل اللجنة".
كما سلط التقرير على المخاوف بشأن التأثير "القسري" للصين [وسيلة اتصال تضع ضغطاً مباشراً على الهدف لأداء سلوك معين أو مجموعة من السلوكيات مع عواقب سلبية لعدم الامتثال] في الجامعات البريطانية فضلاً عن طموح بكين لترسيخ نفسها كلاعب دائم ومهم في قطاع الطاقة النووية المدنية.
اللجنة حذرت أيضاً من أن بكين كانت تكتسب السيطرة والنفوذ في المملكة المتحدة من خلال الاستثمارات المالية، منتقدة الحكومات المتعاقبة لقبولها التمويل الصيني من دون التدقيق الشامل في الآثار والمخاطر المحتملة التي تنطوي عليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء في التقرير الذي نشر الخميس بأن المملكة المتحدة "تشكل هدفاً مهماً للصين عندما يتعلق الأمر بالتجسس والتدخل" مما وضع البلاد في مركز "يلي مباشرة أبرز أهداف الصين الموجودة على سلم أولوياتها" حول العالم.
التقرير أضاف بأن: "جهاز الاستخبارات الصيني - الذي يعتبر الأكبر في العالم مع مئات آلاف ضباط الاستخبارات المدنيين - يقوم باستهداف المملكة المتحدة ومصالحها بشكل شديد وعدواني ويطرح تحدياً جدياً يصعب على وكالاتنا وهيئاتنا التعامل معه".
هذا وقالت اللجنة، التي يترأسها النائب عن حزب المحافظين السير جوليان لويس وتقوم بالتدقيق في عمل وكالات الاستخبارات في المملكة المتحدة بما فيها وكالة الأمن والاستخبارات المحلية (MI5) وجهاز الاستخبارات السرية (MI6) ومكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية (GCHQ)، إن الصين لديها "القدرة على تشكيل تهديد وجودي للنظام الديمقراطي الليبرالي".
واعتبر التقرير بأن المقاربة التي تعتمدها الحكومة في التعامل مع التهديد الذي تطرحه الصين "غير ملائمة على الإطلاق" إذ إنها "مكبلة" بالتركيز بشكل كبير على المكاسب الاقتصادية قصيرة الأمد بدلاً من المخاطر الطويلة الأمد.
وفي هذا السياق، قال زعيم حزب المحافظين السابق السير إيان دنكان سميث - المعاقب من بكين - لـ"اندبندنت" أن التقرير كانت فيه "إدانة بشكل كامل" واصفاً سياسة حكومة سوناك بأنها "فوضى مخزية".
وأضاف: "إنه أحد أكثر التقارير إدانة للإخفاقات الأمنية الحكومية التي أقوم بالاطلاع عليها خلال 30 عاماً لوجودي في البرلمان. يجب على الحكومة أن تنتبه، لأنهم في حال من الفوضى. إن سياستهم تجاه الصين هي فوضى كاملة ومخزية".
بوب سيلي، أحد كبار نواب حزب المحافظين وأحد المتشددين تجاه الصين، ذكر أيضاً لـ"اندبندنت" أن هذا التقرير "يثبت بشكل أساسي كل ما دأب المشككون بالصين على قوله مراراً. نعيش معركة قيم في القرن الـ21 بين المجتمعات المنفتحة كمجتمعنا وبين المجتمعات المنغلقة كالموجودة في الصين".
وفي معرض رده على التقرير، أصر سوناك على أن حكومته "غير متهاونة" تجاه ما تقوم به بكين وستواصل "تكييف نهجنا وإجراءاتنا لمواجهة التحدي الذي تشكله الصين".
كما قال رئيس الوزراء في بيان مكتوب: "نحن لسنا راضين ونحن ندرك جيداً أن هناك مزيداً للقيام به. وحيثما تهدد تصرفات الصين أو نواياها المصلحة الوطنية، سنواصل اتخاذ إجراءات سريعة".
وزير الطاقة غرانت شابس قال إن للصين "حضور لا يمكن إنكاره ولا يمكن لبريطانيا ببساطة أن تتجاهله"، مشيراً إلى أن بكين تتصرف كما كانت تتصرف الإمبراطورية البريطانية قديماً.
شابس صرح للصحافيين: "تريد الصين تغيير العالم والعمل في ظل نظام عالمي تضعه بنفسها. هذا ليس مفاجئاً - لقد فعلنا ذلك عندما كانت لدينا إمبراطورية. لا أتفق مع السياسة التي تقول دعونا نتظاهر فقط بأنهم غير موجودين ونتجاهلهم".
لكن شابس توجه إلى صقور حزب المحافظين بالقول: "علينا أن نقبل أن هذا هو حال العالم"، مضيفاً أن على المملكة المتحدة الترحيب بالاستثمارات الصينية، ولكن شريطة ألا نسمح لها بأن تصبح "جزءاً من بنيتنا التحتية الوطنية الحيوية".
أما وزير الأمن توم توغندهات فرأى أن المملكة المتحدة "استيقظت في الوقت المناسب لاتخاذ القرارات الصحيحة لحماية الشعب البريطاني وهذا بالضبط ما نفعله الآن".
بدوره زعم رئيس الوزراء أن الجزء الأكبر من أدلة اللجنة جمعت قبل المراجعة الحكومية المتكاملة لعام 2021 و "تحديث" سياسة الدفاع والأمن لهذا العام.
لكن السير جوليان لويس، رئيس اللجنة، أصر على أن النواب أعضاء اللجنة كانوا "في حوار مستمر" مع وكالات مختلفة وتلقوا تقارير ربع سنوية.
عضو لجنة الاستخبارات والأمن والعضو البارز في حزب العمال، كيفان جونز، وصف رد سوناك بأنه "ضعيف"، مشيراً أنه لم يشارك مع النواب - قائلاً إن ذلك "يظهر لك، على ما أعتقد، العمق الذي تحاول من خلاله الحكومة تقويض عمل اللجنة مرة أخرى".
كما أثار التقرير مخاوف بشكل خاص تجاه النفوذ الصيني في جامعات المملكة المتحدة - قائلاً إن الحكومة أظهرت "قليلاً جداً من الاهتمام" تجاه تحذيرات الأكاديميين، على رغم كون الجامعات "أرضية خصبة" لنشاط بكين.
وحذر التقرير من أن الصين تستخدم مجموعة متنوعة من الأساليب لممارسة نفوذها على المؤسسات والأكاديميين والطلاب الصينيين ومراكز الأبحاث في المملكة المتحدة، من خلال عروض التمويل على مؤسسات المملكة المتحدة وكذلك الإغراء والترهيب للتأثير في الأكاديميين في المملكة المتحدة من خلال منح بحثية، أو وقف التمويل في حال الطلاب الصينيين إذا لم يتعاونوا.
كما أشار التقرير إلى أنه "من غير المقبول" للحكومة أن تدرس أي انخراط صيني في الصناعة النووية المدنية في المملكة المتحدة. وكانت مجموعة الصين العامة للطاقة النووية (CGN) انسحبت العام الماضي من مشروع محطة توليد الطاقة النووية سيزويل سي (Sizewell C) في صوفولك.
بيد أن النواب اعتبروا أنه ما زال هناك أسئلة جدية بشأن المشاريع المستقبلية. وبحسب التقرير: "ستكون الحكومة ساذجة إذا افترضت بأن السماح للشركات الصينية بممارسة النفوذ على قطاعي الطاقة النووية المدنية والطاقة في المملكة المتحدة غير مرتبط بالتنازل عن السيطرة لصالح الحزب الشيوعي الصيني".
وأضاف التقرير: "تقوم الصين بالشراء والسعي إلى السيطرة على قطاع الصناعة والطاقة في المملكة المتحدة أو التأثير فيهما - وحتى بدء جائحة كورونا - كانت الحكومة البريطانية تقبل الأموال الصينية بسهولة ومن دون مزيد من التمحيص".
حذر التقرير أيضاً من أن الغرب "يسير على مسار يمكن أن يؤدي إلى سيناريو كارثي حيث تقوم الصين بسرقة المخططات، ووضع المعايير، وبناء المنتجات، ممارسة نفوذ سياسي واقتصادي في كل خطوة".
مسؤول كبير في الحكومة البريطانية ذكر لـ"اندبندنت" أن "المشكلة الخطرة التي واجهناها هي أن الحكومات البريطانية المتعاقبة استغرقت وقتاً طويلاً لقبول ما كان يحدث. كان هناك بصراحة، تهاون - وعدم استعداد لمواجهة ما كان يحدث. أصبح واضحاً أننا كنا نتخلف عن حلفائنا الأميركيين في التعامل مع هذا الأمر، وفي النهاية، كان هناك قلق جدي بشأن ما حدث".
وفي عرض أمام النواب، قال المدير العام لجهاز الاستخبارات (MI5)، كين ماكالوم، إن التحدي الذي تفرضه الصين "يثير بالتأكيد أسئلة كبيرة بشأن مستقبل التحالف الغربي". وقال إن بكين هي "التحدي الاستخباري المركزي لنا على مدى العقد المقبل".
وصفت حكومة سوناك النفوذ المتنامي للصين بأنه "تحد بعيد المدى"، لكن بعض المتشددين تجاه الصين - بما في ذلك رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس - دعت إلى اتخاذ نهج أقوى بكثير لمواجهة نفوذ بكين.
بدوره دعا النائب بوب سيلي الحكومة إلى نشر بيان سنوي حول اعتمادنا التجاري على بكين، مضيفاً: "الصين لاعب رئيس على المسرح العالمي ولن تختفي في أي وقت قريب. نحن بحاجة ليس فقط لفهم طبيعة التهديد الذي تفرضه، ولكن كيفية التصرف بشأنه أيضاً".
وفي هذا السياق ذكر السير إيان: "لقد أصبحنا نعتمد بشكل كبير على الصين اقتصادياً، وبالتالي يزداد قلقنا في حال إزعاجهم، لذا فإن حسابات الحكومة الاقتصادية تتفوق على أي مخاوف أمنية. هذا أمر خطر للغاية".
يأتي ذلك في الوقت الذي قالت فيه وزيرة الدولة للشؤون الخارجية آن ماري تريفليان إنه من "المقلق للغاية" سماع تقارير تفيد بأن الصين أرسلت "جاسوساً" للتسلل إلى حدث في مجلس العموم يشارك فيه نشطاء من هونغ كونغ.
تريفيليان قال إنها لا تستطيع التعليق على مسائل أمنية متعلقة بأشخاص، مضيفة: "أمن البرلمان مسألة خاصة به ولا أرغب في الرد على ذلك نيابة عن السيد رئيس مجلس العموم".
الوزيرة ذكرت أيضاً أن الحكومة ستتقدم باحتجاج رسمي للسفير الصيني نتيجة محاولات مسؤولي هونغ كونغ "ترهيب وإسكات" النشطاء المؤيدين للديمقراطية.
وأعربت السيدة تريفيليان عن مخاوفها بشأن اعتقال خمسة أفراد في الأراضي البريطانية السابقة [هونغ كونغ]. وقالت: "لن يتم التسامح مع أية محاولة من أية قوة أجنبية لتخويف، أو مضايقة، أو إيذاء الأفراد، أو المجتمعات في المملكة المتحدة".
© The Independent